صرخة هادئة الى :

- منهم في الظل ومن هم في الشمس
- جيوب المقاومة ، العفاريت والتماسيح
- الناطقين باسم الجماهير ، المعبرين عن إرادة الأمة
- المتفرجون
التربية والتكوين : نهاية سياسة تعليمية ، وماذا بعد ؟

منذ سنة 1999 دخلت التربية والتكوين ، المصابة بعدة أعطاب ، الى قاعة الميثاق الوطني لإصلاحها . خاطب الحاضرون الحاضرين .. ملئت المحاضر .. تشكلت اللجن .. صيغت الأهداف .. تحددت الوسائل .. تعددت السفريات الى الخارج .. توزعت الأغلفة المالية .. اجتمع خبراء الداخل بخبراء الخارج .. التفوا حول جسد التربية والتكوين ، تارة باحثين عن تشخيص الأعطاب دون تحديد مسبباتها ، وتارة باحثين عن كيفية تجويد أساليب المعالجة .. أخضعوا الجسم المترهل ، بفعل كثرة وتنوع التدخلات ،إلى وصفة العلاج المستوردة .. أخضعوا إرادة وإدارة الجسد الى اللاتركيزواللاتمركز.. حاولوا اقحام اعتماد التدبير بالنتائج في سلوكيات إدارة الجسد .. أما العاملين بها فقد كانوا في ضيافة التدبير التشاركي و طلبوا منهم أن يتأهلوا رغم أن الكفايات المقدمة لاتعنيهم بيداغوجيا .. كثر الحديث عن التوارش وتلوثت فضاءات القاعات بصراخ وضجيج التناقش .. وحده الدجاج من ضحى لدعم الكرنفال اللغوي .. أما الحياة المدرسية فقد عبثوا بزمانها .. لقد كانوا يدرسون بدون خشبة .. داسوا على المواطنة وحقوق الانسان وطردوا الاختلاف .. عرضوا الفكر النقدي والنشاط الموازي للإتلاف ...
ازدادت الأعطاب استفحالا مع مرور السنوات .. لقد تأخرمفعول إصلاح الأعطاب ..
منذ سنة 2009 قرروا إدخال الجسد ، هذه المرة ، الى قاعة المستعجلات واتفقوا على قلب المعادلات .. لانعاش الجسد أدخلوا التلميذ الى قلبه للحد من الأعراض .. نادوا على الانخراط ليساهم في التدبير وسكتوا عن التبذير .. سرعوا من وتيرة الهرولة لإيقاف زحف نزيف الرسوب والانقطاع والتكرار.. حملوا الهدر المدرسي مسؤولية عدم تعميم التمدرس .. منحوا الدعم المدرسي ، المندمج وعير المندمج ، مساحة زمنية هامة في جدول كل الاجتماعات .. أخضعوا الزمان المدرسي للمراجعة النقدية وغضوا الطرف عن الحاجيات النقذية .. أيقظوا الخلايا ونوموا جوهر وكنه القضايا ..
ازدادت الأعراض وتنوعت مع مرور الشهور ...
اتسعت دائرة الإحتجاج وتعطلت الدروس بفعل هذا الإنفراج .. عملوا على تيسير بعض الإلتحاقات بالمدارس .. أركبوا بعض الملتحقين على دراجات هوائية وحشروا البعض في سيارات محدودةالعدد والوسائل والامكانيات .. تجندوا لجمع المحافظ والأدوات لتوزيعها في مناسبة من المناسبات حتى لايستمر الالتحاق في السبات .. أعلنت المدرسة عن عدم قدرتها لتلبية حاجات التلاميذ من معارف ومهارات وكفايات وتحسين جودة التعلمات .. تقاطر التلاميذ على مؤسسات بيع النقط استعدادا للمباريات... لم يعد أحد يتنافس مع أحد .. لا فرق بين المدخلات والمخرجات ...
لاحديث إلا عن اصلاح الإصلاح وإرساء مدرسة النجاح .. وتكوين الملفات للحصول على المنح .. استفادت المقاولات والشركات من عدم المراقبة وإغراءات الإنبطاح .. إنشغل الجل باقتناص التعويضات دون القيام بالواجبات .. وزعت الصفقات ووقع إسهال في النفقات .. ارتفعت نسبة المستفيدين من البنايات وترميم وتزيين الفضاءات وتجديد لوازم وآثات الداخليات .. فتح باب التوظيف لاستقبال المباشر والمدمج فدخلوا أفواجا ، أفواجا .. تألمت مدارس ومراكز التكوين فأغلقت عنها أبوابها .. تعرضت المؤسسات الى وابل من المذكرات وأغرقوها بالصالح والطالح من الالكترونيات .. أمطروا فضاءات التكوينات بالمصوغات في غياب بدل المجهودات .. كقطيع ، سار الكل يتحدث عن السلاليم والدرجات وكيفية انتزاع الترقيات دون الاهتمام بأداء الواجبات .. أصاب التهميش نظام الامتحانات ومنطق الاختبارات والمسالك والمواصفات .. بالغوا في الكلام عن الشراكة والتمويل دون الحديث عن تجاوز المزمن من الأعطاب والأعراض لإرساء البديل ... لم يكلفوا أنفسهم عناءا لوضع حد لخصام قديم بين التربية والتكوين والتشغيل .. في إسناد المناصب وتوزيع المسؤوليات وقع اعتداء شنيع على الكفاءات والشهادات لصالح الحزبية وأصحاب التدخلات .. تضرر، كثيرا، الكتاب المدرسي من شكاوي التلاميذ والمدرسين ومن فوضى التحرير وعشوائية التأليف .. حولوا المجالس ، خاصة المسماة تعسفا مجالس التدبير ، الى دروع وهمية لمحاربة فشلهم وما قاموا به من تحريف ...
خارج قاعة المستعجلات ، هبت رياح شرقية وعجلت ، رغم النزيف الحاد ، بإيقاف العملية وبطلان الإنعاش .. إصلاح الإصلاح لم يعد صالحا ..مدرسة النجاح عادت الى وضعية الإنجاح .. وهبت رياح شمالية غربية ،غير معتدلة ، وعجلت بانكماش الجسد وانطواء أعضائه على نفسها .. تسلم مفتاح غرفة الإنعاش حكيم خبر الأمور في بلدان الهند والسند وبلد الأمريكان .. طمأننا بأن ما لدينا لا يتوفر عليه الأمريكان .. إخوان الحكومة أسكتوا الضجيج والإحتجاج الذي كان .. إخوان السياسة ورفاق الدرب غابوا عن المكان .. الربيع الذي لم يزهر شتت الاذهان .. الانتظار يطول وبفعله يزداد حجم ووتيرة الإحتقان ...
بموت سنة 2012 أصبح الميثاق الوطني ومخطط الاستعجال في عداد المفقودين .. قامت كتيبات تربوية ، عبر التراب الوطني ،بالبحث والتنقيب عن آثاره .. جال الباحثون ، فتشوا ، كتبوا التقارير ،أرسلوا تحرياتهم الى القيادة المركزية واللاتركيز .. لكن النتائج ، بدورها ، لازالت في عداد المفقودين ...
المهتمون حائرون .. مندهشون .. قلقون .. يتهامسون .. يترقبون .. يتساءلون : ماذا عن المستقبل ؟ أية سياسة تعليمية ينتظرها المستقبل ؟ أي تخطيط لأي مشروع مجتمعي سيسود في المستقبل ؟ بعد محاولات التقدم والإسعاف و مالكي التناوب ، ودخول فعل المعاصرة المتأصلة على الخط ،استقر الرأي على الإستقلال .. فأي مستقبل للإستقلال، وأي استقلال للتربية والتكوين سيضمنه المستقبل ؟ استبدل الاستقلال بمن لا لون وطعم له فاي مصير لهذا المسار ؟

محمد أمشياع