بمناسبة صدور كتاب الأمير هشام أقدم لكم : "الملحمة الدغبوشية "التي اقتبست من قصيدة la crosse en l'air لجاك بريفير عام 1999 يوم هلك الحسن الثاني و فيها خبر لقاء الأمير هشام بالملك الجديد و وصف بيعته وذكر ابتهاج العامة بمقدمه وتفصيل محاسن القصر و نخبته و تلخيص ما جاء في باب اقتحام أبي جمعة الدغبوش للقصر ولقاءه بمحمد السادس.
أيها الناس، لا تجزعوا
ماتسمعونه ليس دعوة للتمرد
هي فقط صرخات أميرٍ سكران يلوح بعمامته
متعثرا..
على كتفيه ينسدل سلهامه الفاسي المطرز
ولكنه سكران.
يتدحرج في الشارع و تسقط منه عمامته
هذا يحدث مساءا بشارع ابن تومرت، قرب محطة الرباط المدينة
بالقرب منه جلس كلب مشرد،ينظر إلى الأمير، والأمير ينظر إليه.
ينظران إلى بعض، متجمدين
أغلق الأمير عينيه، أما الكلب فبقي ساكنا
كان الأمير يرى كلبين
ثم تقيأ.
مرت أمامه قطع شعر،مشط،تذاكر قطار،عوازل ذكرية،زجاجة بيرة مكسورة
بقايا سجائر..
فكر الأمير بحزن: هل ابتلعت كل هذا؟
رفع الكلب كتفيه بلامبالاة،و هرب حاملا العمامة
بقي الأمير وحيدا أمام الصيدلية
هذا يحدث في شارع ابن تومرت، و في شارع ابن تومرت توجد صيدلية.
صرخ الأمير فخرج الصيدلي من الصيدلية
رفع أصبعه و حوقل
وضع إصبعه وسط فم الأمير ليساعده على التقيِؤ
نادى الصيدلي ابنه الذي حوقل أيضا
ثم تقيأ هو الاَخر.
الصيدلي بأصبعه الذي رفعه وهو يحوقل
يساعد الأمير على التقيؤ
وهكذا
حوقلة ثم تقيؤ.
بعيدا،في عمارة لم يكتمل بناؤها
أو هي مخربة.
المهم عمارة بشرية
يوجد حفل كبير
حفل كلاب مدينة الرباط
الكل كان حاضرا: كلاب تحمل عظاما و أخرى أسماكا
وأخرى ترتدي جلابيات و قفاطين
وكلاب سمينة تحمل اَلات موسيقية
إنه الحفل الذي ينظم كل جمعة أولى من الشهر
ولكن الكلاب وحدها تعلم بذلك.
أمام كل الكلاب الجالسة، تمر كلاب أخرى تقدم عروضها
الكلب الأعمى
الكلب المسلح بالبندقية
كلب الحراسة
الكلب الراعي
الكلب الشرطي.
وهاهي المفاجأة:
نبحت الكلاب ضاحكة
قد جاء الكلب على رأسه العمامة العلوية
بكل حركات الوقار
نبح باللغة العربية الفصحى
" شعبي العزيز" ثم حرك ذيله
رفع الحاضرون كلهم أكف الضراعة و قالوا " سيدنا سيدنا"
فاستفاق الدغبوش منزعجا من النباح،هو الحارس الليلي لممر سكة القطار.
اختفى عالم الكلاب
نام الدغبوش مرة أخرى
كان مأخوذا بالحلم
حلم الصمت،حلم الضجيج
في حلمه كان يسمع المطر
حلمه كان حلم الماء، حلم الانسان
حلم محطة القطار و حانة بيلير و بيتزريا ايطاليا
حلم مقهى باليما
حلم الملك، سيدنا..هل كانت الكلاب تصيح سيدنا سيدنا؟
حلمه كان حلم المشور السعيد،لم هو سعيد؟
المشور السعيد هو ملاذي
استيقظ الدغبوش وهو يردد
بالتأكيد، بالتأكيد،المشور السعيد
قام، غسل وجهه و دخن سيجارته وهو يردد
المشور السعيد سيسعدني
حمل مصباحه المحمول،ومشى
يتبع ظله،و ظله يذهب به إلى القصر الملكي
ككل الطرق الأخرى بالرباط.
المسكين وجد نفسه وسط جلابيب بيضاء
أشخاص يتحدثون لغة غريبة
يصرخون ثم يركعون
يركعون ثم يصرخون
صرخ فيهم : "لم يحن وقت الصلاة يا قوم"
ولكن شخصا هناك شرح له بلغته الغريبة أنهم يبايعون الملك الجديد
وأنه يجب أن يركعوا و يصرخوا حين يبايعونه
لم يفهم الدغبوش شيئا، فوقف وسطهم يضيء بمصباحه
ومن بعيد رأى شخصا مخنوقا فوق حصان
إنه الملك
يحيط به أمراء كثيرون حزينون، لن يكونوا ملوكا،صافي هزهم الماء
والملك، عابس ككل الملوك،يلوح بيده
فتفرح الجموع.
ويصرخون، يبحثون عن بركته، يبحثون بين أرجلهم عن لعابه
يجدون لعابه مخلوطا بروث الحصان،ثم يتدحرجون على الأرض صارخين عاش الملك
يقوم الملك بشيء ملكي بيده الملكية ثم يختفي
ثم يرحل أصحاب الجلابيب،مرددين لقد رأيناه
صافي شفناه
لقد لمسناه بالبصر
بعد ساعة،كان الملك جالسا في عربته الملكية المزينة بالذهب، يتجول بالمشور السعيد
سعيدا بنفسه كملك جديد لا أب له
يستطيع أن يشعل أخيرا لفافة حشيش مطمئنا
فيسرع الخدم و يفتحون النوافذ
ويحرقون البخور.
وفجأة يظهر الأمير وتقف العربة الملكية حين يقف الحصانين الملكيين.
" أظن أنك سكران" يقول الملك للأمير باحتقار
عم صمت لكن قصير حيث أن الأمير بلغ حالة سكر لم يتخيلها السلطان
ولأنه تعلم للتو كلمات جديدة في حانة باليما فقد قال ما أراد قوله
"إذا كنت سكرانا فليس بفلوسك.....يا سيدهم"
ثم حك رأسه لأنه شعر بالبرد مادام الكلب قد سرق عمامته
"اغلقوا الأبواب و النوافذ" صرخ الملك
بكل خجل ذكّر خادمٌ الملكَ بأن كل الأبواب مغلقة
"اَه اَسف، لست مقدسا حين أتحدث عن أمور تافهة"
"هاها مقدسا،اُصمت،تثير تقززي، يا وجه الجبن الفاسد،مقدسا،ثم لماذا أصبحت ملكا أنت؟ أنا أيضا علوي شريف،انتهزت فرصة سفري لكي يبايعوك"
وقف الملك ووجه إليه أصبعه الملكي:" أيها الأمير، يا مولاي هشام، سأسخط عليك"
انفجر الأمير ضحكا وسقط سلهامه الفاسي المطرز
"هاهاها كم أنت مضحك
ستسخط علي سخطا مقدسا
بأصبعك المقدس هذا
هل أريك أين تضع أصبعك هذا"
احمرت وجنتا البدين
نعم،البدين هو الملك
يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها:
الكلب كلبٌ
المظلة هي مظلة
بنت تلعب في حي أكدال هي بنت تلعب في حي أكدال
أكدال حي جميل.
الوردة وردة..
و الملك من يكون؟ مجرد بدين في جلباب أبيض.
ولهذا حين يرى المغربي في التلفزة مشاهد من القصر الملكي
تدور في رأسه بعض الأفكار
يتخيل الملك شخصا فوق السحاب لا يتبول ولا يتغوط
ملاك على الأرض
ظل الله في الأرض
فيرى الأحصنة و الموسيقى
الجلاليب الغالية و القبعات
الزرابي و السيارات
قطار ذهبي و أواني فضة
مراحيض البلاتين
كل هذا يزعج قليلا المغربي الجالس على حصير بلاستيكي اشتراه بدرهم للمتر.
تتطاير الأسئلة من رأسه الفارغة
المغربي المسكين.
أيها الموطنون صاحب الجلالة يخاطبكم
ثم يقول له رعايانا الاوفياء...
عاش الملك يقول فصه الأيمن من الدماغ : حب الوطن من الإيمان..و الوطن هو الملك.
لكن فصه الأيسر لا يستطيع أن يحب
يستطيع فقط أن يخاف أو يكره
يريد أن يحبه ولكنه لا يستطيع..فيخشاه فقط
كأب قديم.
على التلفاز يقف الملك للعلم و الموسيقى و يتوارى.
وفي أخبار أخرى سيداتي سادتي
اسرائيل تقصف غزة مجددا
يعصر المغربي دمعة
ينبض قلبه بحب فلسطين و تنقبض يده
أعمال شغب في الريف و الصحراء و القوات العمومية تتعامل مع المشاغبين.
المشاغبون أولاد الحرام..
كم يحب المغربي -الجالس على حصيرته -البوليس و الجنود المرابطين في الحدود
كم يحب المقابر و المدافن
و الأحجار القديمة
كل ضربة في رؤوس المساخيط يتوهج لها قلبه
يصرخ فرحا "عطي لمو"
يمسك بتلابيب حصيره الذي اشتراه بدرهم للمتر
كأنه يخنق البوليزاريو
ويشرب شايه بالسكر
كم يفرحه منظر الدم
و القمع
قمع أعداء الوطن الكثر.
ثم عودة إلى الأنشطة الملكية
المشور السعيد يركع للحصان و الشعب في جنبات الطريق يصرخ بهستريا للملك الشاب.
يظهر التلفاز في لقطة سريعة شخصين وراء الجمهور
لا أحد انتبه إليهما.
أحدهما هو الدغبوش و الاَخر قنيطري عاطل عن العمل
في جيب سرواله خمسة دراهم ولم يأكل منذ يومين
يخرجان من التلفزة و يتمشيان عبر المشور السعيد
لا داعي لأن يشعل الدغبوش مصباحه اليدوي..
يمران عبر أزقة مظلمة لكي يأكلا ساندويتشا بدرهمين قرب محطة طاكسيات سلا.
و كأس شاي بدرهم.
"عاش الملك" قال القنيطري
هاها عاش..سنعيش يوما ما نحن أيضا
ثم يضحكان.
التنمية البشرية هاها الحكامة هاها المقاربة التشاركية هاها
حولهما رجال يتسولون، أطفال يبكون، نساء ترفعن جلابيبهن أمام أبواب العمارت المغلقة.
عجوز يطلب سُلفة من المتجر
معطلون يصرخون
متقاعدون و أسرى حرب
كائنات يجري في عروقها البؤس بدل الدماء
وخوذات كثيرة تحصي الأنفاس..
دخن الدغبوش سيجارته الأخيرة أمام البرلمان،ودّع القنيطري ثم عاوده الحلم:
المشور السعيد.
أذّن مؤذن الرباط و سلا و ماجاورهما
كأنّ الاَذان ينبع من صدره صرخات
الله أكبر
الدغبوش يريد أن يصرخ أيضا
ليس من أجل نفسه بل من أجل كل رفاقه
رفاقه الحمالين بميناء اكادير
البناؤون من وزرازات في فيلات الأحياء الفخمة
الزبالون بمراكش
رفاقه المعلمون، التقنيون،البريديون،رفاقه المعتصمون بإميضرمنذ 96..القابضون على الجمر بالريف،السكارى بالحانات البئيسة،المهانون،المجوّعون،المنجميون،المسجونون،المضروبون،المتعبون،اليائسون..
لهذا أراد الدغبوش أن يصرخ لكن الاَذان توقف فأحس بحجمه يتضاءل.
وصل إلى باب القصر فوجد رجالا بطاقيات حمراء،سألوه إلى أين أنت ذاهب؟
"لقد جئت لأقول للملك إن كان أصما، هل تفهمون،هل يعرف أن يقرأ و يكتب،أريد أن أعرف رأيه في الوضع العالمي و لم المشور السعيد هو المكان السعيد الوحيد في البلد؟هل تفهمون؟ "
فسح له الحرس الباب ظانين أنه من البعثة الديبلوماسية الموريتانية التي أتت للحفل لتقديم التهاني.
مرّ الدغبوش عبر غرف كثيرة فارغة ثم سمعهم:
اَه سي الفاسي الفهري، لالة أمينة بناني سميرس
مولاي ابراهيم الكوهن،
والسي بنكيران
و بنسودة و حرمه
السي العلمي و أرملته
السي اليازغي وشفته
السي اليوسفي و صلعته
و جنرالات بنياشين كثيرة و بطون متدلية
صحفيون و كتاب و شعراء وأكاديميون،
كلهم يتحدثون من الأنف
عن الملك الشاب و العهد الجديد.
أحرضان و العجزة الماشين بتؤدة نحو الموت
حتى تراب المقابر عافهم.
ونساؤهم،كم هن جميلات،يسرن العين حين نغلقها ونفكر في أشياء أخرى
يتحدثن عن سيدنا ويبلعن كعاب الغزلان
يخطفن الباقي في محافظهن الصغيرة التي فتشها الحراس
سيدنا قالي هاذي سيدنا قالي هذا
طاطاطي طاطاطا...
ويظهر الجنرال بناني الذي لم يحارب في حياته بينهن
صدره مثقل بميداليات ملونة:
"وكما قلت لهم في حرب لاندوشين : فليقف الجنود الموتى وليذهبوا إلى الدوش نريد جثثا نظيفة"
فجأة يصمت الجميع
ويتوقفون عن فعل ما يفعلونه
على صوت فرقعة أحذية الضباط
إنه الجنرال بنسليمان يخترق القاعة ممسكا بيد الوزير ادريس البصري المرتعب.
يُدخله قاعة صغيرة و يقول له بعينيه :أنت رهن الاعتقال.
الجنرال بنسليمان يتحدث بعينيه فقط و الكل يحييه
إنه الجنرال الرمادي
يلحظ الدغبوش بجلبابه المتسخ و مصباحه اليدوي
من يكون هذا الشخص؟ هل هو زعيم زاوية صوفية؟ ربما
يدفعه الجنرال نحو القاعة الصغيرة مع البصري
و يدعوه للجلوس
كل ما أريده هو أن تتم البيعة بسلام.
أن ينتقل الحكم بسلاسة
من أجل سعادة الشعب
فينفجر الدغبوش ضحكا " نعم الشعب "
غضب الجنرال
لكن ما أقلقه أكثر هو البصري الذي أخرج في غفلة منه هاتفا نقالا : "احرقوا الأرشيف"
انتزع الجنرال الهاتف منه و صفعه،فبكى
بكى البصري كطفل.
وضحك الدغبوش.
فُتِح الباب الكبير وظهر خادم بعينين صغيرتين
"فليتفضل أولكم"
لم ينتظر الدغبوش كثيرا و دخل قبل الجنرال و أسيره.
وجد الملك جالسا في كرسي كبير
رجلاه متدليتان كأنه تلميذ تحضيري
وحوله سيدات يلبسن قفاطين خضراء
ساجدات لا يجرؤن على رفع أبصارهن
ينتحبن..كل واحدة بطريقتها
لا تتركنا سيدنا
لم نرى العالم منذ عقود سيدنا
دعنا نعيش في القصور سيدنا
نحن حريم أبيك فدعنا نكون حريمك أنت أيضا
كان الملك يبكي أيضا
سنتحدث لاحقا في الموضوع.
خرجت النسوة و بقي الملك وحده.
لم ير الدغبوش الواقف متجمدا قرب الباب الكبير
وككل الناس الوحيدين الذين يحسون بالملل
قضم الملك أصابعه ثم ضرب بقدميه طرف زربية
ثم فتح فمه
ووضع رجلا على أخرى
ونقر ركبته لكي يرى رد فعل رجله ثم أطرق يتأمل خريطة المغرب القريبة منه
فجأة ملأ جو غرفة العرش صوتٌ
صوت بعيد، صوت ميت،ميت منذ قرون...
" ألو ألو سأقتل الثلثين من أجل ثلث..ألو ألو إذا ما قدرتي على الحكم ها ولد عمك هشام أحسن منك...ألو ألو ترجل شوية...ألو ألو "
تضاءل الملك في كرسي العرش
أغلق أذنيه و عينيه ثم طارد الصوت بيديه كأنه يقاتل شخصا واقفا أمامه
ثم عم صمت قصير أنهاه الدغبوش بكحة باغثته من رئتيه
كحة تحمل رائحة سيجارة كازا.
تراجع الملك يتمتم مقبلا خاتما في أصبعه
كان يحاول قراءة اَية الكرسي
وهو منكمش على الكرسي
غطى وجهه، وبين أصابعه كان يتأمل الدغبوش النحيف الذي تغطيه جلابيته.
من يكون هذا الشخص؟
هل أرسلوه ليتقلني؟ هل أرسله هشام؟ أم تراهم البوليساريو؟
أم أوغاد البصري؟ أم فصيل في الجيش؟
تراه قاتل من الجزائر
أم من العدل و الاحسان؟ ربما ماركسي متخفي؟
-من تكون يا صديقي؟ سأل الملك بلطف.
-لست صديقك.احتفظ بمسافتك أرجوك،لست هنا لأقبل يديك
و اُترك تاجك على رأسك،لأني سأترك قبعتي أيضا على رأسي
جئت أسألك أين حقي؟
حقك؟ تمتم الملك ضاحكا..حقك في ماذا؟
حقي في هذا البلد..لا تكرر على مسامعي تفاهة: "لا تسأل ما أعطاك الوطن بل ما أعطيته،" أنا هنا لست لاسأل الوطن بل لأسألك أنت.
أنا أعرف الوطن ، الوطن يشبه شيئا ما.
أما أنت فلن تشبه شيئا سوى أبيك.
تمتم الملك "أنا لا أشبه أبي، أنا لست هو،أنا أنا وهو هو سأمنع تقبيل اليد و في ظرف سنة ســـ..."
لا تقل لي لا أشبه أبي..مع الزمن ستشبهه و تشبه أجدادك المنعمين.
ضحك الدغبوش ضحكة طفولية انبعث منها فصل الخريف،
حاول الملك كثيرا أن يحدثه عن برنامجه.
جلس الدغبوش و فكر :الملك ليس إلا شخصا مسكينا يحيط به الاَخرون.
ومن الباب تقافز هؤلاء الاَخرون، يوجهون شفافهم نحو اليد اليمنى للملك المتردد.
اختفى الدغبوش بينهم و مر عبر المشور السعيد،المشور ليس إلا مكانا تعيسا أيضا.
و في الأزقة المحيطة كانت وجوه متشابهة تصرخ "عاش" و ترفع الأعلام و الصور.
الاَخرون...
مشى الدغبوش يمينا الى اَثار شالة، و جلس قرب بركة صغيرة تحيط بها قطط سمينة
ولأنه قد حل الظلام فقد أشعل مصباحه
جلس قطٌ أسود قربه و في فمه جثة عصفور:
"هل يمكن أن تساعده، إنه مجروح،
ربما قد أتى من مكان بعيد، جناحيه متربتين..
كان يطير و الدماء تسيل منه
ثم سقط كحجرة صغيرة
قفزت لكي اَكله ولكنه بدأ بالغناء
كانت أغنيته جميلة أقنعتني بالصوم الليلة"
حمل الدغبوش الطائر بين يديه
"أرأيت؟ جناحه مكسور، هل سيموت؟"
"اصمت يا قط."
استفاق العصفور الصغير حين أحس بدفء يديْ الدغبوش الخشنتين.
"كم سيحزنني أن أموت اليوم
لقد رأيت الكثير..أمورا مرعبة و أخرى مفرحة ..كم سيحزنني أن أموت،وعندي الكثير لأحكيه،و أغاني لأغنيها."
اُصمت يا عصفور، قال الدغبوش
اُصمت إن أردت أن تُشفى.
"كنت أطير بسرعة و رأيت... رأيت البحارة المضربين في أكادير،الأطفال مسجونين في العيون،النساء يبكين في الأطلس.
رأيت أول الثلج في بني ملال.
انكسار الموج على "بويا"
و نهاية الرمل في زاكورة.
رأيت طفلة الربيع الجميلة تقف وسط الخريف.
وفوق أذنها وردة حمراء،وردة الثورة.
طرتُ حولها بهدوء وتحت ثديها الأيسر كان قلبها ينبض
الكل كان يسمع النبض.
نبض الحرية."
اُسكت الاَن، أنت تهلوس،لا حرية و لا ثورة مادام الاَخرون موجودين،اُسكت فجناحك مكسور..
حاول أن تنام، سأحاول أن أعالجك".
مشى الدغبوش على حافة نهر أبي رقراق في اتجاه البحر،العصفور المجروح نائم وسط كفيه،و القط الأسود يسبقهما حاملا المصباح
من صفحة الدغبوش