"الملك المستحوذ " كتاب نشر في فرنسا في مارس 2012 عن "دار لوسوي" للصحفيين الفرنسيين كاترين كراسيي وإريك لوران ينبش في ركام صناعة السياسة والاقتصاد بالمغرب . ولأنه يقوم على قاعدة معطيات غنية حول طريقة استحواذ المؤسسة الملكية بالتدريج على الاقتصاد المغربي وكيف يستفيذ المحيطون بالملك من بقايا ولائمها باسلوب اقرب منه للمافيات المنظمة وابعد من سلوك نظام سياسي مسؤول امام شعبه ، ولأن الكتاب منع من التداول بالمغرب في طبعته الفرنسية لحجب مايمكن ان يكون حجج وبراهين على تورط الماسكين بزمام السلطة في البلاد على القارئ المغربي ، ولأن الحق في الوصول الى المعلومة مبدأ تقره كل المواثيق الدولية التي وقع المغرب علىها، ولأن المعلومات الواردة في الكتاب لم ترد على مدى صحتها او خطأها اية جهة مغربية رسمية .
لكل هاته الاسباب إرتأينا في "ينايري .كوم " أن ننشر اهم ماورد في الكتاب عبر حلقات دون أن نغير كلمة واحدة من النص الاصلي حتى يكون القارئ على بينة من محتوياته ويتخذ الموقف المناسب الذي سيحاسبه عليه التاريخ عاجلا ام آجلا بعد أن يعرف أي نوع من الحكام يقررون في مصيره ومصير بلاده ومستقبلها .
مع الشكر لمجهود الصحفيين الجبار والمتميز ولجنود الخفاء الذين قاموا بترجمة الكتاب من اللغة الفرنسية الى اللغة العربية .ينايري.كوم

الفضيحة الرابعة عشر من حكاية نهب وطن
مع بداية حكم محمد السادس كانت أوضاع شركة أونا – التي تعود ملكيتها للملك وعائلته – كارثية. فقد اضطرت سنة قبل اعتلاءه العرش أن تقترض 511 مليون درهم من الأبناك لتبعد الخطر الذي يشكله عثمان بنجلون أحد كبار المستثمرين بمحاولته شراء أغلب أسهم شركة 1 SNI - هولدينغ ملكي أخر- المتوفرة في البورصة.
خلال السنتين المواليتين 1999 إلى 2001 ، ستتخبط أونا في مجموعة من المشاكل بسبب السياسات الكارثية لمديرها العام مراد الشريف. يلقبه موظفوه بمراد الثاني 2 – في إشارة للسلطان العثماني مراد الأول – مراد يعيد إنتاج سلوكيات المخزن: مذعن منبطح مع الأقوياء وبغيض ظالم مع الضعفاء. كان لا يخجل أن يترك بعض أعضاء مجلس إدارة شركة دانون ينتظرون أكثر من ساعتين رغم أنهم شركاء أونا لمدة طويلة في المركزية للحليب، لكن الأسوأ من كل هذا هو أن مراد الشريف كان يخال نفسه صاحب نظرة استراتيجية ثاقبة للمجموعة التي يرأسها.
ولكي لا يفوته قطار العولمة حسب زعمه فهو يؤمن بضرورة عقد تحالفات استراتيجية مع شركات عالمية كبرى بأي ثمن. وبما أن الشراكات التي عقدت في عهد الحسن الثاني مع لافارج Lafarge ودانون Danone كانت ناجحة فمراد الشريف فكر أولا في فرنسا، الحليف الوفي للمملكة العلوية، وقرر أن تكون للمجموعات الفرنسية امتياز في اختياراته. هذا التصرف ليس نادرا عند خدام المخزن البارزين خصوصا منهم أولئك الذين درسوا بفرنسا أو الذين تربطهم علاقات وثيقة مع القوة الاستعمارية القديمة. الاستراتيجية الهادفة لمنح فرنسا الأولوية افتتحت من طرف أندري أزولاي مستشار الملك الحسن الثاني، الذي طبقها لصالح المجموعة الفندقية أكور Accor و بوبليسيس Publicis أيضا. لم يبتكر مراد الشريف جديدا في هذا المجال، لكنه كان متحمسا جدا للدفاع عن المصالح الفرنسية بالمغرب.
فقد سارع بادئ الأمر ببيع الشركة الإفريقية للتأمينات في ظروف أقل ما يقال عنها أنها لا تكاد تُصدق: فقد بدأ الصفقة بعرض مفاده أن تحتفظ أونا بوضع شريك له أقلية من رأس المال قبل أن يغير رأيه ويبيع كل الأسهم بثمن قال الخبراء أنه أقل بكثير من القيمة الحقيقية.
في السياق نفسه فوتت أونا مجموعة من الأسواق الممتازة مرجان لشركة أوشان Auchan بثمن أقل من القيمة. بالموازاة مع ذلك، قام مدير أونا بشراء بعض الشركات في صفقات غير مضمونة العواقب: شركة البسكويت بيمو Bimo بسعر 441 مليون درهم وشركة صغيرة متخصصة في صناعة الكوفريت والفول السوداني 1 . نتائج هذا التهور لن تتأخر طويلا ففي سنة 2001 تراجعت قيمة سهم أونا بنسبة 41 % وكانت المجموعة ترزح تحت وطأة ديون قياسية. لن تتم إقالة مراد الشريف من مهامه إلا سنة 2002 ومما زاد الصورة قتامة، تلك العلاقة المتوترة التي جمعت القصر برجال الأعمال المغاربة، والذين اشتهروا رغم كل هذا برضوخهم له مع استثناءات قليلة. لم يكن رجال الأعمال يستثمرون بشكل كاف بالمملكة. "كان الأفق مسدودا" يعترف مستشار اقتصادي عمل على البحث عن مفرج للأزمة لصالح السلطات المغربية مضيفا "لكن يتوجب فهم موقف رجال الأعمال.
فخلال السنوات الأخيرة راكمت الدولة متأخرات كبيرة حتى أن بعض الشركات صارت بدون سيولة مالية 2". ونظرا لكون الوضع حرجا والطلب
ملحا فقط تم الإفراج عن المال العام بسرعة لتحدث المعجزة: فقد بدأ رجال الأعمال بإعادة الأموال التي وضعوها بالخارج إلى المغرب، يعلق المستشار ساخرا "حينها صارت سويسرا مؤقتا ثاني مستثمر بالمغرب".
إضراب مُفْتعل عن الإستثمار
وجد رجال الملك محمد السادس، خصوصا فؤاد علي الهمة الوزير المنتدب بالداخلية، ومنير الماجيدي الكاتب الخاص لجلالته، وجدوا في هذا الإضراب المفترض فرصة لتأديب أصحاب الشركات، مستغلين بلا حياء حجة كاذبة مضمونها أن رجال الأعمال حاولوا أن يضربوا عن الاستثمار لأنهم لا يثقون في الملك الجديد. "هذا كذب"، يرد أحدهم 1 : "سبب انتظارنا هو
الظرفية السيئة وكون احتمالات الربح ضعيفة. فكرة الإضراب كلام فارغ." كل هذا التلاعب ليس من قبيل الصدفة. ففي بداية عهد حكم محمد السادس كانت هناك تحركات خلف الستار تهدف الاستئثار بإدارة الثروة الملكية. ذلك أن محمد السادس لم يخف أنه سيجعل منها واحدة من أولوياته ومن ثم فالمشاركة في تسييرها وسيلة ناجعة لكسب ود السلطان. في مارس 2000 عيَّن الملك إدريس جطو على رأس أونا. اختيارهذا الرجل الهادئ الكتوم الذي طالما تفاخر وزير الداخلية البصري باكتشافه سنة 1995 ، كان موفقا.
على عكس الأطر المؤهلين أكثر من اللازم والمتغطرسين المحيطين بمنير الماجيدي، فجطو ليس من خريجي البوليتكنيك أو المدرسة المركزية. إنه رجل أعمال في ميدان الأحذية راكم مجموعة من الوظائف العمومية دون أن تكون له سمعة سيئة، لحد الساعة على الأقل. جطو عرف بكفاءته كوزير التجارة والصناعة ثم وزير للمالية بعد ذلك. عندما صار الممثل الرسمي لمصالح العائلة الملكية داخل أونا فقد كان من الطبيعي أن تصفه الصحافة الرسمية بالخادم المخلص للعرش العلوي .
انطلق الرجل في مهمته الجديدة بهدوء وبعيدا عن الأضواء. رسم ملامح الإستراتيجية الجديدة لأونا التي ستطبع العهد الجديد حاملا هدفا سريا: كسب الكثير من المال لصالح الملك وعائلته. المهمة بدت صعبة. فعندما استلم جطو مهامه وجد الشركات الملكية في حالة يرثى لها تع م ها الصراعات مع الأجراء حسب الخبير الاقتصادي فؤاد عبد المومني. بعض المسيرين لم يكونوا يؤدون الأجور وقوى الأمن دأبت على التدخل لتهدئة النفوس. رغم هذا الجو المكهرب، فقد اعتبر أنه يجب التخلي عن المساهمة في الشركات التي كانت أونا تملك أغلبية أسهمها وفضل المساهمة في شركات تنشط في مجالات متنوعة لا تملك فيها الأغلبية 1 . جطو كان مقتنعا أن أونا ومعها
الملك لا يجب أن يكونا لاعبين أساسيين في المشهد الاقتصادي المغربي بل أن يكتفي الهولدينغ الملكي بدور تدبير المساهمات société de participations حسب قول رجل الأعمال السالف الذكر. لن يكفي الوقت إدريس جطو ليتم تنفيذ خطته، لأنه تم تعيينه وزيرا للداخلية
دون سابق إنذار سنة بعد ذلك أي في 2001 . اختيارات ورغبات الملك تفرض على الجميع. عوَّ ضه منير الماجيدي في مهامه. كان الأخيرمقتنعا أنه بفضل عمله تحت إشراف جطو قد تعلم ما يكفيه لتسيير الثروة الملكية، وسيساعده في مهمته هذه شخص غير معروف اسمه حسن بوهمو، الذي تم تعيينه في 2001 على رأس الهولدينغ الملكي سيجر Siger . وجهه السمين وحاجباه الكثيفان يعطون انطباعا بأنه ودود، لكنه انطباع مخادع بطبيعة الحال: يتميز بذكاء يفوق أفراد المحيط السخيف المقرب من محمد السادس.
كان هذا الرجل يحب التكتم. يقال عنه أنه لا يرحم وأنه عازم على جعل نفسه مقربا من الملك. مسيرته ناجحة لحد الساعة: تخرج من مدرسة البوليتكنيك ثم مدرسة المعادن بباريس ثم اشتغل مهندسا في شركة Schlumberger وشغل منصبا في البنك المغربي للتجارة الخارجية بعد عودته إلى المغرب سنة 1992 حيث عرفه أحد المقربين من منير الماجيدي فقدمه بسرعة للكاتب الخاص للملك الذي كان يبحث حينها عن مسيرين شباب وطنيين ومتألقين .
في عام 2111 لم يكن أحد يعلم شيئاً عن الدور الذي سيلعبه حسن بوهمو في مؤسسة الافتراس الواسعة التابعة لمحمد السادس. شكَّ ل بسرعة بالغة تحالفا استراتيجيا مع الماجيدي فأصبح مساعده الخفي وظله الذي لا يفارقه.
في تلك الأثناء يواجه الثنائي الماجيدي– بوهمو مشكلة اسمها إدريس جطو. يُعد الثنائي المرحلة الأولى لمخطط واسع يرمي لبسط السيطرة على البلاد. يمر هذا المخطط من وجهة نظرهم عبر بروز شركات كبرى كأبطال وطنيين في عالم الاقتصاد. إلا أن هذه الاستراتيجية تقع على النقيض تماماً مما ينادي به إدريس جطو.
يسود الاعتقاد في القصر بأن البطل الوطني يجب أن يكون رائد اً في مجاله، وأن يكون بمثابة قاطرة للشركات الأخرى، وأن يستخدم كحافز لدفع القطاع نحو التميز. بعد بضع سنوات، يتبين أن "البطل الوطني"، في الواقع، ليس إلا إحدى الشركات التي يساهم فيها الملك، والتي لا تقبل العمل إلا في بيئة احتكارية أو في أحسن الأحوال، شبه احتكارية. لا يسمح بأي منافسة حقيقية،
وسيتم استخدام كل الوسائل لتحقيق هذه الأهداف )إقصاء/إضعاف المنافسين(، بما في ذلك استخدام القضاء البعيد تماماً عن الاستقلالية. لا يتردد الثنائي الجهنمي، لأجل إقناع محمد السادس بتبني نظرية "الأبطال الوطنيين" والتي لم تدخل بعد إلى حيز التنفيذ، بأن يشرح للملك بأن شركاته سوف تخلق العديد من فرص العمل.
للفضائح بقية...