"الملك المستحوذ " كتاب نشر في فرنسا في مارس 2012 عن "دار لوسوي" للصحفيين الفرنسيين كاترين كراسيي وإريك لوران ينبش في ركام صناعة السياسة والاقتصاد بالمغرب . ولأنه يقوم على قاعدة معطيات غنية حول طريقة استحواذ المؤسسة الملكية بالتدريج على الاقتصاد المغربي وكيف يستفيذ المحيطون بالملك من بقايا ولائمها باسلوب اقرب منه للمافيات المنظمة وابعد من سلوك نظام سياسي مسؤول امام شعبه ، ولأن الكتاب منع من التداول بالمغرب في طبعته الفرنسية لحجب مايمكن ان يكون حجج وبراهين على تورط الماسكين بزمام السلطة في البلاد على القارئ المغربي ، ولأن الحق في الوصول الى المعلومة مبدأ تقره كل المواثيق الدولية التي وقع المغرب علىها، ولأن المعلومات الواردة في الكتاب لم ترد على مدى صحتها او خطأها اية جهة مغربية رسمية .
لكل هاته الاسباب إرتأينا في "ينايري .كوم " أن ننشر اهم ماورد في الكتاب عبر حلقات دون أن نغير كلمة واحدة من النص الاصلي حتى يكون القارئ على بينة من محتوياته ويتخذ الموقف المناسب الذي سيحاسبه عليه التاريخ عاجلا ام آجلا بعد أن يعرف أي نوع من الحكام يقررون في مصيره ومصير بلاده ومستقبلها .
مع الشكر لمجهود الصحفيين الجبار والمتميز ولجنود الخفاء الذين قاموا بترجمة الكتاب من اللغة الفرنسية الى اللغة العربية .ينايري.كوم

الفضيحة الخامسة عشر من حكاية نهب وطن

الهمة و غيرته العنيفة
على الصعيد السياسي حيث لا يتحكم الرجلان، الأوضاع آخذة في التدهور.
في ربيع عام 2002 ، أصاب الضعف الحكومة الاشتراكية برئاسة عبد الرحمن اليوسفي، في إطار من خيبة الأمل العامة. أجريت انتخابات برلمانية في سبتمبر ولكن على غير العادة، لن يختار محمد السادس رئيس وزرائه من واحد من الحزبين السياسيين الرئيسيين وهما حزب الاستقلال)محافظ( والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولكن اختياره سيقع في الدقيقة الأخيرة على صاحب ماليته السابق، إدريس جطو.
فاجأ هذا التعيين الكثيرين، فالرجل غير منخرط في أي حزب، إلا أنه -أي التعيين- اعتبر بمثابة بادرة من الانفتاح والحوار. يتمتع جطو بشبكة واسعة من العلاقات، وهو رجل ودود عليم بأعراف المخزن. كان إدريس جطو ذكياً بما فيه الكفاية لوضع شبكة علاقاته تحت تصرف محمد السادس، وتكريس ما عرف عنه كسامع مطيع أبدي. لا بد من القول إن لشبكات جطو تشعبات كثيرة.
بالفعل، يملك جطو علاقات جيدة مع كبار جنرالات الجيش المغربي الذين يشكلون العمود الفقري للنظام. كما يتمتع أيضا بدعم من مجتمع رجال الأعمال، الذين لا يعتبرونه واحدا منهم فقط، ولكن أيضا ممثلاً للأمازيغ. بحرصه على إرضاء الجميع، يعتبر إدريس جطو على نحو ما الرجل المحوري للنظام الملكي. إنه يعلم أفضل من أي شخص آخر أنه من كان يرغب في الارتقاء والاستمرار في هذا النظام، فعليه ألا يظهر أي عزة ولا قوة شخصية.
بدأ نجاح جطو في إغضاب فؤاد عالي الهمة، الذي يستغل بل ويفرط في استغلال قربه من الملك للتحكم في خيوط الحياة السياسية في المملكة. كلما شعر الهمة بوجود منافس، بدأت مشاعر الغيرة العنيفة تتكون تجاهه. يؤاخذ الهمة على جطو نجاحه في تنظيم الانتخابات التشريعية عام 2002 عندما كان وزيرا للداخلية، وقدرته على إيجاد دينامية للعمل جعلت دور الهمة، الصديق القديم للملك، يتلاشى. فإذا أضفنا إلى ذلك نجاح إدريس جطو في استمالة أصحاب الشركات الكبرى والسفارات الأجنبية التي أصبح يحظى باحترامها ...
لقد خاض الهمة حربا بلا هوادة ضد الوزير الأول المعيَّن من قبل الملك محمد السادس. رغم تلك الهجمات، استطاع جطو الصمود إلى غاية عام 2007 ، عندما عُزل من منصبه، ولكن بأي ثمن! خلال كل هذه السنوات في السلطة، تعرض جطو إلى مؤامرات الهمة. أحد الشهود الذين رافقوا المستشار الملكي خلال تلك السنوات يتذكر الكلام العنيف الذي كان يتفوه به الهمة، لقد قال يوم اً: "جطو هو حقير كبير يوهم الناس بأن كل المبادرات الملكية تأتي بإيعاز منه". قبل أن يعزل من منصبه، استطاع خصوم جطو، الهمة أولا ثم منير المجيدي وحسن بوهمو ثانياً، تحقيق نصر أولي عليه: لم يعد محمد السادس يوجه الحديث إلى وزيره الأول و توقف تقريباً عن استقباله.
بدأت التكهنات تعرف طريقها إلى وسائل الإعلام، بعضها يستند إلى دليل والآخر يفتقد إليه. في عام 2006 ، "كُشِف" 1 أن الوزير الأول قد يكون ألقى بثقله للدفاع عن المدراء السابقين للمكتب الشريف للفوسفاط ) OCP ،) والذين تم طردتهم الإدارة الجديدة بعد أن اكتشفت تجاوزات مالية مروعة.
تكهنات أخرى أقل مصداقية تحدثت عن أراض تمت حيازتها بشكل غير قانوني، قد تكون هدايا ملكية أو مقدمة من جانب بعض السياسيين .
الإرهاب يقتحم المشهد

حدث كبير في التاريخ المعاصرللمغرب سيضع حداً بشكل مؤقت للنزاعات الداخلية للمخزن. بتاريخ 16 ماي 2113 ، فجَّر انتحاريون من خمس خلايا أنفسهم في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، مما أسفر عن مقتل
45 شخصا )بينهم 12 إرهابي اً( وإصابة أكثر من مئة .
بشكل عام استهدف الجهاديون أماكن يربطونها ب "الفجور" و"الصهيونية" أو ببساطة ب "الأجانب": ساحة في المدينة القديمة، فندق فرح، لاكاسا دي إسبانيا، نادي التحالف اليهودي ومطعم بوزيتانو .
سارع كبار رجال الأمن وعلى رأسهم الجنرال حميدو لعنيكري مدير DST إلى اتهام شبكة القاعدة الإرهابية وأسامة بن لادن الذي لا يزال يعيش نشوة هجمات 11 سبتمبر 2111 . ولكن كل الانتحاريين هم مغاربة خرجوا من نفس الحي المهمش المكون من أكواخ قصديرية وممرات موحلة، حي سيدي مومن، حيث تتكدس الأسر القادمة من البوادي، والتي يتعذر على شبابها إيجاد مكان في النسيج الحضري .
وجد السلفيون ودعاة الكراهية في هذه الأماكن آذانا صاغية. أحدثت الصور المرعبة للجرحى وجثث القتلى صدمة عميقة للرأي العام في المغرب. لقد دخلت المملكة عصر الإرهاب الإسلامي بعدما استطاعت البقاء خارجه حتى الآن، ظاهريا فقط على ما يبدو كما لاحظ ذلك الصحفي بنشمسي في نص
1 Paul Héauduc, « Les gros sabots de Driss jettou », Bakchich, 27 juin2007.

ممتاز نُشر بعد تفجيرات الدار البيضاء 1 . أشار المقال إلى أنه قبل أشهر من
الهجمات الانتحارية، شهد المغرب عدة إرهاصات إرهابية من الدرجة الأولى، أولها على شكل أعمال إجرامية معزولة كما حدث في 23 مارس 2002 ، عندما تم رجم شخص في حالة سكر حتى الموت في الشارع من قبل "خلية" يقودها واعظ يتقمص دور الأبطال. الأسوأ من هذا، حوالي شهرين بعد ذلك، تم تفكيك خلية نائمة لتنظيم القاعدة تضم ثلاثة سعوديين. كانت الخلية تخطط لنسف بارجة أمريكية تبحر عبر مضيق جبل طارق.
أخيرا، وفي مارس 2113 تم إحباط هجوم على مجمع لصالات السينما في الدار البيضاء ( Mégarama (. تم تفادي المجزرة بأعجوبة.
إرهاب من أصل أجنبي، أو إرهاب ناشئ من الداخل، أياً كان فالمغرب على مفترق طرق، ومنذ فترة طويلة، حتى لو كان الملك يعيش في أجواء يملؤها الهدوء والخمول إلى درجة تجعله يميل إلى النسيان واللامبالاة. إلا أن الأجهزة الأمنية كانت على علم بأن ما لا يقل عن 71 مغربيا توجهوا الى أفغانستان في الثمانينيات لمحاربة الروس جنبا إلى جنب مع المجاهدين الأفغان. ثم، وفي بداية عقد ال 2000 ، ولدت الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، المعروفة اختصارا ب GICM في أفغانستان، وأنشأت معسكراً لتدريب الجهاديين القادمين من المملكة.
إنهم يدفعوننا للعودة إلى ممارسات حقبة أوفقير
لقد كانت الفوضى والالتباس اللذان يسودان بالمغرب لصالح فؤاد علي الهمة الذي استغل انتهازيته للتدخل في ملف محاربة الإرهاب رغم كفاءاته المحدودة في هذا المجال. يعرب مصدر بالمصالح الفرنسية للاستخبارات DGSE مكلف بمراقبة صديق الملك من خلال مذكرة هامة وجهها لرئيسه حيث نقرأ حول الهمة أن فكرته الرئيسية هي أن "هاته الضربات نقضت صورة الإستثناء المغربي في ما يخص الأمن وجلالة الملك سيقوم بالتدابير اللازمة في الأسابيع المقبلة" .
1 . Ahmed Réda Benchemsi, « Comment nous en sommes arrivés là », TelQuel, nº 176
سيلعب الهمة بعد ذلك دور الصقر لا الحمامة حيال أكبر وجوه الإسلاميين المغاربة. إلى حد أنه بدأ بالتهديد:"سننتهج أسلوب العين بالعين، كأنهم يريدون منا الرجوع لحقبة أوفقير" وهو ما معناه تصفية الإسلاميين.
يقوم الوزير المنتدب بالداخلية بطريقة جد حماسية وجريئة بالتحامل على المسؤولين عن نشر إيديولوجية العنف. ويعتقد أن "مصدر تمويل المجموعات الصغيرة والكبيرة هو دول الخليج ثم عمليات التهريب لإسبانيا ومال المخدرات". في ما يخص التمويل العربي الأصل، يشتبه فؤاد عالي الهمة في الجمعيات السعودية التي تعمل بتواطؤ مع جزء من مصالح المخابرات".
المهم أن وثائق DGSE تذكر أنه بعد أحداث 16 ماي 2003 بدأت مكانة صديق الملك تتصاعد في فلك الأمنيين الذين يحومون حول العاهل. وهذا لا يروق للجنرالات وخاصة حميدو العنيكري مدير مراقبة التراب الوطني آنذاك DST الذي لا يتقبل أن يتدخل أحد في مهامه.
في 2002 أدلى إدريس البصري من باريس بتنبؤات لعناصر DGSE الفرنسية قائلا إن الملك سيقوم بتغيير جذري في مؤسسات المملكة وخاصة الجيش ومصالح الأمن ولكن بطريقة تدريجية و بدون عشوائية 1 . رغم كونه متقاعدا فإن البصري لم يخطئ ولكن محمد السادس لم يبدأ عملية التغيير التي تستهدف كبار الضباط إلا في فبراير 2005 .
لقد كان الجنرال الحرشي أول ضحية "للتطهير"، كان يدير المخابرات المغربية الخارجية ومتخصصا في الحركات الإسلامية الراديكالية حيث تم تعويضه بياسين المنصوري في ذلك المنصب لمجرد أنه درس في الإعدادي الملكي مع محمد السادس.
ثلاثة شهور بعد ذلك في ماي 2005 ، تم استهداف الجنرال عروب المعروف بنزاهته والذي كان يس يَّر المكتب الثالث للجيش وذلك عندما اندلع نقاش حول جدوى افتتاح متحف الماريشال مزيان، الذي كان مساندا قويا
1 « Mohammed VI poursuit son ménage militaire », Bakchich, 6 mars 2007.

للقائد الإسباني فرانكو. وفي يوليوز 2116 جاء دور الجنرال بلبشير الذي يدير المخابرات العسكرية إثر قضية غريبة متعلقة بالمجموعة الإرهابية المعروفة بإسم "أنصار المهدي".
وأخيرا في شتنبر 2006 قام القصر بتغيير منصب حميدو لعنيكري الذي اضطر قبل ذلك لمغادرة مديرية مراقبة التراب الوطني بعد أحداث سنة 2003 بالدار البيضاء والذي انتقل بعدها لإدارة الأمن الوطني. لقد تم تعيينه مفتشا عاما للقوات المساعدة أي كمسؤول عن الحزام الأمني الذي يقف في وجه المظاهرات. وقد وُظِّفت لإزاحته من المنصب اعترافات بارون من بارونات المخدرات حول مقرب له كان يشغل منصب رئيس الأمن للقصور الملكية.
وهكذا وبفضل هذه التغييرات كانت السلطة الأمنية قد عادت في نهاية 2006 إلى نفوذ محمد السادس وفؤاد عالي الهمة ولم يتبق من النظام القديم سوى الجنرال حسني بنسليمان وهو أقوى من الآخرين، فظل مسؤولا عن
الدرك الملكي وحماية الملك عند تنقلاته.
لفضائحهم بقية ...