"الملك المستحوذ " كتاب نشر في فرنسا في مارس 2012 عن "دار لوسوي" للصحفيين الفرنسيين كاترين كراسيي وإريك لوران ينبش في ركام صناعة السياسة والاقتصاد بالمغرب . ولأنه يقوم على قاعدة معطيات غنية حول طريقة استحواذ المؤسسة الملكية بالتدريج على الاقتصاد المغربي وكيف يستفيذ المحيطون بالملك من بقايا ولائمها باسلوب اقرب منه للمافيات المنظمة وابعد من سلوك نظام سياسي مسؤول امام شعبه ، ولأن الكتاب منع من التداول بالمغرب في طبعته الفرنسية لحجب مايمكن ان يكون حجج وبراهين على تورط الماسكين بزمام السلطة في البلاد على القارئ المغربي ، ولأن الحق في الوصول الى المعلومة مبدأ تقره كل المواثيق الدولية التي وقع المغرب علىها، ولأن المعلومات الواردة في الكتاب لم ترد على مدى صحتها او خطأها اية جهة مغربية رسمية .
لكل هاته الاسباب إرتأينا في "ينايري .كوم " أن ننشر اهم ماورد في الكتاب عبر حلقات دون أن نغير كلمة واحدة من النص الاصلي حتى يكون القارئ على بينة من محتوياته ويتخذ الموقف المناسب الذي سيحاسبه عليه التاريخ عاجلا ام آجلا بعد أن يعرف أي نوع من الحكام يقررون في مصيره ومصير بلاده ومستقبلها .
مع الشكر لمجهود الصحفيين الجبار والمتميز ولجنود الخفاء الذين قاموا بترجمة الكتاب من اللغة الفرنسية الى اللغة العربية .ينايري.كوم
الفضيحة التاسعة عشر من حكاية نهب وطن

كل المشاريع تشترط موافقة الملك
وُ ضعت المجموعة الجديدة تحت قيادة حسن بوهمو، وأطلق مدير أونا، باسم الجاي الحوكيمي على العملية اسم "دوران المساهمات في الرأسمال" أو Rotation des participations . إن هذه الصيغة التقنية تخفي وراءها تلاعبا دنيئا. قبل تنفيذها بشهر، صدر الأمر لمدراء صناديق التقاعد الرئيسية في البلاد، وهي MAMDA و RCAR و CIMR لكي يبيعوا بسعر منخفض للهولدينغ الملكية Siger مساهماتهم في رأسمال أونا، والهدف بسيط للغاية: السماح للملك بتقوية سيطرته المالية في المجموعة. الرسالة التي تم تمريرها إلى هؤلاء المسيِّرين مفادها أن مبادرتهم الطيبة تلك سيتم اعتبارها هدية للأمير ولي العهد بمناسبة عيد ميلاده. بعضهم أمعن في الخنوع فسارع للعودة على عجل من عطلته ليشرف بنفسه على سير إجراءات البيع.
كانت إذن عملية ابتزاز بامتياز تلك التي أقدم عليها القصر والخاسر فيها هو صناديق التقاعد أي ملايين المغاربة الذين تتصرف تلك الصناديق في مدخراتهم. هل سيقتنع هؤلاء الرجال والنساء المدخرون بالسخرية البلاغية التي تطبع خطاب الذين استحوذوا على أموالهم؟: "هدفنا أن نصنع للمغرب بطلا اقتصاديا من مستوى دولي يساهم في النمو وينفع الجميع" بينما الواقع هو تمكين محمد السادس من الحصول على القدرة المالية التي كان بحاجة لها. أحد مس يِّري الهيئات الاستثمارية يصف العملية هكذا "عملية سطو ملكية ضد مصالح المجتمع . "
كشفت العملية بالمناسبة أن استقلالية هذه الصناديق كلام فارغ. كل مسيريها معينون بظهير ملكي أو تابعون لصندوق الإيداع والتدبير CDG وهي مؤسسة عمومية خاضعة كلية للقصر ومديرها العام يختاره الملك ولا رئيس له غيره. هذه المؤسسة هي أيضا أكبر مستثمر مؤسساتي في البلاد. وضع السكرتير الخاص للملك على رأسها أنس العلمي وهو صديق حسن بوهمو ورفيقه في الدراسة، إنه شخص يتوفر على جميع الضمانات لحسن السلوك حيث أنه لن يقدِم على أي مشروع إلا بعد موافقة الملك.
منذ وصول محمد السادس للحكم وهذه المؤسسة تساهم في تمويل المشاريع الملكية، ولاسيما عندما نصح المستشارون الملكَ أن يستثمر في كلوب ميد Club Med لكي يصبح حسب زعمهم فاعلا رئيسيا في قطاع السياحة.
كانت حصيلة هذه العملية بالنسبة ل CDG خسارة تقدر بعشرات الملايين من الأورو، الشيء الذي لم يمنع من تكرار المحاولة مع العملاق الألماني TUI ، فانتهت المغامرة أيضا بخسارة مماثلة.
ولكونها في خدمة القصر، فإن CDG توجد خارجة عن نطاق مراقبة الحكومة رغم أنها تتصرف في أموال عمومية توظفها حيث أرادت وقد تهدرها. في سنة 2010 كان مبلغ ودائع المدخرين عندها يناهز 56.7 مليار درهم . من جهة أخرى فإن CDG تشارك غالبا في المشاريع الكبرى التي تطورها مجموعة SNI-ONA الهولدينغ الملكي بعد تغييرات 2003 . هذه الشراكات تنطوي على فائدتين اثنتين. أولاً، أنها مصدر تمويل جيد، و ثانيا أنها تسمح لرجال القصر أن يتحركوا في الخفاء زاعمين زور اً أنه من خلال هذه المؤسسة أن الفاعل هو الدولة المحايدة. إن المتملق الماكر هو من يعرف كيف يلبي رغبات الملك بشكل استباقي أي حتى قبل أن يكشف عنها، ويعرف كيف يُبعد عنه كل دواعي الإزعاج.
ولذلك من الضرورة القصوى أن يتم تمويل الأخطبوط الملكي أونا بعناية. مؤخرا، قدمت جميع المصارف المغربية قروضا لهذا الهولدينغ الملكي الذي وصل إلى عتبة الحد الأقصى للقروض البنكية، فتم العثور على الحل: لقد طلب القصر من مديري CDG أن ينشئوا بنكا للأعمال هي FIPAR فحصل على التراخيص بسرعة البرق ومنح قروضا لأونا على الفور .

كيف تصنع مجرما

مسار الرجل الذي سنروي في هذا الفصل يختزل لوحده، من صعوده لقمة التألق إلى هبوطه لحضيض المغضوب عليهم، أخلاق القصر الملكي ونزوات الملك وكيفية اشتغال جهاز قضائي خاضع للأوامر، يصطنع المجرم حسب أهواء الملك ومحيطه .
قضى خالد الودغيري خمسة أعوام في وضعية البنكي الأكثر نفوذا بالمملكة، كما كانت تصفه الصحافة، قبل أن يتحول مساره فجأة وتتراكم عليه التهم والإدانات الثقيلة.
ولد في مدينة فاس عام 1957 ، وتخرج من المدرسة المركزية بباريس للمهندسين Ecole Centrale de Paris ، ويحمل الجنسية المزدوجة المغربية والفرنسية، وهذا التفصيل ليس تافها ولا بريئا لفهم بقية القصة. التحق سنة 1992 بالمجموعة البنكية BNP-Paribas وساهم في عملية الاندماج بين المؤسستين فاكتسب خبرة مهنية متميزة. )للتذكير فقط، هذا البنك توجد لديه منذ عهد الحسن الثاني عدة حسابات تعود للعائلة الملكية المغربية ولكن ذلك ليس له أية صلة مباشرة بالوقائع التي سنسردها(.
في عام 2002 ، بعد أن عُين خالد الودغيري مسؤولا عن أنشطة البنك في منطقة الشرق الأدنى والمتوسط، التي كان يديرها من مكتبه في باريس، اتصل به منير الماجيدي، الكاتب الخاص للملك محمد السادس، واقترح عليه منصب رئاسة البنك التجاري المغربي الذي تمتلكه مجموعة ONA حيث كان الماجيدي قبيل ذلك قد أقدم على إقالة الرئيس السابق، ويراوده حلم تعيين فريق جديد من الرجال الأكفاء لينصبهم على رأس الشركات التابعة للمجموعة الملكية المالية. كان له خطاب واضح إليهم جميعا: "إن الملك وضعني في هذا المنصب بهدف تنشيط الدورة الاقتصادية لشركاته وإحكام السيطرة وتحقيق أقصى قدر من الأرباح" وها هي قواعد العمل: "أنا رئيسكم المباشر وأحظى بثقة الملك". ذلك أن السلطة السياسية والمالية في المغرب دأبت منذ القديم على الإذعان لأوامرالمستشارين الذين يمثلون السلطة الملكية .
إلا أن توجهات الودغيري لن تكون منسجمة مع رؤية القصر. هذا البنكي البالغ آنذاك 44 عاماً، كان واعيا بقيمته وكان مشبعا بقيم "المدرسة الجمهورية" التي تحترم الكفاءة وبالتالي كان يجهل تماما الأعراف المخزنية وخصوصا منها المتجذرة في البلاط. لم يكن ساذجا ولكن لم يدرك أنه يتحرك في حقل يع ج بالألغام . بعد تنصيبه بمدة قصيرة في رئاسة البنك، اتصل به منير الماجيدي وطلب منه الحضور إلى مراكش لأن الملك يريد استقباله. انتظر الودغيري أن يُحدَّد له الموعد ثم اتصل به الماجيدي على الهاتف مجددا ليخبره وهو محرج أن الملك ليس له الوقت.
الحقيقة أن الملك شخص منعزل ومتقلب المزاج، ولا يرتاح إلا في صحبة رفاق المدرسة المولوية الأقدمين الذين أصبحوا مستشارين لديه، ناهيك عن بعض الأشخاص ذوي المسارات المثيرة للتوجس. هذا الطوق الأول من الرفقاء الذين يحومون حوله يقومون بحجب الحقائق عنه ويشكلون حاجزا بينه وبين الواقع. ولذلك فهو لا يعير اهتماما لما يحدث في العالم من وراء ذلك الحجاب، والودغيري ينتمي إلى هذا العالم .
علي كل حال فقد استطاع هذا الأخير أن يوفر أرباحاً قياسية على رأس البنك الملكي، ولكن الملك لم يستقبله مباشرة. صحيح أن وظيفة الحجاب التي تقوم بها تلك الدائرة الأولى من الرفقاء تعمل في الاتجاهين: تحجب الملك ليبقى بعيدا عن الواقع، وفي نفس الوقت تقف حاجزا صارما أمام كل من يسعى بصيغة أو أخرى أن يتقرب منه. بدأ خالد الودغيري يكتشف شيئا فشيئاً هذا العالم الغريب: "كنت أعتقد أني أدير بنكا من القطاع الخاص، ولم أستوعب في البداية أن كل شيء في الواقع مرتبط بالإرادة الملكية ". الرجل يؤكد أنه عندما استلم مهمته في أوائل عام 2113 ، استغرب من غياب أي مشروع واضح المعالم لدى حسن بوهمو ومنير الماجيدي، وكأنهما يفتقران للأفكار .
1 Entretien avec l’un des auteurs, Paris, novembre 2011
لفضائحهم بقية ...