"الملك المستحوذ " كتاب نشر في فرنسا في مارس 2012 عن "دار لوسوي" للصحفيين الفرنسيين كاترين كراسيي وإريك لوران ينبش في ركام صناعة السياسة والاقتصاد بالمغرب . ولأنه يقوم على قاعدة معطيات غنية حول طريقة استحواذ المؤسسة الملكية بالتدريج على الاقتصاد المغربي وكيف يستفيذ المحيطون بالملك من بقايا ولائمها باسلوب اقرب منه للمافيات المنظمة وابعد من سلوك نظام سياسي مسؤول امام شعبه ، ولأن الكتاب منع من التداول بالمغرب في طبعته الفرنسية لحجب مايمكن ان يكون حجج وبراهين على تورط الماسكين بزمام السلطة في البلاد على القارئ المغربي ، ولأن الحق في الوصول الى المعلومة مبدأ تقره كل المواثيق الدولية التي وقع المغرب علىها، ولأن المعلومات الواردة في الكتاب لم ترد على مدى صحتها او خطأها اية جهة مغربية رسمية .
لكل هاته الاسباب إرتأينا في "ينايري .كوم " أن ننشر اهم ماورد في الكتاب عبر حلقات دون أن نغير كلمة واحدة من النص الاصلي حتى يكون القارئ على بينة من محتوياته ويتخذ الموقف المناسب الذي سيحاسبه عليه التاريخ عاجلا ام آجلا بعد أن يعرف أي نوع من الحكام يقررون في مصيره ومصير بلاده ومستقبلها .
مع الشكر لمجهود الصحفيين الجبار والمتميز ولجنود الخفاء الذين قاموا بترجمة الكتاب من اللغة الفرنسية الى اللغة العربية .ينايري.كوم

الفضيحة العشرون من حكاية نهب وطن

بين الحظوة الملكية والسخط الملكي
في شهر نوفمبر 2003 ، بينما كان المغاربة يتأهبون للاحتفال بنهاية شهر رمضان، هزالأسواق المالية خبر كالقنبلة وفاجأ أصحاب القرار الاقتصادي والسياسي، إنه اندماج البنك التجاري المغربي تحت إشراف الودغيري مع بنك الوفاء المملوك لعائلة الكتاني المعروفة بثرائها. لقد جرت المفاوضات في سرية تامة، بل إن المدير العام لبنك الوفاء بنفسه لم يعلم بالخبر إلا دقائق معدودة قبل التوقيع على عقد البيع لأن من أدار الصفقة هو سعد الكتاني، كبير ورثة مؤسس المجموعة المالية المالكة للبنك. كان خياراً موفقا لأن هذا الرجل معروف باهتمامه بالمتعة أكثر من إدارة الأعمال، مما سهَّل حسب ما راج آنذاك، الاتفاق معه على سعر أقل من القيمة الفعلية للبنك، وسمح لمحمد السادس أن يتحكم في ما سوف يصبح قريبا أول مؤسسة مالية في البلد ومن ثم السيطرة على اقتصاد المغرب .
إن الحظوة الملكية التي تلف بعض القوم من جهة، والسخط الملكي الذي ينصب على قوم آخرين من جهة أخرى أمور جديرة بالذكر هنا وتظهر مدى تدخل السلطة في الحياة التجارية. تعامل سعد الكتاني بليونة بالغة خلال عملية التفاوض لبيع البنك الذي كان بحوزة أسرته للملك، فتم تعيينه بُعيد ذلك رئيسا منتدبا للجنة الوطنية لترشيح المغرب لاحتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 ووُ ضعت ميزانية كبيرة تحت تصرفه. لا يهم إن كان البلد لا يتوفر على البنيات التحتية والملاعب الرياضية لاحتضان المباريات، يكفي أن يقتنع الملك من طرف حاشيته أن مملكته تتوفر على فرص حقيقية .
انطلقت إذن الوفود المغربية تجوب أفخم الفنادق في العواصم العالمية للترويج لهذا الترشيح لتنتهي بفشل ذريع، ولكن ذلك لم يمنع الكتاني من الحصول على منصب آخر: المندوب السامي لتخليد ذكرى مرور 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس، والتصرف مرة أخرى في ميزانية ضخمة. انطلق كالمرة السابقة يجوب العالم ويوزع أكياس النقود على مساعديه. كان ذا كرم حاتمي مع المال العمومي لدرجة أنه ذات مرة ضاعت منه حقيبة تحتوي على بضعة آلاف من الأوروات فلم يجتهد للعثور عليها واكتفى بترديد المثل الشعبي المعبر عن الاستهتار بالمال العام وتبذيره: "الحبة والبارود من دار المخزن".
كانت نزوات الكتاني نسخة مصغرة لنزوات الملك. في إطار مهامه كرئيس لجمعية ذكرى فاس 1200 سنة، أقدم على تنحية أحمد ابن الصديق من منصبه كمدير تنفيذي للجمعية فذهب هذا الأخير ضحية بريئة للمحيط الملكي. هذا المهندس المتخرج أيضا من المدرسة المركزية بباريس شغل قبل ذلك لمدة سنة منصب المدير العام لأحد فروع صندوق الإيداع والتدبير CDG ، هو الشركة الطبية المعدنية لمحطة مولاي يعقوب الموجودة قرب فاس. انقلبت حياته رأسا على عقب يوم قام الملك بزيارة هذا المنتجع. في نهاية الزيارة، تحدث مع الملك وطلب منه تدخله للدفع بمشروع تطوير الحامة التي وجد بها اختلالات كبيرة منها كون مديرها الطبي يفتقر إلى الرخصة القانونية لممارسة مهنة الطب، ومنها كون بناية الحامة الشعبية التي تستقبل آلاف الزبائن كل يوم، آيلة للسقوط حسب تقرير خبرة تقنية . فوجئ محمد السادس في بادئ الأمر ثم أصغى باهتمام. في الختام أخرج ابن الصديق من محفظته مجلة المدرسة المركزية للمهندسين وقدمها هدية للملك وفيها صورة لشاب فرنسي )ترعرع في المغرب ويمارس رياضة تسلق الجبال( وهو يحمل العلم المغربي على قمة الإفريست أعلى جبل في العالم. الملك شكره وأخذ المجلة. عندما انصرف الموكب الملكي أحس ابن الصديق بارتياح كبير بعد إصغاء الملك إليه . بعد بضعة شهورستقوم الإدارة العامة لصندوق الإيداع والتدبير بإقالته من منصبه متهمة إياه بمضايقة الملك وعدم احترام أعلى سلطة في البلاد .
ابن الصديق، الذي لم يكن يوما صاحب موقف معارض للملكية، نزل عليه القرار كالصاعقة واكتشف الظلم الملكي المزاجي كما اكتشف كيف أغلقت جميع الأبواب أمامه بسرعة. بعد فترة طويلة من الإحباط، استجمع طاقته من جديد وقرر الترويج لفكرة تراوده نظرا لشغفه بالتاريخ وهي تخليد ذكرى مرور اثني عشر قرنا على تأسيس مدينة فاس - سنة 818 ميلادية - التي كانت لفترة طويلة عاصمة المملكة المغربية. استطاع أن يقنع أحد مستشاري الملك بالمشروع فقام هذا الأخير بطرح الفكرة بدوره على الملك وأخبره أن صاحب المبادرة هو ابن الصديق. اقتنع الملك بالفكرة وكان قد نسي لقاء مولاي يعقوب فقرر تعيين ابن الصديق مديرا تنفيذيا للمشروع ففرح هذا الأخير كثيرا واعتقد أن المتاعب انتهت واستمر في الترويج للمشروع وطنيا ودوليا. ربما ظن في لحظة سذاجة أن من محاسن الملوك الكبار أن يصلحوا قرارا تعسفيا ومزاجيا بقرار ودي يعيد الاعتبار...
لكن أحمد ابن الصديق لم يكن يعلم بما يحاك خلف الكواليس. لقد اكتشف منير الماجيدي، السكرتير الخاص للملك، و الذي يسعى دوما للإطلاع على جميع التعيينات، أن ابن الصديق هو بنفسه الذي نجحت الداخلية في نفيه من إدارة شركة مولاي يعقوب فإذا به يصبح معينا من طرف الملك، فيجب إذن تدارك الأمر: قام الماجيدي بإخبار الملك. فورا سيعود ابن الصديق إلى الجحيم وسيحصل الكتاني على الضوء الأخضر لإبعاده ليستأثر وحده بتسييرالمشروع التاريخي رغم فشله في ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم. أمام هذا الإقصاء العنيف، قام ابن الصديق وهو في حالة من اليأس، بمراسلة القصر لكن دون جدوى و طرق كل الأبواب دون طائل. أحاطت به ضائقة مالية وانفض من حوله جل أصدقاءه وكاد يغرق في الانهيار العصبي. في هذا المشوار الطويل بحثا عن الإنصاف، أسَرَّ له بعض المسؤولين بمعلومات دقيقة حول دواعي الصمت والتعسف المحيط بمنح الامتيازات وحول بعض آليات الفساد . وهكذا، اعترف له عبد السلام أبودرار رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة أن الديوان الملكي طلب منه أن لا يفتح ملف المحطة الاستشفائية مولاي يعقوب. كما كشف له إبراهيم فرج، الحاجب السابق للملك الحسن الثاني والذي لا زال يحتفظ بنفس المنصب لدى محمد السادس، أن تعيين الكتاني في منصب المندوب السامي كان مكافأة على إذعانه لدى إبرام صفقة بيع بنك الوفاء للمجموعة القابضة الملكية.
في آخر المطاف سيوف يُقدم ابن الصديق على خطوة لم يتجرأ عيها أي مواطن مغربي قبله. ففي شهر يوليوز 2011 بعث رسالة مفتوحة للملك يذكره فيها بمعاناته قائلا:"لقد ظلمتني أشد الظلم أيها الرجل، وكل يوم يزداد ظلمك شدة وإيلاما، لقد قابلتَ إخلاصي لوطني بالإهانة واللامبالاة، ووفائي بالجحود والاحتقار وإهدار الكرامة" وأضاف:" لقد خلعتُ بيعتك من عنقي ونقضت كل عروة كانت تربطني بك فافعل ما بدا لك واقتلني مرة إضافية ولا تكترث كعادتك". بهذه المبادرة الفريدة التي استهدفت الأساس الذي بنيت عليه الشرعية الملكية، يكون ابن الصديق كالذي فتح ثقبا صغيرا في جدار سميك، إلا أن الثقب قد ينساب منه الماء شيئا فشيئا قبل أن يتدفق بسرعة ويتوسع الثقب فجأة و يهدد البناء بأكمله 1 .
اقطعوا كل رأس تجاوز رؤوس القطيع
هدف هذه الفقرات هو فهم تصرفات الحاشية ومناخ المؤامرة الذي تتبلور خلاله الاستراتيجية الافتراسية الملكية. من جهة أخرى ينبغي التذكير أن عملية الاندماج بين مصرفي البنك التجاري المغربي من جهة وبنك الوفاء من جهة أخرى كانت موضوع وجهات نظر متباينة. وهكذا، كان منير الماجيدي وحسن بوهمو يزعمان أن العملية انطلقت هندستها من المقر الرئيسي لمجموعة سيجر SIGER وأن خالد الودغيري بقي على الهامش. هذا الأخير يفند هذا الزعم بالحجج والتفاصيل المقنعة ويرتب الأحداث حسب تسلسلها الزمني: "إنهم يفبركون وقائع مزيفة اليوم ويروجونها لتصبح حقائق في الأذهان لكي يعطوا لإستراتيجيتهم بعض المصداقية". الودغيري يؤكد من مكتبه القريب من قوس النصر في باريس أن الماجيدي وبوهمو يحاولان إعادة كتابة التاريخ حسب روايتهم: "عندما باشرت المفاوضات المتعلقة بالاندماج لم يكونا مقتنعين بفرص نجاح الصفقة ولكن تركاني أحاول قائلين: "الكتاني الذي تجري معه المحادثات سوف يتحايل عليك لإضاعة الوقت". كان هدفي تأسيس بطل وطني في ميدان البنك والمعاملات المالية، حيث أطلقتُ دينامية للنمو واشتريت بنك CBAO في
1 Ahmed Benseddik à Mohammed VI : j’ai décidé de rompre toute relation d’allégeance vis-à-vis de vous », www.lakome.com, 26 juillet 2011
السينغال وبنك الجنوب في تونس وفاوضتُ مجموعة القرض الفلاحي الفرنسية Crédit agricole لشراء فروعه في إفريقيا. هذا النجاح الذي حققه الودغيري جلب له المتاعب والعداوات. انطلاقا من المبدأ: "كل رأس ارتفعت قليلا يجب قطعها يوما ما". تربص الماجيدي وبوهمو قليلا وتركا الرجل ينفذ استراتيجيته. الكيان البنكي الجديد سمي بعد الدمج التجاري وفابنك. إنه حقا عملاق مالي يلعب دور برج المراقبة الحقيقي لاقتصاد المغرب كما يلعب دورا هاما في المنظومة الاقتصادية الملكية كمضخة ضخمة تمكن من الحصول على السيولة اللازمة.
إن كل محاولة للاقتراب ولو قليلا من تفاصيل هذا الاندماج وانعكاساته تصطدم بالرفض الصارم. في هذا الصدد أسرَّ لنا عبد السلام أبودرار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة: "هذه العملية تدخل ضمن الافتراس الاقتصادي ونجمت عنها نزاعات شتى". المشكل أن تصريحات أبودرار لا ثقل لها. إنه على رأس إحدى الهيئات العديدة الفارغة التي لا تمتلك أية سلطة والتي أقدم محمد السادس على إنشائها لتعزيز صورة التغيير الوهمي. هذا ينطبق أيضا على مجلس المنافسة المسؤول نظريا عن البت في التصرفات التي تعاكس المنافسة التجارية الشريفة ولكنه لا يكاد يجتمع نظرا للخلافات التي تمزق أعضاءه. أصبح التجاري وفابنك الفرع الأكثر ربحية من بين جميع فروع مجموعة أونا. في عام 2005 سجل أرباحا بقيمة مليار درهم وعام 2006 مليارين من الدراهم. بالموازاة مع ذلك ازداد خالد الودغيري ثقة في نفسه وأقدم على خطوة لا تتقبلها الأعراف السارية بسهولة. لقد انتقد علنا استراتيجية منير الماجيدي وحسن بوهمو المبنية على الاصطدام المباشر مع الشركات الفرنسية، ونظرا لعلاقاته الجيدة مع رجال الأعمال الفرنسيين فقد أعرب عن عدم فهمهم و قلقهم إزاء هذه الوضعية. لم يستسغ الرجلان المكلفان بإستراتيجية الأسرة الملكية هذا الموقف.
إن السعي الحثيث للإطاحة برجل عبر تدنيس سمعته عمل دقيق يتطلب الصبر والوقت. والماجيدي وبوهمو لهما ما يكفي من الصبر والوقت. بوهمو يُملي للماجيدي ماذا يجب أن يهمس في أذن الملك. إن فكرة المؤامرة ضد المصالح الفرنسية التي طوراها اكتسبت عنصرا إضافيا مع قدوم الودغيري، فهو يحمل الجنسية المزدوجة ويحتفظ بعلاقات جيدة مع باريس، ولذلك يسهل اتهامه ولو ضمنيا بالولاء المفرط لفرنسا وبتعزيز وحماية الرأسمال الفرنسي بالمغرب. في غياب رد فعل صريح من الملك، فإن على المتملق أن يحسن التعامل مع هذا الغموض ويستشف من نظرة أو حركة سريعة ما يضمره سيده و يسارع لتأويل النظرة في اتجاه التزكية. والماجيدي متمرس في هذا الميدان ولو أن الغيظ الملكي انهال عليه على الأقل مرتين في شكل ضربات مؤلمة. لقد أشبعه الملك ضربا وشتما على رؤوس الأشهاد ثم عاد فأسبغ عليه الرضا والعناية بعدما سكت غضبه. فالملك يشيد بخصال الماجيدي أمام المقربين منه قائلا: "إنه يعرف كيف يُكسَب المال". يبدو أن المهارة في كسب المال هي أم الفضائل لدى الملك
الثالث والعشرين من السلالة العلوية.
لفضائحهم تتمة....