بقلم ناصر موحى
الصدف أحيانا تقلب كل موازين وحسابات المخططين والاستراتجيين الاكثر دهاء والاكفأ دقة . من كان يدري أن جولة بذخ عابرة وسط امواج المتوسط في يوم صيفي حار ستعري كل المفاهيم الدستورية المحنطة بين أرجل حارس مدني بسيط وتلقي بكل القاب التبجيل والالوهية في كيس بلاستيكي يضع الحراك فيه كل بقاياه قبل مجابهة البحر فوق قارب مثقوب .
لأربعة عقود كاملة كان مآت الالاف من أبناء وبنات المغرب يحزمون سراويلهم ويخيطون عليها بعض العنواين وارقام هواتف ورائحة وطن سيتركوه مجبرين قبل أن يحرقوا هوياتهم ليواجهوا المصير المجهول فوق البحر وبعد البحر للناجين من غضبات الموج وتقلبات تيارات مضيق طارق بن زياد ويالته سمي كذلك .
كم من الدموع ذرفتها أمهات بعد تخطي فلذات أكبادها لعتبات المنازل بعد مراسيم الوداع الاليمة ، كم من الاهات ارتفعت الى السماء بدون صدى بعد تلقي نبأ غرق القوارب أو إختفاء الاحبة فجأة دون أن يتركوا بسمة أو صورة أو جثة للذكريات .
كم من الاهانات الحاطة بالكرامة الادمية وزعت في مخافر بوليس فضاء شينكن ومراكز استقبال الناجين من اسنان الحيتان وبهدلة بوليس الوطن الغفور الرحيم جدا . كم من العائلات المغربية إقترضت الملايين ليعبر ابناؤها البوغاز الحاجز بين الجنة والنار وفي ليلة ظلماء يعود الامل في حياة افضل داخل تابوت جمع أحشاؤهم يمنح لهم قبرا .
كم من شباب المغرب سهر الاف الليالي ودرس عشرات النظريات والتهم مآت الكتب وجمع حزما من الدبلومات والشواهد لعقدين كاملين ، وبعد سنين من البطالة المقنعة منها والعارية وحروب الكر والفر في مواجهة هراوات واعتقالات نظام أرعن ، يقتنع هؤلاء الشباب أن الطريق الوحيد المتبقي للاعتراف بآدميته هي "الحريك " والعودة بشهادة "زماكري ".
كل هذا الالم السيزيفي والمعاناة الاسطورية كانت تحدث بعيدا عن إهتمام المتربعين على عرش المسؤوليات السياسية والاقتصادية للبلد بل منهم من جعلها ماكينة لصنع الثراء أكثر أو ورقة ضغط لجلب المساعدات والامتيازات من بلدان الضفة الشمالية للبحر الاسود المتوسط .
اليوم يبدو أن أصحاب الدعوات " اللهم أريه الحق حقا والمنكر منكرا " قد استجيبت وعلى أعلى مستوى .
ملك المغرب الذي منحه الدستور المغربي جميع السلطات الدنيوية والحقوق الالاهية وجمعت عائلته ثروة ضخمة بأساليب ملتوية ريعية ، يجد نفسه في موقف حراك harrag أمام الحرس المدني الاسباني قبالة سواحل مدينة سبتة المغربية المحتلة ليصبح الحادث فضيحة بكل المقاييس .
لقد تناقلت مختلف وسائل الاعلام خبر توقيف الحرس الاسباني لملك المغرب طالبة منه أوراق ثبوت هويته وهوية مرافقيه والقوارب المرافقة له . وكأي مسؤول يوقفه بوليسي او دركي على طرقات المغرب أجابه الملك بمامعناه "واش ماعارفش معا من تتكلم سأتصل بأسيادك باش تربى "!
ماغيتربى غير انتوما ، أما الحارس الاسباني فقد أدى واجبه كما يجب وقانون بلاده يحميه من هذا النوع من العقليات بل سيكافئه على يقضته من كل متسلل لحدود بلاده مهما يكن نصيبه والقابه .
لماذا وضعت نفسك ياصاحب الجلالة في هذا الوضع الذي لايليق بمسؤول صغير فأحرى برأس هرم الدولة ورمزها ؟
هل عملك يدخل في نطاق الاستفزاز السياسي لإسبانيا المستعمرة ؟ لااعتقد خاصة أنك جمدت كل مطالبة باسترداد الاراضي السليبة سياسيا ودبلوماسيا منذ ثلاث سنوات .
هل حقا اتصلت بالحكومة الاسبانية لإخبارها بجولتك لكنها لم تخبر سلطات حكومة سبتة المحتلة كما ذكرت "الموندو" ؟ إن كان الامر كذلك فقد أخطأت كثيرا لأنك تجهل عقلية الاسبان حتى وانت احد القلائل الذين فتح لهم المغرب بدون قيود وشروط . هل يعقل أن تنسى سلطات مدريد بإخبار سلطات سبتة في امر مهم كهذا خاصة والمنطقة اصبحت حساسة على مستوى الخطر الارهابي والهجرة السرية ؟ إن نسيت فذلك استهتار واستخفاف بمقامك وإن لم تنسى فذلك يعني أنها هيأت لك مقلبا لإهانتك عن سبق اصرار وترصد .
ولأن الحادثة تجاوزت كل الحدود فقد كان من الاجدر أن يقدم الديوان الملكي توضيحا في الامر ليتم إخراس ألسنة السوء والتأويلات المغرضة . الاعلام الاسباني يقول إن رد الملك على الاهانة هو فتح الشواطئ المغربية للمهاجرين غير النظاميين الذين عبروا باعداد غير مسبوقة خلال هذا الاسبوع بعد الحادثة مباشرة . ردوه حراك او طلق عليهم الحراكة " هكذا يسخر مغاربة الفايسبوك على ماوقع .
أشداك لهاذ المشاكل كلها المجانية ، واش المغرب فيه 3 الاف كيلومتر ديال لبحر مابانش ليك غير 2 كيلومتر ديال سبتة !! سلوك صبياني متهور ياصاحب الجلالة هذا الذي وقعت فيه والمغاربة من سيؤدون فاتورته كما العادة . وحدهم الحراكة من سيرتاحون نفسيا ولو قليلا لأن ملكهم فهم اخيرا معنى أن تكون حراكا بين يدي لكوارديا سيفيليا .