إن سئلت عن أخطر الامراض التي قد تصيب فردا أو مجتمع والتي تنهش كيانه من دون أن يحس به أحد حتى يصبح علاجه مستحيلا ، فلن أتردد في الجواب : هو الوهم .
يعرف الباحث الامريكي "سولسو ار إل " في كتابه المعنون "علم النفس المعرفي" الوهم بأنه "تشوُّه يحدث للحواس، ويَكشِف كيف يُنظم الدماغ ويُفسِّر الإثارة الحسية. وعلى الرغم من أن الأوهام تُشوه الحقيقة، فإن معظم الناس عادة تتشارك فيها ." وهنا كل الخطر ..
وهم الفحولة الجنسية ...
قبل أسبوع كشفت دراسة هي الاولى من نوعها أنجزتها جمعية ” ENDO-UROLOGIE MAROC” بالمركز الاستشفائي ابن رشد معتمدة فيها على نساء متزوجات يمارسن نشاطا جنسيا منتظما في المغرب حول الانتصاب عند الرجال عن معطيات صادمة، حيث ان نسبة 45 في المائة من الرجال المغاربة يعانون من ضعف الانتصاب، وأن 13 في المائة منهم حالاتهم معقدة.
غير معقول ، الدراسة الوصفية مزورة مادامت لم تنجزها مؤسسة أجنبية محايدة . أصحاب الدراسة يهدفون الى تشويه المجتمع المغربي وذكوره خدمة لأجندات خارجية مجهولة . ممولي البحث يريدون تبريرا علميا لإلقاء بنات المغرب بين أيادي عصابات الجنس عبر العالم مادام رجاله لايحققون الرغبة الجنسية لهن .
كثير من هذا النوع من الكلام سيقال في حلقيات الاصدقاء الذكور فيمابينهم مادام كل واحد منهم يعتبر نفسه أفحل الذكور ، مع أن الدراسة تقول نظريا أن نصف الحاضرين منهم يعيش مشكلا جنسيا من هذا النوع .
خذوا مثلا ثقافة التنكيت في جلساتنا الرجالية ، كلها بدون استثناء تتحدث عن فحولة الرجل المغربي الجنسية الاستثنائية في مواجهة نساء العالم . رجل لايتعب ابدا ولايشبع ابدا وبقضيب جرار لايضاهى وغيرها من الخوارق الايروتيكية .وكأننا نقول للعالم ، خذوا قنابلكم العنقودية والنووية فهي لاتساوي شيئا أمام قضباننا المزمجرة وقاذفاتنا المنوية ....هو الوهم الذي مازال يغذي ضعفنا المزمن في كل شئ ومازلنا متواطئين في التصديق به .
وهم الفحولة السياسية
تحدث الباحث السوري ياسين ابو علي في كتابه القيم المعنون " الثالوث المحرم ، الدين ،الجنس والصراع الطبقي " عن العلاقة الموضوعية بين هاته المستويات الثلاثة في المجتمعات الانسانية وكيف يتم استغلالها لإبقاء الشعوب تحت تسلط الطبقات المسيطرة قبل أن يشرح بتفصيل المجتمعات الاسلامية كنموذج.
وقد خلص الباحث الى أن المجتمع الذي يحرم مناقشة وبالتالي مواجهة هذا الثالوث بالتفكيك من اجل فهمه لايمكن أن يتقدم قيد أنملة .
علمتنا المدرسة المغربية منذ كنا أطفالا أن وجود المغرب رهين باحترام مقدسات ثلاثة وهي الله الوطن الملك . لكن مع تقدمنا في السن كان المقدسين الله والوطن يتلاشيان أمام المقدس الثالث . شاهدنا كتلاميذ ابتدائي كيف كانت خريطة المغرب وسور القرآن تلقى في الطرقات كأي أوراق إستهلكت وماعادت لها اهمية . لكن حين مزقت صورة للحسن الثاني وألقيت أرضا في القسم ذات ليلة ، تحركت كل أجهزة الدولة قبل مطلع الشمس في القرية النائية وشنت حملة اعتقالات عشوائية لمعرفة الفاعل وأعلنت حالة الاستنفار القصوى . كان الهدف الغير معلن هو ترسيخ أحد اخطر أنواع الوهم وهو الخداع البصري .
أن ينشر الاعلام الببغاوي الموجه خبرا على شاكلة : تشييد منشأة بمدينة ما هي الاولى من نوعها في العالم العربي هو تسويق للوهم .
حين يسن قانون وينعت بأنه الاكثر تقدما في العالم الافريقي فهو وهم .
حين ينظم لقاء بالمغرب ويوصف بأنه الاول في افريقيا والشرق الاوسط فهو شكل لصناعة وهم ...
حين تنشر كل أبواق الدولة وتتبعها في ذلك مواقع وصحف خبرا مفاده أن الملك محمد السادس قد أختير في استطلاع للراي كأكثر زعماء العالم تأثيرا مع أن الكل مقتنع أن تأثيره حدو طنجة فهذا وهم سياسي لايختلف عن الفحولة الجنسية الاستثنائية التي وهبها الله للذكور المغاربة .
أن يحاول الماركوتينغ المخزني تسويق إدماج إسلاميي "كاين الملك اوكاين الله " على أنهم نموذج مغربي ناجح لدول مابعد انتفاضات البوعزيزي هو تجاوز غير اخلاقي لحالة الفحولة السياسية المزيفة والانتقال لمستوى البحث عن الدواء عبر تناول عقاقير الفياغرا الانتخابية .
الامراض دايرة خبلة في مجتمعنا أفرادا ومؤسسات سواء السياسية منها او الاجتماعية او الثقافية او الاقتصادية او الجنسية. ومعالجتها لن تتم بالقفز عنها بتمثلات وهمية زائفة وخادعة أو باستعمال عقاقير ووصفات مستوردة ذات المفعول اللحظي النفعي الزائل بل بمواجتها بشجاعة علمية وأدبية لاتؤمن بالمحرمات ولا بالخطوط الحمراء ...
كفى من سياسة النعامة ذات الرأس المدفون في الرمال والمؤخرة المعروضة على الرياح العابرة .