"الملك المستحوذ " كتاب نشر في فرنسا في مارس 2012 عن "دار لوسوي" للصحفيين الفرنسيين كاترين كراسيي وإريك لوران ينبش في ركام صناعة السياسة والاقتصاد بالمغرب . ولأنه يقوم على قاعدة معطيات غنية حول طريقة استحواذ المؤسسة الملكية بالتدريج على الاقتصاد المغربي وكيف يستفيذ المحيطون بالملك من بقايا ولائمها باسلوب اقرب منه للمافيات المنظمة وابعد من سلوك نظام سياسي مسؤول امام شعبه ، ولأن الكتاب منع من التداول بالمغرب في طبعته الفرنسية لحجب مايمكن ان يكون حجج وبراهين على تورط الماسكين بزمام السلطة في البلاد على القارئ المغربي ، ولأن الحق في الوصول الى المعلومة مبدأ تقره كل المواثيق الدولية التي وقع المغرب علىها، ولأن المعلومات الواردة في الكتاب لم ترد على مدى صحتها او خطأها اية جهة مغربية رسمية .
لكل هاته الاسباب إرتأينا في "ينايري .كوم " أن ننشر اهم ماورد في الكتاب عبر حلقات دون أن نغير كلمة واحدة من النص الاصلي حتى يكون القارئ على بينة من محتوياته ويتخذ الموقف المناسب الذي سيحاسبه عليه التاريخ عاجلا ام آجلا بعد أن يعرف أي نوع من الحكام يقررون في مصيره ومصير بلاده ومستقبلها .
مع الشكر لمجهود الصحفيين الجبار والمتميز ولجنود الخفاء الذين قاموا بترجمة الكتاب من اللغة الفرنسية الى اللغة العربية .ينايري.كوم

الفضيحة الثانية و العشرون من حكاية نهب وطن

"أنس الصفريوي.. ارحل!". بهذا الشعار استهدف متظاهرو حركة 20 فبراير، الذين استلهموا الثورتين الجاريتين في تونس ومصر، استهدفوا شخصية جديدة يطالبونها بالرحيل عن المشهد الاقتصادي والسياسي. وهو المطلب الذي ظل الى حدود الساعة مقتصرا على الدائرة الأولى من المقربين من محمد السادس، أولئك الذين يعتبرهم الرأي العام مسؤولين عن كل الآفات التي تعاني منها البلاد بدءًا بالفساد.
إن الهجوم على أنس الصفريوي، رمز الإنعاش العقاري والرئيس المدير العام لمجموعة الضحى لم يكن من قبيل الصدفة، فقد بات من المعروف منذ صيف 2011 أن هذا المقاول ينتمي إلى الدائرة المغلقة ل"مليارديرات الخفاء" كما تصفهم وكالة الأنباء الأمريكية بلومبيرغ Bloomberg إذ تقول:"نطلق هذا الوصف على الذين فاقت ثروتهم المليار دولار أو أكثر، ولم يسبق أن وردت أسماؤهم على القوائم الدولية والبارزة للأثرياء". ومن المؤكد أن أنس الصفريوي بثروة تقدر ب 2.3 ملياردولار أي 61,74 % من رأسمال شركته، يستوفي بامتياز معايير تصنيف بلومبيرغ.
أنس الصفريوي هو إذن ثاني أغنى أغنياء البلاد بعد الملك محمد السادس. لقد سقط الخبر كالقنبلة في أوساط الأعمال بالمغرب، وفي الصالونات الفارهة في فيلات الدار البيضاء عاد الحديث عن تلك الحكاية الطريفة التي تتردد بشكل كبير حول كون أنس الصفريوي حقق سنة 2008 أرباحا فاقت أرباح "الملك" أو " boss " كما يحلو لخبراء البورصة أن يلقبوه. قيل أن أرباح الصفريوي وصلت 263 مليون درهم مقابل 244 مليون درهم للملك، بالرغم من أن التحفظ يظل لازما بشأن صدقية هذه الأرقام .
الكل يتهامس أن رجلا غير متميز مثل أنس الصفريوي لا بد أن يكون مدعوما من طرف القصر الملكي وأن أفرادا من العائلة الملكية يشتركون معه في ميدان الأعمال ويحمونه. بل أكثر من ذلك، إنهم يعتقدون أنه قد تم اختياره بسبب خنوعه ليكون واجهة لشخصيات نافذة في محيط الملك تملك حصصا من مجموعته.
عندما يصبح "أيها الناس" مليارديرا
يتضايق الرئيس المدير العام بسبب الضجة الإعلامية التي تثار حول شخصه. كيف لا وهو الذي يردد دائما أنا مجرد عبد ربه ورجل مثل "أيها الناس 1" . السي أنس، كما تلقبه حاشيته، حياته "كلها عمل". ولكن السي أنس لا يمانع في العيش مثل كل المليارديرات. لكن رغم طائرته الخاصة وسياراته الفاخرة، فإن بعض أرباب الشركات المغاربة يفوقونه بذخا وترفا. وهذا ما يثير الانتباه أيضا في شخصه، فهو رجل عادي ومظهره الخارجي بسيط، ككل رب أسرة، وحدها أناقة اللباس، بقميص وربطة عنق داكنين، تذكرك أن الرجل من النخبة.
ولد أنس الصفريوي سنة 1957 وسط أسرة من تسعة أطفال تنتمي إلى الطبقة البرجوازية الفاسية التي ظلت تسيطر على عالمي الاقتصاد والسياسة في المملكة قبل أن تضايقها اليوم نخبة الدار البيضاء. السي أنس من المحظوظين الذين ولدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب، والده كان من مسيري البنك الشعبي بفاس، علاوة على كونه رجل أعمال ناجح .
عائلة الصفريوي تستغل منجما ل"الغاسول"، تلك المادة الطينية التي تنعش البشرة الحساسة، وتصدره للخارج. نشأ أنس الصفريوي في تلك البيئة الاجتماعية المالية المتميزة وغادر الدراسة في سن السابعة عشرة. بعد ذلك سيعود لينوه بمساره العصامي إذ يقول سنة 2006 في حوار مطول كله كليشيهات وأحاسيس رقيقة خص به الأسبوعية جون أفريك 2 "أردت أن
1 Saloua Mansouri, « Anas Sefrioui : La vérité, toute la vérité », Challenge hebdo, 12 juillet 2008
2 Leila Saïd, « Anas Sefrioui, monsieur dix mille logements par an », Jeune Afrique, 31 juillet 2006
أساير والدي وأتعلم منه كل شيء. الدراسة مهمة فعلا، لكنها لم تكن لتعلمني الأهم أي الحس السليم والتواضع وفوق كل شيء الالتزام بالقول والوعد مهما كلف الثمن". ثم أضاف "والدي كان معجبا بما كنت أمتاز به من تفان ومثابرة في العمل. لقد كنت أقضي كل وقتي على الطريق بين الدار البيضاء وأكادير وفاس، لتتبع الأشغال عن كثب في مناجمنا ومصانعنا لإنتاج ورق التغليف".
ثروة مبنية على السكن الاجتماعي
من خلال كثرة الأسفار تلك، سيصبح أنس رجل أعمال ويقوم بتطوير مقاولات عائلته. وابتداءً من سنة 1981 سيدخل ملياردير المستقبل عالم العقار. كان حكيما عندما فكر في الابتعاد عن ميدان البناء الذي يكلف استثمارات ضخمة، واختار أن يدخل قطاع الإنعاش العقاري لأن المضاربة في منظوره ستمكنه من تحقيق ثروة سريعة .
وهكذا بدأ بتأسيس مقاولة صغيرة سنة 1988 أطلق عليها اسم " إنعاش دجى مجموعة الضحى" وانتظر بصبر حتى سنة 1994 لجني الثمار الأولى لرهانه. في تلك السنة كان الحسن الثاني قد قرر بعد عقود من تجاهل التنمية الاجتماعية لرعاياه أن يعطي الانطلاقة لما وصف آنذاك ببرنامج 200000 سكن اجتماعي. عرف المغرب وقتها انفجارا ديموغرافيا كبيرا، ، وبدأت الهجرة القروية تزيد من أحياء الصفيح. سنة بعدها، أي سنة 1995 أطلقت مجموعة الضحى أول برنامج لها: 2371 منزلا في عين السبع، أحد الأحياء الهامشية الأكثر تلوثا بالدار البيضاء الذي يضم مقار العديد من المقاولات المغربية .
كان اختيار أنس الصفريوي صائبا للغاية، ذلك أن قطاع الإنعاش العقاري سيصبح في بدايات عهد الملك محمد السادس من الأوراش ذات الأولوية بل من محركات الاقتصاد مع انطلاق المشاريع الكبرى لتطوير البنية التحتية . هذه المشاريع غالبا ما تمر بتوقيع اتفاقيات شراكة مع الحكومات تخول للمنعشين العقاريين امتيازات ضريبية كبيرة، وحيازة الأراضي بأسعار منخفضة. تقول صحفية اهتمت لفترة طويلة بملف مجموعة الضحى 1 ":
بفضل السكن الاجتماعي تمكن أنس الصفريوي من بناء اللبنات الأولى لثروته، ومن المخزي أن تعلم أن هذه البرامج التي تم إطلاقها لفائدة الفئات المعوزة مهَّدت الطريق أيضا أمام فئة معدودة جدا من المنعشين العقاريين لتكديس ثروات هائلة ". الفقراء مصدر اغتناء الأغنياء. السكن الاجتماعي في المغرب يتم تشييده بمواد بناء غالبا ما تكون دون المتوسط ويدر أرباحا " ... تتعدى نسبة % 31 كانت المرة الأولى التي اقترب فيها أنس الصفريوي من القصر الملكي أواخر عهد الحسن الثاني، كما يروي شاهد مقرب من دوائر السلطة بالمغرب. كان الصفريوي من المقربين من الرجل القوي سيء الذكر وزير الداخلية السابق إدريس البصري، "وكان أيضا، وهذا تفصيل مهم يقول شاهدنا، على علاقات وطيدة بشخصيات نافذة في الدار البيضاء، هؤلاء كانوا شركاء في سرية تامة بحصة % 15 من مجموعة الضحى". من المستحيل التثبت من هذه المعطيات ولكن الأكيد أن الصفريوي اقتنع بأن الوصول إلى محيط الملك طريق يجلب الأرباح .
بعد وفاة الحسن الثاني سنة 1999 أقدم محمد السادس على إقالة إدريس البصري ومن ثم إبعاد كل الأسماء المقربة منه ومن بينهم شخصيات الدار البيضاء التي تحدثنا عنها أعلاه. "لقد وجدوا أنفسهم، يقول شاهدنا، مج بَرين على التخلي عن حصصهم في مجموعة الضحى لفائدة القصر الملكي". مرة أخرى معلومة دون برهان . ثم يواصل شهادته: "عاد أنس الصفريوي لتوطيد علاقاته مع القصر بداية سنة 2006 ، مع الكاتب الخاص للملك محمد منير الماجدي على وجه التحديد"، قبل أن يردف "دون أن ننسى أن شقيق محمد منير الماجيدي متزوج من ابنة عم أنس الصفريوي، إنها صلة دم تساوي ذهبا".
يجب الاعتراف أن أنس الصفريوي كان ذكيا وأضفى على مقاولته جاذبية أكثر عندما أطلق سنة 2003 ما وصف ب"الشباك الوحيد". كانت فكرة جيدة
1 Entretien avec l’un des auteurs, Paris, octobre 2011.
مؤداها أن يجمع في مبنى واحد كل المصالح - أبناك وموثق ومصالح الماء والكهرباء وغيرها - التي يحتاجها الذين يقدمون على اقتناء سكن اجتماعي ومعظمهم أميون وليس لهم حساب بنكي. الهدف هو استكمال كل المساطر الخاصة باقتناء السكن في يوم واحد، تلك المساطر كانت عادة ما تستغرق أسابيع عديدة وربما أشهرا. ظلت مجموعة الضحى ولمدة لا يستهان بها تسيل لعاب المغاربة الراغبين في سكن جديد .
عبَّر أنس الصفريوي خلال الحوار الذي خص به مجلة جون أفريك عن ارتياحه وهو يعلن "أرباحنا ما بين سنتي 2002 و 2005 ناهزت % 31 من رقم المعاملات. والأرباح التي حققناها سنة 2005 تقارب 61 مليون أورو، وميزانيتنا تفوق 151 مليون أورو 1".
لفضائحهم المتوحشة بقية ...