"الملك المستحوذ " كتاب نشر في فرنسا في مارس 2012 عن "دار لوسوي" للصحفيين الفرنسيين كاترين كراسيي وإريك لوران ينبش في ركام صناعة السياسة والاقتصاد بالمغرب . ولأنه يقوم على قاعدة معطيات غنية حول طريقة استحواذ المؤسسة الملكية بالتدريج على الاقتصاد المغربي وكيف يستفيذ المحيطون بالملك من بقايا ولائمها باسلوب اقرب منه للمافيات المنظمة وابعد من سلوك نظام سياسي مسؤول امام شعبه ، ولأن الكتاب منع من التداول بالمغرب في طبعته الفرنسية لحجب مايمكن ان يكون حجج وبراهين على تورط الماسكين بزمام السلطة في البلاد على القارئ المغربي ، ولأن الحق في الوصول الى المعلومة مبدأ تقره كل المواثيق الدولية التي وقع المغرب علىها، ولأن المعلومات الواردة في الكتاب لم ترد على مدى صحتها او خطأها اية جهة مغربية رسمية .
لكل هاته الاسباب إرتأينا في "ينايري .كوم " أن ننشر اهم ماورد في الكتاب عبر حلقات دون أن نغير كلمة واحدة من النص الاصلي حتى يكون القارئ على بينة من محتوياته ويتخذ الموقف المناسب الذي سيحاسبه عليه التاريخ عاجلا ام آجلا بعد أن يعرف أي نوع من الحكام يقررون في مصيره ومصير بلاده ومستقبلها .
مع الشكر لمجهود الصحفيين الجبار والمتميز ولجنود الخفاء الذين قاموا بترجمة الكتاب من اللغة الفرنسية الى اللغة العربية .ينايري.كوم
الفضيحة الثالثة والعشرون من حكاية نهب وطن
الدولة تدعم شركات صاحب الجلالة
ليست السرية إحدى الخصال التي يتمتع بها الرجال المحيطون بالملك خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالنتائج المالية للشركات التابعة للهولدينغ الملكي. تدار هاته الشركات من قبل تكنوقراط، معظمهم من خريجي مدارس المهندسين الفرنسية الشهيرة )البوليتيكنيك، والسانترال(، تكونوا وفق النظام الجمهوري الفرنسي لكنهم عادوا لخدمة جلالة الملك. في هذا السياق الذي لا يرحم، حيث يتنافس التملق مع وجوب تحقيق أحسن النتائج، يصبح استعراض حُ سن الأداء الاقتصادي كما تستعرض عضلات الجسم، الوسيلة الأمثل للحفاظ على المقاعد )المهددة في أي لحظة(. مجموعة أونا هي أول معنية بهذه الأعراف.
قبيل الاندماج في عام 2009 مع الشركة الوطنية للاستثمار SNI ، أظهرت الشركات التابعة لهذه الأخيرة أداء لا يمكن إلا أن يثير شهية أي مسؤول تنفيذي : كل الشركات كن يحتللن مواقع قيادية في ميادينهن، ينطبق الأمر على شركة Centrale laitière بحصة في السوق تقارب % 62 من منتجات مشتقات الحليب، كما ينطبق على لوسيور كريستال المسيطرة على قطاع الزيوت، بيمو في قطاع البسكويت، مرجان وأسيما في قطاع التوزيع التجاري. بعض الفروع مثل Cosumar في قطاع صناعة السكر، تملك امتياز الاحتكار المطلق، أو تتمتع بامتياز التفرد على المستوى الوطني مثل Sopriam الموزع الحصري لعربات بيجو وسيتروين في المغرب.
ولكن دعنا نعترف بالحقيق، فمحمد السادس ليس هو المحرض الوحيد على هذا النظام الملكي المفترس، متفرداً عن نماذج أخرى مماثلة في المغرب العربي، ففي تونس مثلاُ، استطاع الرئيس زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي أن يسيطرا على قطاعات كاملة من الاقتصاد ويسخروها لمصلحة المقربين منهم .
يشهد التاريخ أن الحسن الثاني هو الذي كان السباق إلى إنشاء هذا "الأخطبوط الملكي" الذي تحول فيما بعد إلى ما يعرف الآن ب "أونا". لكن باستثناء الزراعة والضيعات الملكية التي كان يحرص عليها، لم يكن الملك المسن يدير أعماله بدقة. لذلك أوكل منذ التسعينات إدارة شركاته الزراعية، المعروفة باسم الضيعات الملكية Domaines Royaux إلى صهره خالد بنحربيط زوج ابنته الأميرة للا حسناء. "السيد الصهر"، كان طبيب قلب ولم تكن له أية دراية بإدارة المزارع. لذلك فقد قام بتسيير الضيعات قرابة عقد من الزمان دون كبير موهبة )ولكن دون كوارث(.
كانت شركة أونا بالنسبة للحسن الثاني قبل كل شيء وسيلة لتعزيز سلطته السياسية. انسجاما مع رغبته في تكريس الاستبداد الملكي لا بد لهذا الاستبداد أن يشمل كل المجالات و منها المجال الاقتصادي. الأمر مختلف مع محمد السادس، فبمجرد وصوله إلى الحكم، وبمساعدة من صديقه المخلص منير الماجيدي، سارع الملك الشاب إلى تنمية المشاريع العائلية والتي أصبحت "مُجبرة" أن تدر أرباحاً، ومن ثم فإن أي منافس يتجرأ على مواجهته في الميدان الاقتصادي يعرض نفسه لحرب بلا هوادة. حرب أخرى، بين الإخوة الأعداء هذه المرة، نشبت في سرايا القصر بين عامي 2006 و 2007 . طرفاها رجلا القصر القويان، الذراع الأمني فؤاد علي الهمة الذي يحرك الخيوط في وزارة الداخلية، والذراع المالي منير الماجيدي، الذي يدير الثروة الملكية . إحدى هاته المعارك دارت رحاها سنة 2006 وكان لفرنسا دور محوري فيها.
تحت تأثير الصدمة من خشونة الأسلوب المستعمل من طرف رجال الملك لتهميش شركات فرنسية مثل أكسا Axa وأوشان Auchan ، اشتكت السلطات الفرنسية إلى محمد السادس من سوء المعاملة التي أصبحت تلاقيها في المملكة، لكن هذه المبادرة لم تكن موفقة: لقد كان منير الماجيدي يجتهد في صمت لأجل فك التحالفات التي كانت شكلتها بعض فروع "أونا" مع عدة شركات فرنسية تحت حكم الحسن الثاني. ومع ذلك، وعملاً بقاعدة "فرق تسد"، كلف محمد السادس الهمة بالتحقيق في التظلمات الفرنسية. استشعر الهمة في هذا فرصة ذهبية لتوجيه ضربة إلى منافسه مجيدي، فقام بالتعاون مع مدير المخابرات المغربي، ياسين منصوري، بإجراء استجواب بوليسي صارم للسكرتير الخاص للملك 1 . هذا هو مصير المصالح الفرنسية في أواسط عقد 2000 ، تغذيه الصراعات الشخصية في الملعب الخلفي للقصر.
منافع صندوق المقاصة
محمد السادس كالحسن الثاني لا يتردد في توظيف سلطة الدولة لأجل مصالحه الشخصية، بينما يسعى لتسويق صورته كملك الفقراء لشعبه وكذلك للمجتمع الدولي. لكنه في الواقع يستمر في الاستحواذ على المال العمومي على نطاق واسع وتحت غطاء قانوني كما يتضح من قضية الدعم الموجه لحصول المواطنين على المنتجات ذات الضرورة الأولى )النفط والبوطاغاز والسكر والزيت(.
منذ أربعينات القرن الماضي يتوفر المغرب على منظومة للمقاصة يديرها صندوق يحمل الاسم نفسه تموله مداخل الجباية ومدفوعات الخزينة العامة والغرامات الإدارية وغيرها ويمكِّن من الإبقاء على مستوى مقبول من أثمان المنتجات الأساسية أقل من ثمنها الحقيقي. لكن مع ارتفاع أسعار المواد الخام ونمو السكان ارتفعت مصاريف الصندوق بشكل مخيف لتصل إلى 21 مليار درهم ) 2 مليار أورو( في عام 2007 وأكثر من 36 مليار درهم ) 3.6 مليار أورو( في عام 2008 و 45 مليار درهم ) 4.5 بليون أورو( في عام 2011 . بغض النظر عن الضغط الذي تشكل هذه الأرقام على ميزانية الدولة، فهذا هو ثمن السلم الاجتماعي. ومن ثم يعرف محمد السادس أن كل زيادة في حجم الدعم ينتج عنه ارتفاع و لو طفيف في أرباح شركاته .
1 Fédoua Tounassi, « Querelles de basse-cour », Le Journal hebdomadaire, nº 286, du 7 au 13 mars 2009
ومع ذلك توجد البدائل الممكنة لهذا الصندوق. على سبيل المثال، يقول نجيب أقصبي الخبير الاقتصادي والأستاذ المعروف في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، "الدولة يمكنها أن توزع بعض الدخل على الفقراء، كنوع من الحد الأدنى" ثم يشرح: "يقدر عدد الفقراء في المغرب بين 4.5 و 5 ملايين من الأشخاص، تقريبا مليون أسرة. إذا كانت الدولة توزع عليهم 1000 درهم شهريا ) 100 أورو(، فالكلفة الإجمالية هي 12 مليار درهم ) 1.2 مليار أورو( سنوي اً. أقل بكثير من المبلغ الحالي 45 مليار درهم. ولو أضفنا مليون أسرة أخرى من الطبقة بين الفقيرة والمتوسطة ومنحناها نفس المساعدة المباشرة فإن الكلفة تبقى أقل من النظام الحالي للمقاصة وأكثر نجاعة وإنصافا. نحن نؤدي ثمن عدم إصلاح هذا النظام 1 .
مع الأسف يبدو أن هذه الاعتبارات المالية عوالم بعيدة جدا عن شواغل صاحب الجلالة ومحيطه. إذا كان منير الماجيدي حسب رأي المراقبين الذين تعاملوا معه، يعيش في ترف و بذخ كبير، فإن زوجة السيد فؤاد على الهمة حريصة بدورها على التشبث بامتيازاتها كما يتبين من هذه الحكاية: بعد قضائها بضعة أيام في باريس شهرغشت 2006 ، ركبت السيدة الهمة طائرة الخطوط الملكية المغربية RAM لتعود إلى المغرب برفقة ابنتها وخادمتها.
وعندما انتبهت إلى أن هذه الأخيرة تتوفر على تذكرة الدرجة الاقتصادية فقط بدل الدرجة الأولى ذهلت و قررت إصلاح هذا "الحماقة" فطلبت على الفور من المسؤول عن المخابرات DST لدى سفارة المغرب بباريس أن يتدخل لدى شركة الطيران. لكن الشركة رفضت الرضوخ للتهديد والوعيد وخاصة أن الطائرات ممتلئة بالركاب في هذا الوقت من السنة. هنا تدخل شخصيا عبد الرزاق الجعيدي القنصل العام للمغرب في باريس عبر الهاتف وزعم أنه يحمل أمرا مباشرا من الملك 2 .
الحكاية لا تخبر في أي درجة سافرت خادمة الهمة... ولكن على العموم لا زال هذا المستوى من مقاومة التسلط استثنائيا، والحكومة المغربية تعرف ذلك جيدا لأنها تعيشه باستمرار .
1 Entretien avec les auteurs, Rabat, septembre 2011
2 « Une grande mission de l’ambassade du Maroc à Paris », www.bakchich. info, 11 août 2006
في عام 2005 أعلنت الحكومة أنها في إطارالخوصصة باعت كل الحصص العمومية من رأسمال أربع مصانع للسكر إلى شركة كوسومار Cosumar بثمن إجمالي قدرة 16367 مليار درهم 1 . وزير المالية آنذاك فتح الله ولعلو، وهو اليوم عمدة مدينة الرباط، وصف هذه العملية بكونها "تندرج في إطار مشروع كبير لتطوير صناعة السكر في المغرب وتبرهن على إرادة الدولة ضخ دينامية جديدة في القطاع الزراعي و الصناعي على السواء". ولكن الوزير نسي أن يشير إلى أن بعد بيع الشركات الأربع لشركة كوسومار التي تمتلكها بدورها أونا ONA أصبحت المملكة في حالة فريدة من نوعها: كيف يعقل أن تسمح الخوصصة لشركة يمتلكها رئيس الدولة أن تتمتع بوضعية احتكار؟
المغاربة يحبون السكر ويستهلكون منه كل سنة حوالي مليون طن نصفه منتوج محليا ونصفه مستورد. منذ عام 1996 حددت الدولة الإعانة العمومية في مبلغ 2000 درهم للطن المصفى لكي تضمن للأسر الاستمرار في شرب الشاي بالنعناع. يقول الأستاذ نجيب أقصبي وإدريس بن عطية ونور الدين العوفي في كتاب 2 مخصص للزراعة المغربية نشر عام 2008 "تحت سيطرة كوسومار التابعة لمجموعة أونا، تتكون صناعة السكر من ستة مصانع للسكر الخام وسبعة لسكر الأبيض واثنين للتصفية". وبما أن مبالغ الدعم تُدفع مباشرة إلى وحدات الإنتاج ومستوردي السكر المصفى بناء على الكميات المباعة أي بعبارة أخرى إلى كوسومار وحدها، وحسب الأرقام التي تصرح به الشركة. "هذا الوضع يطرح مشكلة، يواصل نجيب أقصبي. بما أن شركة كوسومار تحتكر كل قطاع السكر-الإنتاج والتحويل والتوزيع - فهي بالضرورة تشارك الدولة في تدبير صندوق المقاصة في الجزء المتعلق بالسكر. تمر الأمور في تعتيم تام بين هذين الطرفين: من ناحية شركة قوية من المجموعة الملكية، ومن ناحية أخرى الإدارة التي لا تملك الوسائل وربما، وهو الأهم، الإرادة و لرغبة في مراقبة ما تدلي به الشركة من أرقام في فاتورة الدعم 3 ." كل الاحتمالات تبقى واردة...
1 AFP, 16 septembre 2005
2 Najib Akesbi, Driss Benatya et Noureddine El-Aoufi, L’Agriculture marocaine à l’épreuve de la libéralisation, Rabat, Économie critique, 2008
3 Entretien avec les auteurs, Rabat, septembre 2011
لفضائحهم المتوحشة تتمة ...