محمد بهون
العصيان المدني مصطلح متداول في عالمنا المعاصر والمتتبع للاخبار يمكن يسمع به ويربطه بالاحتجاج, لكن هذا الشكل ليس اي احتجاج فهو جنس متفرد,ففي فهم العصيان المدني بشكل صائب يوجد المطب وهاته المعرفة تتطلب الرجوع الى التاريخ والتعاريف اللتي وضعها الدارسون, ورغم ان ذلك سيشرح العصيان المدني فان الظروف تتغيرمما يجعله ليس شكلا جاهزا كما انه لا يمكن ان يمارس بشكل عشوائي وينسب الى
العصيان المدني دون السير على النماذج المعروفة, وفهم هذا الشكل و الاقدام عليه وممارسته هي اللتي ستحدد كيفية هاته الممارسة بناء على ما يخدم الهدف ودون إحداث أضرار جانبية ستعود بنتائج سلبية فيما بعد, فالوسيلة قد تحتاج إلى مدة طويلة لتحقيق هدفها بشكل سليم ودائم, والعصيان المدني كما سنرى عند أبائه المؤسسين معني بهذا اكثرمن الاشكال الاخرى فماذا يقصد بالعصيان المدني ومن هم رواده وما هي الامثلة الموجودة اللتي يمكن الاستعانة بها وهل العصيان المدني يصلح في المغرب وباي طريقة ؟
العصيان المدني شكل احتجاجي عرفته مجموعة من المجتمعات وتحدث عنه مفكرون ودافع عنه اخرون معروفون, بل هناك من مارسه واصبح مرجعا فيه, والعصيان المدني لا يعني احتجاجا سلبيا ضد النظام بل انه أدى الى نتائج ايجابية ومهمة في عدد من التجارب وغير الانظمة وهذا الشكل عرف خصوصا بعد عهد الثورات الكبرى كما انه دون مستوى الثورة, لانه ليس موجها الى تغيير جدري لكن ضد سياسات واشكال من الاعدالة والسلطوية... هاته الحقيقة تحيل على تساؤل حول هل العصيان المدني وليد الثورات وانه لا يؤدي نتيجة في الانظمة العتيقة او تعرفه فقط البلدان اللتي شهدت ثورات ام انه مهد لهذه الثورات وانه كان في مرحلة تبلور, نظريا كلتا الحاتين ممكنتين...
العصيان المدني حسب المفكر "جون راوول" هو حالة تتحقق حين يكون هناك خرق للحريات العامة وانتهاك العدالة, ويكون هناك عصيان من اجل تطبيق الدستور والمبادئ, فخرق القانون لا يكون إلا احتجاجا من اجل تطبيق العدالة ولكي يكتمل الشكل عليه ان يكون سلميا بارادة واعية وباهداف محددة ويعتبر "هنري دفيد تورو" اب العصيان المدني كما يوصف لما كان لتجربته من تأثير على شخصيات معروفة في العصيان المدني, ففي تناوله للعصيان المدني يشيد به ويدعو اليه حين يكون هناك انتهاك للعدالة ويدعو الى خرق القوانين ووضع العصا للحكومة في العجلة ورفض الامتثال لها من خلال عدم اداء الواجب وليس بالضرورة ان تكون الاغلبية متفقة بل الاقتناع هو المهم ولو كان فرديا ولو ادى ذلك الى دخول السجن كما حدث معه نفسه وقد توجت تجربته بكتيب حول العصيان المدني نشر بعد وفاته . تجربته تاثر بها العبقري "تولستوي" ففي عدد من اعماله استنكر اساس كل سلطة تقوم بالحد من الحريات كما رفض الدولة والكنيسة وفضل نوعا من "الفوضوية" والصوفية... بعد ذلك سيأخذ العصيان المدني بعدا جماعيا من خلال حركة احتجاجية ومطلبيه ..لكن تميزت بوجود شخصية محورية وتم الاحتفاظ على الطابع السلمي وتبني قضية وتبرير الافعال والذهاب الى الحد الاقصى لكن بدون تطرف....
فهناك تجربة "غاندي" اللذي تأثر "بتورو" و"تولستوي" وبصديقه الهندي وقد بدا المقاومة في جنوب افريقيا اللتي توجها بمبدئه في الاعنف, وعاد الى الهند وقاد حركة تحرير سلمية ضد المستعمر الانجليزي وقام بحركات واحتجاجات ومسيرات عديدة وكان يصر على الاعنف حتى وان كان في البداية يلقى اعتراضا من الحزب ودخل السجن في 1930 وقد قامت حركته "بمسيرة الملح" الخالدة على طول 400 كلم شارك فيها الآلاف وللاشارة قرر غاندي توقيف العصيان المدني سنة 1922 بعد احداث عنف ادت الى حرق كوميسارية شرطة كي لا تنزاح الحركة عن طابعها السلمي و المقاومة السلبية...
وايضا مثال القس"مارتن لوثر كينغ" ونضاله ضد التمييز العنصري واللذي اخذ عن "غاندي" مبدا الاعنف في دفاعه عن حقوق السود وحققت حركته اهدافا تاريخية... في حين ان تطورات الحركة عرفت انتقادات من طرف بعض التوجهات الراديكالية اللتي رات بان حركة ما رتن متساهلة كثيرا وحسب شرط السلمية فهاته الحركات لا تدخل في العصيان المدني..
وهناك حركة "نيلسون مانديلا" أللذي أطلق العصيان المدني ضد قوانين التمييز العنصري سنة 1951 حين اصبح رئيسا لجمعية تناضل ضد التمييز العنصري بجنوب افريقيا وقاد حملة توجت بمظاهرة شارك فيها 10 الاف محتج وتم اعتقال الاف الاشخاص من بينهم نيلسون مانديلا و سنة 1961 بقرارمن مانديلا ثم التخلي عن استراتيجية الاعنف لان سنوات النضال لم تحقق نتائج وتحول النضال الى استعمال السلاح...
مثال اخر من امراة هذه المرة الفراشة الحديدية "آن سانسوكي" معارضة للديكتاتورية ببرمانيا بشكل سلمي لأكثر من 20 سنة من خلال "العصبة الوطنية من اجل الديموقراطية" قضت سنوات تحت الحراسة النظرية والحزب مؤخرا بعد المشاركة في الانتخابات دخل البرلمان والمناضلة لديها مقعدها والحزب لديه حوالي 40 مقعدا من اصل435 وهي حاصلة على نوبل للسلام وتحظى بدعم واسع في العالم مما يعنيه ذلك من صيت للقضية و ضغط على السلطة..
كما ان العصيان يجد له جذورا تاريخية في اعتراضات اقدم عليها شخصيات تاريخية معروفة ك"انتيغون" و "سقراط" ودعى اليه "لابويتي" مثلا من خلال عمله "خطاب حول العبودية الطوعية" ومارسه بشكل ما مفكرو عصر الانوار ومع تطور الحركات الاحتجاجية اتخذ العصيان المدني اشكالا مختلفة كما ان العصيان الجماعيد يؤدي الى خطوات اكثر تاثيرا وضغطا من الفردي والمحدود... ويتصف العصيان المدني كما سبق بالسلمية لكنه قد يكون قريبا من اشكال اخرى فتجارب من قبيل الحركة الشبابية الطلابية ماي 1968 في فرنسا والحركة اللتي زامنتها في العالم أللتي لا تتطابق مع العصيان المدني السلمي لكن كانت عصيانا به عنف نسبي كما لم تصل الى درجة ثورة 1789 ونتائجها... في حين هناك حركات في العالم مثلا في امريكا الاتينية واللتي استعملت السلاح وكانت ثورية فهي بذلك بغض النظر عن شرعيتها لا يمكن تصنيفها في العصيان المدني حسب شرط السلمية. اما بالنسبة للعالم الاسلامي هل عرف حالات عصيان مدني ؟ ما اعرف ان العصيان اللذي كان للسلطة منذ ظهور الاسلام لم يتطابق مع العصيان المدني لقد كان هناك خروج على السلطة ومحاربتها وهذا الخروج كان بالاساس سياسي مثل"الخوارج" او اراء لعلماء اتجاه الحاكم او عدد من المفكرين او الادباء مثلا "ابن المقفع" و "الحلاج" و"المعتزلة".. و اللذين كانوا متمردين على النظام ويمكن ان نجد ما هو قريب من الدعوة الى العصيان المدني في عصر النهضة في الشرق عند "الكواكبي" اللذي وجه انتقادات الى السلطان العثماني ادخلته السجن وله مؤلف في "طبائع الاستبداد"

بالنسبة للمغرب كانت هناك تمردات ومعارضات للسلطان لكن عناصر العصيان المدني لم تكن كاملة اما في المغرب الحديث فعرف معارضة بارزة للنظام لكن لا توجد حالات تنطبق على العصيان المدني حيث اتسمت بالصراع والراديكالية والسرية واللجوء الى اية وسيلة لتغيير النظام.. بالنسبة لمعارضة الشيخ "عبد السلام ياسين" هل هي قريبة من العصيان المدني؟ لانه كان معارضا للحكم وعنصر السلمية حاضر( رغم ما يمكن ان يقال حول انزياح اعضاء من الجماعة الى العنف في الجامعة في مناسبات) كما ان مدة هاته المعارضة طويلة لكن ما هو واضح ان المنهجية و المطالب بعيدة عن ما هو معروف في تجارب أعلام العصيان المدني
اليوم في العالم اصبحت حالات العصيان المدني كثيرة حيث ان عدد من الاحتجاجات توصف بالعصيان المدني رغم انها قد تكون عفوية او عنيفة, ولا تتفق مع مبادئ العصيان المدني, رغم انها تشترك في كون الاسباب نفسها اللتي يمكن ان تستدعي عصيانا مدنيا كما ان خرق القانون يكون في كلتا الحالتين, لكن تختلف الوسائل والاهداف رغم ان المطالب قد تكون متقاربة المهم ان الوسيلة هي المميزة.
العصيان المدني يمكن ان يطلقه اي مواطن برفضه الامتثال الى القانون والنظام اذا راى بانه لا يقوم على اسس عادلة لكن هذا مجرد بداية فالاهم ان يبرر فعله فأكنه يقوم "بمرافعة" وأمد العصيان يلعب دورا فكلما طال الا وكان له صدى واقناع للأخريين و سيجعل الرقعة تتسع ويصبح العصيان جماعيا.. لكن يبقى شكله وتوقيته عنصرين حاسمين في الاثر حيت يمكن ان يخل فعليا بالنظام ويكون ملموسا وليس مجرد نقد فهناك اوقات تجعل العصيان ذا وقع كبير و يمكن ان تكون الاسباب داخلية او خارجية كما هو الحال مع "الربيع العربي".
لا اقول ان العصيان المدني هو الشكل المتلائم مع الوضعية الحالية للمغرب او سيكمل ما بداته "حركة 20 فبراير" واللتي كانت قريبة للعصيان المدني اوليست الحركة في تاريخ المغرب اللتي يمكن ان نقول انها كانت الاقرب الى ذلك ؟ ثم هل يمكن ان يؤدي العصيان المدني للنتاءج اللتي ادت اليها الثورات فالامثلة العصيان المدني التي ذكرت كانت بعد ثورة او كانت ضد احتلال اجنبي او بدون نتاءج ملموسة كما حال تجربة تولستوي" وان كانت تجربته قد اثرت في من جاء بعده فالعصيان المدني قد تكون له نتائج جزئية وهذا من طبيعة هذا الشكل ا وقد يمهد الى انتفاضة"
ان الاشكال الاحتجاجية متعددة في الوساءل والغايات وهاته الاشكال ليست اختيارا يلجؤ اليه لانه مفضل لتحقيق اهداف من خلاله فليس من السهل اختيار الشكل المناسب بدون تحليل للظروف المحيطة فاما قد يكون الشكل اعلى مستوى مما تتطلبه الظرفية وتكون النتيجة فوضوية او يكون دون المستوى ويكتفي بتحقيق اقل من الازم, رغم ان الظروف كانت سانحة لتحقيق اكثر و قد يكون تريثا ليس في محله فالاحتجاج يتطلب حدامن المبادرة والمغامرة والاستعانة بالمعطيات المرحلية رغم ضبابيتها, فمع الحركة تتشكل الرؤية فبالنسبة للمغرب الوضعية تختلف عن باقي البلدان لكن هذا ليعني انه غير معني "بالثورة" اوان هاته تتحقق بإرادة الجميع.. لكن قد يكون هناك اشكال احتجاجية تؤدي مهمة الضغط في المرحلة الحالية وتبلور الوعي السياسي والحقوقي هاته الاشكال قد تمهد الى خطوات اخرى والعصيان المدني قد يكون مفيدا ومتماشيا مع الظرفية بل حتى انه يمارس بشكل ما لكن دون ان يصل الى الاكتمال والانتشار.. كما انه من خلال ممارسته يمكن الخروج بنتائج للتقييم وهذا بخصوص النجاعة اما دواعي العصيان في المغرب الان فهي لا تعد ولاتحصى والحاسم هو كيفية العمل.
قد لا يحقق العصيان المدني نتائج مهمة خصوصا على المدى القصير, لكنه يحتفظ بقيمته فهو تعبير عن الرفض والاستنكار لوجود حالة غير عادلة من اجل غاية سامية وقد يترك اثرا تؤدي الى مالأت غير متوقعة فالامتوقع تاريخ ممكن..