استغربت لقرار منع فيلم "الزين لي فيك" من طرف وزير الإتصال، وأكد إن كان له مشكل مع مخرجه نبيل عيوش، فليسويه بعيدا عنا... لا يعقل أن يجلس هو وزمرته، يقررون بدل 36 مليون مغربي ما يشاهدونه وما لا يشاهدونه... مع العلم أن نقاد كبار تناولوا الفيلم بشكل جيد في مقالاتهم، ونصحوا بالتريث حتى عرضه بدل اللقطات المسربة...
كما أتساءل عن توقيت منع الفيلم من العرض، واستغرب تدخل الوزارة في اختصاص، هو حكرا على لجنة الرقابة التابعة للمركز السينمائي المغربي. هذا الجهاز يتولى منح التراخيص أو منعها...
هنا مربط الفرس أليس ضربا من العبث التطاول والتباهي في ضرب الدستور عرض الحائط بحجة الوصاية على شعب قاصر؟... ألم تكفيه الكوارث المالية والمعنوية التي سببها للمغرب... أنسينا حكاية المليون دولار... ثم حكاية جوسوي كلير وتوسطه في العمل لذوي القربى وأولياء النعمة...
أهذا هو نموذج الحكامة والتبصر والرزانة المتطلبة في منصب مؤسسة الوزير؟... أم هو طيش مراهقة سياسية ابتليَ الوطن بها؟...
المتعارف عالميا وداخليا أن هناك قوانين يخضع لها الجميع في تصوير الأفلام... يتم الترخيص للتصوير بعد قراءة السيناريو، ثم هناك لجنة دعم الفيلم تمول المشروع تحت شروط معينة وفقا لدفتر تحملات يراعي عددا من الضوابط القانونية... أم هي خلاصة توافقات بين الرئيس الحالي للمركز السينمائي والوزارة بدأت تبرز للعلن؟...
لا بد أن نشير ونشيد بالجرأة والحزم الذي تعامل نور الدين الصايل المدير السابق مع الوزير الحالي... مما أدى إلى إقالته من منصبه حول نوعية الأفلام... أو إن صح القول عن خط جرأة حرية الإبداع ومواضيع الجنس، التي كانت تثير قلق الوزير المحافظ...
أليس للمركز السينمائي الغربي آليات للمراقبة؟... من قبيل +18 وحصر المشاهدة على أعمار محددة... أو مطالبة المخرج توضيب لقطات معينة... أو فرضه للعرض داخل الأندية السينمائية.. وتكون قد أمسكت العصا من الوسط وذلك أضعف الإيمان... وحصرت نسبة التداول والمشاهدين...
لماذا لم تبلغ لجنة الرقابة التابعة للمركز السينمائي المغربي إدارة الفيلم، منذ البداية عن قرارها؟... خاصة أن القرار قد تسبب في خسارة مادية مهمة لأصحاب المقاولة... ألم تراعي الوزارة مشاكل المهنيين مع المنافسة ومبدأ تكافئ الفرص في سوق يعرف انتكاسات جمة على الصعيد الوطني: بدءا من دور السينما إلى القرصنة المنتشرة على عينك أبن عدي...
أين هنا صورة أجمل بلد في العالم؟... خاصة أن الفيلم يمثل بلد ألف مغارة في مهرجان كان الدولي...
أليس من حق المغاربة التساؤل عن موقعهم من صراع الإسلاميين و آل عيوش؟...
سؤال يتلو سؤال... والمصيبة تقع باسم شعب غارق في الجهل والأوهام، سـُلطت عليه من فقهاء كهنوت الدين والسياسة...
أشعلوا حروب طروادة على المواقع الإجتماعية، جيشوا الشارع، دفعوا من هب ودب لإبداء الرأي وهو اختصاص نقاد... جيوش من العامة والدهماء والرعاع تفتقد للمعرفة النقدية والتعامل مع الفن والإبداع... لتصل إلى خلاصة الشنق وقطع الرؤوس وهي نتيجة محاكم التفتيش ربيعنا العربي...
أيها السادة : الهدف هو حرية التعبير وبالأخص السينما المغربية ودق أخر المسامير في النعش الذي كان نور الدين الصايل أحد حماته الأوفياء... سنؤدي الثمن الباهظ في أخر القلاع، من حيث الوصاية على الإبداع والحجر على زمرة من المخرجين وبالتالي ترويض ممثلين من أمثال سعيد باي ولطيفة أحرار و لبنى أبيدار... القائمة طويلة... هؤلاء عينة من أناس ترى الجسد لوحة للتعبير...
صار فقهاء السياسة يخافون من الجسد الذي هو مرآة لعرينا ومشاكلنا الإجتماعية خاصة على الشاشات... فالصورة تخيف... الصورة استثناء... صورة وسيلة ضغط أسقطت إمبراطوريات: كالولايات المتحدة في الفيتنام والعراق والصومال... أسقطت السوفيات في أفغانستان... جرجرت أبالسة التاريخ للمحاكمة والرجوع للوراء...
سيقول حاذق وماكر أن حرية الجسد متروكة من أبوابها الواسعة للأدباء والرواة في كتبهم... متروكة للصحفيين في ملفاتهم... لكن يتغابون علينا ومدركين أننا شعب جاهل لا يقرأ إلا دقيقتين في السنة...
الأمية منتشرة في ربوع هذا الوطن ولا خوف عليهم من ردة فعل... أما الصورة فهي وسيلة وصفحة مملوءة بالتأويلات والتساؤلات... وهدا ما لا يريدونه...
الجدال والنقاش الفكري علامة صحية على جسم المجتمع الحي. ينبض بالأسئلة التي تهمه حصرا وتطرح مقومات مرجعياته الأساسية... لكن ما يثير قلقي... أن النقاش اتخذ شكل اصطفافات حادة وأحكام مسبقة... تروم امتلاك الحقيقة المطلقة وتسفيه الأراء المخالفة...
سعيد تيركيت
الخميسات - المغرب - 27 / 05 / 2015