في الآونة الأخيرة كثر الهرج والمرج عن صورة التقطت للأستاذة نبيلة منيب في كامل أناقتها، صورة بين رافض ومؤيد لها...
لكن ما حز في نفسي هو التبريرات المعتمدة بين الطرفين... فالرفاق مثلا استشاطوا غضبا وبدؤوا -كعادتهم - يخونون كل من أشار بأصبعه إلى الأمينة العامة للحزب الإشتراكي الموحد، حتى أضحت قديسة لا يمكن الكلام عنها بالنقد... المعارضين تلقوا هدية لإثبات مقولة ديكتاتورية الرأي الواحد، وأن الزعيم المثالي يجب عليه أن يكون قدوة لطبقته الإجتماعية...
قبل الخوض في النقاش، يجب علينا استذكار معنى الصورة وأبعادها... انطلاقا من أنها تـُؤرخ للحظة، ورسالة إلى من يهمه الأمر... لكن وجب علينا الاعتراف بمكانة الصورة فهي سلاح ذو حدين...
الصورة سبب رئيسي في اندحار أمم، على سبيل المثال لا الحصر. الصورة هي التي أخرجت الشعب الأمريكي للتظاهر في الشارع ورفضه حرب الفيتنام... ثم أجبرت الرفاق الروس على الانسحاب من أفغانستان... وتحت ضربات آلات التصوير خرجت الولايات المتحدة من العراق بهزيمة مذلة... ووظفها حزب الله في معاركه مع إسرائيل... كما أدت إلى انتحار واستقالة عدد كبير من الشخصيات السياسية والاقتصادية والثقافية عبر العالم...
تبقى قراءة الصورة في عالمنا العربي والمغربي ووظيفتها ثانوية ولا تحقق المراد منها إلا للتشهير أو الاحتفال...
دعونا نعرف ما هي الصورة أكاديميا ثم ننتقل إلى شرح صورة الأستاذة منيب والمراد منها أو بالأحرى توظيفها...
مكونات الصورة الفوتوغرافية
مهما يكن نوع الصورة الفوتوغرافية فإن أهم مكونتها هي:
الإطار أو الكادر:
المساحة التي يختارها المصور لموضوعه من الأفق البصري مشتملة كامل الفراغ حول الموضوع وحتى نقطة القص.
الموضوع:
الأمر المثير للاهتمام الذي يختاره المصور كنقطة تركيز في أي لقطة.
الخلفية وعمق الحقل:
إضافات قد تثري الموضوع وتزيد من الجذب البصري له.
الإضاءة:
(تصوير ضوئي) السر الأهم في التصوير الفوتوغرافي
من غير الممكن أن نتناول موضوع التصوير الفوتوغرافي دون التوقّف عند إسم أحد أهم الباحثين رولاند بارث (1915- 1980)، وهو باحث في علم الألسن والنقد الأدبي. شرح بارت في أحد أهم مقالاته ” الرسالة الفوتوغرافية” “ The Photographic message ” (1961) نظريته الجديدة التي تتعلق بقوة المعنى الذي تحمله الصور الفوتوغرافية. يدّعي بارث أنه حتى ذلك الوقت كان التركيز كلّه على النص المكتوب، وكان النص بالنسبة للمتلقي يحمل كلّ المعنى المقصود إيصاله. ادعاء بارث هو أن الصورة الفوتوغرافيّة هي تحمل رسالة ذات معنى، مثلها مثل النص اللّغوي، وربّما أكثر. لذلك يمكن للمتلقي، أو الباحث، أن يقوم بتحليل عميق للصور لغاية استخراج المعنى أو الرسالة المراد إيصالها. بحسب بارث، الصورة هي رسالة بالتالي فهي تخضع لنظرية الإتصال الأساسية، أي: مرسل, قناة اتصال، متلقّ. بحيث أن المرسل هو مصوّر الصورة، أو محرر الصحيفة الذي صادق على نشر الصورة، وكاتب المقال الذي قرر أن يرفق هذه الصورة. قناة الاتصال هي الصحيفة نفسها، والمتلقّ هو القارئ.
عند نظرنا لأي صورة صحفية يجب أن ننتبه لعنصرين هامّين بحسب بارث:
1. الصورة كمادة بصريّة.
2. النص الذي يحيط بالصورة، سواء كان العنوان المرفق تحت الصورة، عنوان المقال، العنوان الجانبي، أو المقال نفسه. لأن كل هذه النصوص المحيطة بالصورة تساهم بشكل كبير في تأطير الصورة من ناحية المعنى الذي تحمله.
يقول بارث أن الصورة كالنص المكتوب، يمكن تحليلها والنظر إلى معناها من منظورين أساسيين:
1. السياق والمفهوم والخلفية الثقافية المحيطة بالصورة وحيّثياتها.
2. هذا المنظور شبيه باستعمال القاموس لإخراج معنى كلمة معينة، وفي عالم الصور نقصد تحليل ما نرى فيها بالضبط كما نراه، وصف دقيق لمركبات الصورة المختلفة كما تراها العين، بدون علاقة للسياق.
من الجدير بالذكر أن الصور الفوتوغرافية الصحفية تهدف دائما إلى أن يتم تحليلها كمركبات (البند الثاني)، أي أن يصل للمتلقّ هي أن هذه الصورة تعكس الواقع كما هو بالضبط, هذا يعني أن يكون المتلقي خاملا محايدا يتعامل مع الصورة كأنها حقيقة مطلقة لا تحتمل النقاش. بالطبع هذا الطرح غير واقعي لأننا لا نستطيع فصل الصورة من سياقها وحيثيات حدوثها، مثل الزمان والمكان.
اعتبار الصورة الصحفية حقيقة مطلقة ليس لها علاقة بالسياق يؤدي لأن يمتص القارئ ويخضع للأيديولوجيا الخفيّة التي يريد لها كاتب المقال أو محرر الصحيفة أن تنتشر. لذلك: حدّد بارث ستّة عناصر يجب أخذها بعين الاعتبار عندما نريد تحليل صورة في سياقها:
1. تأثيرات: هنا يجب أن يسأل المتلقّ نفسه فيما إذا كان يلاحظ تلاعبًا بالصورة الأصلية, سواء كان دمج صورتين سوياً، إضافة عناصر جديدة، أو إزالة عناصر كانت موجودة في الصورة الأصلية.
2. الوقفة Pause: أي الدلالات التي تشير إليها وقفات الشخصيات في الصورة، وفروق القوى إذا وجدت.
3. العناصر الإضافية : objectsالتي تحيط بموضوع الصورة المركزي، مثلا، إذا كانت الشخصية المركزية في الصورة هي امرأة ترتدي الحجاب فلهذا دلالة تفيد في تحليل سياق الصورة.
4. رقّة الألوان في الصورة: هل الصورة ملوّنة أم لا وإذا كانت ملونة إلى أي مدى هذه الألوان باهته أو دافئة؟ كلما كانت ألوان الصورة واضحة أكثر وتنبض بالحياة كانت اقرب للمتلقّ وأكثر تأثيرا به.
5. تجميل الصورة أو محاولة جعلها أشبه بقطعة فنيّة: هذا ادعاء خاص لبارث، وهو أن المصوّرين لديهم محاولات لتحويل الصور إلى قطع فنية عن طريق الإشارة إلى لوحات فنية شهيرة. يدّعي بارث إن هذه المحاولات لا تنجح في اغلب الأحيان.
6. سلسلة صور: هناك إمكانية لتكوين سلسلة من الصور المتتابعة بحيث تكّون سوية معنى وتوصل رسالة محددة، ساخرة. ناقدة، أو تصف واقع معين.
أخيرا، ليس من الحتمي أن تنطبق كل هذه العناصر على كل الصور أو على صورة واحده، ولكنها جديرة بالفحص في كل صورة نتعرض لها لكي لا نكون عرضة لامتصاص إيديولوجيات الناشر أو المصور بشكل غير مباشر. أهم ما أراد بارث في مقاله هذا أن يظهر، هو أن للصورة قوة لا يستهان بها في إرسال المعاني والرسائل مثل النص تماما وربما أكثر. هذا الطرح يكاد يكون مفهومًا ضمنُا في أيامنا ولكن في الستينات، سنة نشر المقال، لم يكن هذا منتشرا أبدا وكان يعتبر تيارا جديدا يحمل ادعاءات جديدة بالتالي احتاج الصحفيين والمصوّرين والباحثين الذين يؤمنون بقوة الصورة إثبات ذلك.(1)
قراءة الصورة على ما ورد في القاعدة: للحقيقة هناك قراءتين قراءة كرجل وكمثقف...
قراءة كرجل:
ابتدأ بمقطع أغنية للراحل محمد الحياني:
شوفا وحدا كتهبل...
فيها شمس او فيها ضل...
ويلا هز عيونو فينا...
حفيظ الله مشاو فيها...
حفيظ الله مشاو فيها...
صورة جميلة تصلح لغلاف مجلة نسائية متخصصة في الموضة والأناقة وآخر صيحات اللباس...مع ذلك فهي تعد المرأة الوحيدة في المغرب زعيمة حزب ويساري...
امرأة في عيونها تخفي قوة الرجال...فأنت أيها المتلقي تغوص في عالم مجهول لا يدرك قوته وبطشه إلا النساء، هن وحدهن قادرات على قراءة بعضهن...
يخيل إليك، للوهلة الأولى، امرأة اكتسحت الأنوثة من الباب الواسع لتتربع عرش مملكة الجاه والجمال... لبؤة... ليل يخيم على رأس يضيء سماء بعينين أفقهما بعيد... تتربع كرسي الأناقة لا يحده حد... وجه لا ينحني للسماء...
امرأة تحمل في طياتها عبق أفكارها الشيوعية... متمردة عن المألوف وثائرة عن عرف مجتمع... كل ما حولها مفتون... نظرات قوية حد الرجال... جميلة حد الكمال.
أنثى خلقت يوم عطلة. خالقها أخذ وقتا في رسم ملامحها... رغم قوتها فهي متواضعة أما عدسة اللحظة...رغم تواضعها شرر من عينها يشي بالتسلط والقوة.. تخفي أكثر من أمر، على خدها رسم القمر ضيائه وبين الشفة والشفة يسيل خمر الجنة عنبا، على أنفها ارتسمت قصص عشق يدرك رائحتها عشاق فنيسيا...
تتصدر الحضور، تخطف الأضواء... أنثى لا تشبه نساء الوطن... شهية كطعنة خنجر... في صورتها تقرأ المعجزات، وعلى محياها تذوب كل اللغات...
أيتها السيدة... أنت بجمالك الباهر، سقطت حروفي أمام ناظريك وقلمي مات حبره...
خلاصة القول في مقطع أغنية:
يا الزينة عينيك كبار عينيك كبار يدخلوا المحنة للدار
و يا الزينة راني مهموم راني مهموم ومنك مجاني نوم
يا الزينة قوليلي واه ولا لالا ولا قطعيني لياس
قراءة كمثقف:
يا نبيلة الروعات...
يا امرأة قلت في زمن الإشاعة، ووهم ذكور القبيلة... الذين احتكروا كتابة التاريخ... وكتابة أسمائهم في لوائح المبشرين بدخول الجنة... ومارسوا الإقطاع الزراعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والنسائي...وحددوا مساحة غرف نومهم... ومقاييس فراشهم... وتوقيت شهواتهم.. وعلقوا فوق رؤوسهم ...
ينساب الحكي ويستبد وجع الحكاية بنوستالجيا الزمن الفائت المرتد. تتداخل أمامنا الذكريات المفتولة في خيط حيكت من كل الأزمان، فلا في الماضي بدايات أو في الحاضر مستقر ومشرئبة تهرول الحكايات وتمضي في وشوشة من سؤال لا ينتهي كترحال بدوي وراء غيمة من دم و ماء و حياة كالحياة. نذبات الغياب والحنين تحاصر حكاية العمر برواية أو كتاب ينبش في الكينونة ويستحضر يقظة اليراع الصامت إلى حين ويهمهم بتراتيل الآلهة الهاربة من ضيق المكان وفظاعة حصار جدران زرقاء باردة... يلفحك القلم متململا من الغيظ قيظ الحرف على البياض و يلملمك في سواد من ضباب كثيف ثم يودع لديك كل المعاني الممنوعة في دفعة واحدة...
أوااااااااااااه... صرخة على ضفاف الغياب تزهر كلمات تخبو أخرى... في الحضور والتواري تكمن كل التفاصيل القديمة المثقلة بهموم البوح مستحضرة أكواما من الألم المختمر في سراديب الذكرى...
انحناءة لصورة تخط حرف الحكاية بسكينة التأمل وحرقة الإجهاش بالبكاء... على بقايا وطن..
صمت... صمت... حضرة زعيمة الكلمة والفقراء هنا... نبيلة منيب:
السيدة نبيلة منيب امرأة مناضلة وراءها تاريخ شخصي من الكفاح الأكاديمي والسياسي ومواقف مشرفة في الحاضر القريب وتاريخ اليسار الذي تتكلم باسمه مشرف وساهم في خلخلة الجمود السياسي المغربي في أكثر من محطة. اليسار مدرسة للشباب المغربي تعلمنا جميعنا في أحضانه فن العطاء والتضحية وتمرسنا على الكثير من المهارات وأهمها الحلم بوطن وغد أفضل...
أرى أن الإنفاق الباذخ على المظهر تنم عن ميول استهلاكية لا ينبغي لحامل هم الشعب أن يتصف بها .. إن كانت منيب بكل رمزيتها النضالية ترتدي ما مجموعه ثمن كراء شقة عامل في معمل بضواحي المدن الصناعية، وهي بعد في كرسي المسؤولية النضالية كيف يكون حالها وهي مسؤولية إدارية وتدبيرية... اعتقد أن المناضلين يجب أن يكون عضويين وإلا فما الفرق بينهم و بين غيرهم
من أهم دروس مدرسة أخلاق اليسار الجمال والأناقة بأقل الوسائل والإمكانيات المحدودة، حتى لو كانت متوفرة... فالتقشف والكفاف والاستثمار في الميادين العامة المشتركة من تعليم و صحة وووو.. أهم من الاستثمار الفردي، حتى لا نقع فريسة الثقافة الاستهلاك المفرطة في الكماليات المستوردة بما تعنيه من تبعية واستنزاف طاقات البلدان ومواردها الطبيعية المملوكة للشعوب...
زعيمة الاشتراكي الموحد حزب فقير، محدود الإمكانيات ليس لدية جريدة أو نشرة تعرف بإنجازاته و تأطير خلاياه وأنصاره... ومع ذلك فأمينته العامة تتحرك بمجوهرات ثمينة (حتى لو كانت من مالها الخاص).
صورتها تعطي القدوة والمثل للعمال والفلاحين والطلبة التي تمثل قناعتهم... هل تساءلت عن ردة فعل من لا يمتلك كسرة خبز يرد بها رمق جوعه؟ هل تساءلت عن من هم أحوج إلى حبة دواء؟ هل تساءلت عن من لم يجد كتابا يحارب به فيضان الجهل؟ هل...هل...؟
هل طرحت أسئلة عن كيفية إقناع القطيع وحال الصورة الفاضحة ليسار الكفيار والصالونات المخملية...
الأحزاب اليسارية الراديكالية لا تتباهى بالغنى الفاحش لا في اللباس ولا الأكل ولا السفريات ولكن تتباهى بتواضعها أمام قواعدها التي هي من كوادرها ومثقفيها ومن الطبقة الكادحة التي تدعي الدفاع عنها.. فكيف لأي معارض سياسي يساري تقدمي قح... أن يظهر بهاد المظهر الغير المجدي فهاد هو الجهل بعينيه... رفيقتي
اليسار فكر وتفكير... اليسار مبادئ وتربية... واليساري قد يحسن التفكير وقد لا يحسن لأنه بشر... وقد يعكس المبادئ وقد لا يتفوق... قد يترجم التربية اليسارية وقد لا يكون سويا ولا وفيا لها ...
اليساري الحقيقي يكون متشبع بأفكار ومبادئ اليسار... وهي ليست كلمة فضفاضة ولكنها سلوك يومي. أما الأناقة تكون في البساطة دائما
ادن هي قيمة لا يعرفها إلا أصحاب القامة. قامة المروءة والمبادئ الحقيقية وليست المزورة .
إمرأة واهـمةّ... بأحلامها
فقاعات هاربة
وحنين مكفف بقلق مبرر
يسكنها الخوف في العينين ذات الرموش
سعيد تيركيت
الخميسات - المغرب- 25 / 08 / 2015
(1) - خلاصات مقتطفة من الانترنيت...