كما جرت العادة قبيل أي عملية انتخابية في المغرب، عاشت مدينة كلميم حرب إعلامية طاحنة بين مجموعة من الأطراف المتصارعة في السعي إلى رئاسة المجلس البلدي والمجلس الجهوي، أبواق إعلامية كرست جهدا محمودا لنيل من هذا المنتخب " الفاسد "، وكيل المديح لهذا المنتخب "النزيه".
المنتخب " الفاسد" مثله الاتحادي عبد الوهاب بلفقيه الذي تربع على كراسي عدة منذ عقد من الزمان، والمنتخب " النزيه " كان الوجه الجديد الوزيرة المنتدب في الخارجية أمباركة بوعيدة، عن حزبها العائلي التجمع الوطني للأحرار الذي صار ملكية عائلة منذ أمد بعيد.كما هو شأن كل الأحزاب مع العائلات الغنية في المنطقة وفي المغرب ككل.
مسرحية الحرب بين آل بوعيدة و آل بلفقيه
الحملة الانتخابية لحزب الوردة :
كرس رئيس المجلس البلدي عبد الوهاب بلفقيه كل الوسائل اللوجيستية لنجاح حملته الانتخابية وجعلها متميزة عن باقي الخصوم،( سيارات رباعية الدفع، ولائم، مقرات في الأحياء، جيش من العاملين بالأجرة اليومية وغيرها كثير) علاوة على الأساطير التي نسجت حوله ولاتساع شبكة علاقاته التي تفتح الأبواب الموصدة، وكذلك لدهائه السياسي الخطير، خصوصا بعد ما جرى عقب الانتخابات في استقطاب عضوين ناجحين من لائحة التجمع الوطني للأحرار.
فاز المرشح ألإتحادي في الانتخابات الجماعية (7160صوت ) والأخرى الجهوية بأغلبية المقاعد ( 12 مقعد) بعدد هام من الأصوات.
الحملة الانتخابية لحزب الحمامة:
أما حملة آل بوعيدة فقد كانت متواضعة إذا ما قورنت بالإمكانات التي وفرها خصمهم بلفقيه. ويرجع ضعف رصد مبالغ مالية ضخمة لاستمالة المصوتين، في نظري إلى عاملين ، الأول كان صورة الوزيرة التي حجت إلى المنطقة بدافع محاربة الفساد وبالتالي اكسبها تعاطف قاعدة من الشباب الجامعي خصوصا، والعامل الثاني كان عوز العائلة في الوصول إلى قاعدة مضمونة من المصوتين لصالحهم.
ترك هذا العامل الأخير تردد في سخاء العائلة والرهان على مشاركة أمباركة بوعيدة التي استطاعت فعلا على خلق جو مريح نسبيا وسط أنصار العائلة من متملقين و انتهازيين ومنتفعين، منهم طلبة و عاطلون عن العمل و تجار انتخابات وسماسرة ذمم و وصوليون. أي قاعدة مصالحها متنافرة وغير منسجة الرؤية وأهدافها متناقضة.
في خضم الحملة بدأت الإشاعات تتناسل من هذا الطرف أو ذلك، ويروج لها بشكل متعمد الأنصار على المواقع الإلكترونية الصفراء و الفيسبوك. بلغ الأمر حد الترويج لنعرات قبلية وعنصرية وروث فكري من العصور الغابرة.
لم يكن لبقية الناخبين عن الأحزاب الأخرى نصيب هام من كل هذا الصراع الدائرة فجلهم محسوب على هذا الطرف أو ذلك، ومنهم من انتفع مع الرئيس البلدي قبل أن يطرده من رحمته بسبب خلافات حول النهب.
وبقي حزب العدالة التنمية خارج دائرة الصراع مع ميله إلى حزب التجمع الوطني للأحرار.
من صوت على آل بلفقيه:
في انتخابات الغرف المهنية سحق حزب الإتحاد الاشتراكي كل منافسيه وفاز بكل الغرف، ونصب حلفائه على رئاستها لينتصر في الشوط الأول على آل بوعيدة وحلفائهم بالضربة القاضية.
تركت هذه النتيجة توجسا وخوفا من الجولات القادمة في معسكر آل بوعيدة. وثقة في صفوف أنصار الرئيس، علاوة على استقطاب المترددين بين المعسكرين إلى معسكر بلفقيه.
أصبح باديا من خلال هذه الانتخابات المهنية أن الكتلة الناخبة أي " الظهير الشعبي " الذي يعتمد عليه بلفقيه هو أصحاب الملكيات الصغيرة من فلاحين صغار ومهنيين وحرفيين( جباصة، صباغة، نجارة، صناع تقليديين وغيرهم ) وتجار من بقالة وأصحاب مقاهي ومقاولين صغار ومتوسطين وأصحاب أوراش ومشاريع صغيرة وحتى أصحاب سيارات الأجرة ( صغيرة وكبيرة ).
هذه القاعدة الاجتماعية هي القوة الناخبة التي رفعت عبد الوهاب إلى مصاف الأبطال الأسطوريين، قاعدة منظمة في جمعيات مهنية ترتبط مصالحها وعلاقاتها الحرفية بشبكة معقدة من البيروقراطية الإدارية التي يتربع على رأسها عبد الوهاب بلفقيه، رجل الأعمال الثري الذي يطمح كل تاجر أو مقاول إلى الوصول لثرائه وهو حلم يبدو مشروعا، عندما نعلم أن الأسطورة كان عامل بسيطا في محطة بنزين.
هناك أيضا بيروقراطية نقابية اشتغلت في التجييش والدعاية وحشد الأنصار لحزب الوردة، ومنهم كذلك قطاع من الأجراء الذين فقدوا الثقة في العمل النقابي بعد " إفساده " وتوالي الهزائم في صفوف الأجراء.
تتسع هذه القاعدة الاجتماعية كلما كان البلد متخلف اقتصاديا وتزداد علاقاتها ارتباطا بالبيروقراطية، وهو ما حصل في كلميم حيث ظلت هذه القاعدة ملتزمة مع ممثلها الذي يملك الحل لكل ما تتعرض له من مشاكل محليا على الأقل.
من صوت ل آل بوعيدة :
لم تكن لحزب التجمع الوطني للأحرار أية شعبية مع الوجوه السابقة التي تترشح منذ سنوات في الحزب، من إل بوعيدة مثل ما هو واقع اليوم في ظل انتخابات 4 شتنبر، حيث أصبحت الحمامة رمز التغيير ومحاربة المفسدين، والحمامة هي أمباركة بوعيدة المثقفة الواعية التي تحتل منصب سيادي في الدولة.
إلتف حول الوزيرة زمرة من المقربين من العائلة وكما سبق الذكر، منهم : العاطلون عن العمل و جمهور من الطلبة و أعيان ذوو شأن ضعيف وتأثير محدود، بالإضافة إلى متضررين من سياسة ونهج بلفقيه في تسيير المجلس البلدي بالأخص مافيا العقار من أصحاب بعض الوداديات السكنية وسماسرة البقع الأرضية المتضررون، وأيضا بيروقراطيون نقابيون انتهازيون وآخرون مطرودون من رحمة الرئيس وباحثون عن فرص للاغتناء أو على أقل تقدير للحفاظ على مكانتهم ومناصبهم، بعد أن يحتموا بآل بوعيدة.
إذا هاته القاعدة مفككة وغير طموحة، والاهم أنها غير واثقة من النصر على حزب الوردة رغم المجهود المبذول في السعي إلى الإطاحة بها.
لماذا لم يتحد خصوم بلفقيه؟
لم تتوحد كل الفصائل التي وقفت ضد حزب بلفقيه لأن مصالحها متنافرة وليست على قدر من التجانس، ولكل منظوره الخاص في خوض المعركة لذلك اتجه كل فصيل إلى حزب معين لخوض غمار الحرب المصلحية، ليخرج ممثل الملاك الصغار منتصرا مرفوع الرأس محققا مقاعد مهمة رغم كل تلك الدعاية المصاحبة للحملة والتي شارك بها كل خصومه بدون استثناء، حيث جعلوا عنوان حملتهم العريض " محاربة الفساد والمفسدين ". وهو ذات الشعار المرفوع في كل المغرب، ما يعكس أن ما يجري في كلميم هو فقط صورة مصغرة لما يجري من تقاسم للكعكة في كل البلاد طولا وعرضا.
بعد حصول حزب بلفقيه على الأغلبية لتشكيل المجلس البلدي لصالح أخيه ، نتيجة استقطابه لعضوين بلائحة حزب التجمع الوطني للأحرار خرج متعاطفون مع عائلة آل بوعيدة للدفاع عن الشرعية وضد الخيانة السياسية، مظاهرات تطمح إلى الضغط على الدولة للتدخل من اجل إعادة العضوين إلى جادة الصواب، لكن يظهر أن الدولة لن تتدخل في صراع يخدمها كليا ولا ينال من شرعيتها هي بالذات.
هذا الصراع المحموم الذي يدور في كلميم لن يجني منه الفقراء غير الخسائر وتشتيت الصفوف بالترويج لنعرات القبيلة المقيتة وكذلك بوقوفهم إلى جانب أغنياء المنطقة في معركة لا تعنيهم، معركة يرى فيها الطرف الخاسر أنه كان قاب قوسين من نهب المال العام.
ما يعني المزيد من تهميش الفقراء وسحقهم وتحميلهم تكاليف وأعباء الحياة اليومية في ظل أزمة ارتفاع البطالة وغلاء الأسعار وتفويت القطاعات الاجتماعية إلى الشركات الخاصة.
مصلحة الفقراء في كلميم هي في النضال من أجل العدالة الاجتماعية ومجانية الصحة والتعليم والتوزيع العادل للثروة ومصادرة أملاك العائلات الغنية الناهبة لخيرات الوطن، منهم عائلة إل بوعيدة وعائلة آل بلفقيه.
بقلم: عبد الله خريص /ينايري كلميم