"الملك المستحوذ " كتاب نشر في فرنسا في مارس 2012 عن "دار لوسوي" للصحفيين الفرنسيين كاترين كراسيي وإريك لوران ينبش في ركام صناعة السياسة والاقتصاد بالمغرب . ولأنه يقوم على قاعدة معطيات غنية حول طريقة استحواذ المؤسسة الملكية بالتدريج على الاقتصاد المغربي وكيف يستفيذ المحيطون بالملك من بقايا ولائمها باسلوب اقرب منه للمافيات المنظمة وابعد من سلوك نظام سياسي مسؤول امام شعبه ،
ولأن الكتاب منع من التداول بالمغرب في طبعته الفرنسية لحجب مايمكن ان يكون حجج وبراهين على تورط الماسكين بزمام السلطة في البلاد على القارئ المغربي ،
ولأن الحق في الوصول الى المعلومة مبدأ تقره كل المواثيق الدولية التي وقع المغرب علىها،
ولأن المعلومات الواردة في الكتاب لم ترد على مدى صحتها او خطأها اية جهة مغربية رسمية .
لكل هاته الاسباب إرتأينا في "ينايري .كوم " أن ننشر اهم ماورد في الكتاب عبر حلقات دون أن نغير كلمة واحدة من النص الاصلي حتى يكون القارئ على بينة من محتوياته ويتخذ الموقف المناسب الذي سيحاسبه التاريخ عاجلا ام آجلا .
مع الشكر لمجهود الصحفيين الجبار والمتميز ولجنود الخفاء الذين قاموا بترجمة الكتاب من اللغة الفرنسية الى العربية .

الحلقة الثالثة من حكاية نهب وطن
لدى اعتلائه العرش عام 1999 أطلِق على محمد السادس لقب "ملك الفقراء." بعد عشرسنوات اكتشف الناس أنه أصبح "ملك الصفقات المربحة". كما أن ما يثير الاستياء أكثر هو كونه يحب أن يُعتبر كرجل أعمال، والواقع أن احتكاره للسلطة المطلقة يسمح له بسحق كل ملامح المنافسة وبالتالي فإن مصطلح رجل الأعمال يصبح فارغا من كل معنى.
إن مقارنة سريعة مع ملكيات أخرى ولو ذات طابع دستوري تظهر بجلاء أننا أمام وضع تغيب عنه أخلاقيات الديمقراطية. هل نتصور ملكة إنكلترا أو ملك إسبانيا على رأس أكبر المؤسسات المالية والصناعية والزراعية والمؤسسات في بلدهم، تعمل في حالة احتكار لا تكاد تخطئها الأبصار؟
عرفت ثمانية وثلاثين عاماً من حكم الحسن الثاني محاولات انقلاب وأزمات مختلفة، ولكن الرجل كان كائنا سياسيا شرسا وله غريزة بقاء هائلة. في سنوات الستينيات والسبعينيات عندما كانت معظم البلدان المستقلة حديثا تختار النهج الاشتراكي، تشبث بذكاء باختيار اقتصاد السوق وقام في نفس الوقت بتنفيذ استراتيجية للاستحواذ على الريع .
إنطلاقا من اهتمامه بمصالحه، حرص الحسن الثاني دائماً على أن يحصل هو والأسرة المالكة كلها على إيرادات مالية كبيرة. ولكن حضوره الدائم في الحقل السياسي أبعده عن الشؤون الاقتصادية. أما خلًفه فإنه يظل لغزا سياسيا حقيقيا: إنه غيرموجود على الساحة الدولية وغائب كثيرا عن الساحة الداخلية، لم يوافق أبدا على إجراء مقابلات مع صحافي مغربي ولم يعقد أبدا ندوة صحفية. الخلاصة أنه يبدو قليل الاهتمام بالسياسة وببلده أيضا. على النقيض من ذلك فهو شديد الحضور فيما يتعلق بأنشطته التجارية الخاصة بل يبدو وكأنه ينظر إلى المغرب كسوق خُلقت أولا وأخيرا لكي تمتثل لإرادته.
إن طعم الصفقات والمشاريع المربحة هي الحديقة السرية للملك، سرٌّ دأب على حراسته مستشاروه وأصفياؤه منذ مدة طويلة، ولكن الحديقة لا حدود لها إلا حدود المملكة . هذا الافتراس المنغلق على ذاته ينم عن نوع غريب من العمى بينما يتحرك التاريخ في العالم العربي. لقد كان استنكارالفساد ورفضه في صلب الشعارات التي رفعتها الشعوب التي أطاحت بالأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر وليبيا. في المغرب تندد المظاهرات التي تجري في هذه المرحلة بالرجُليْن المقربيْن أكثر من الملك لكونهما من يضع وينفذ استراتيجية الهيمنة على الاقتصاد والسياسة في المملكة. وبما أن المناخ العام بالمغرب تحكمه الرموز والإشارات فإن هذا التنديد يستهدف في الحقيقة شخص الملك لأن مهاجمته بصفة صريحة يعتبر انتهاكا غير مألوف. ومن هنا ندرك لماذا اشتد غيظ المقربين للملك عندما نشرت مجلة فوربس في عام 2009 مبلغا مفترضا لثروته .
يوم فاتح غشت 2009 أقدم وزير الداخلية بأمر من القصرعلى مصادرة وتدمير آخرعدد من المجلة المستقلة تيل كيل TelQuel ونسختها العربية نيشان، والسبب هو نشر استطلاع للرأي على المستوى الوطني لمعرفة رأي المغاربة في الملك. إنها رقابة بغيضة وسخيفة خاصة أن الشعب عبَّر عن تقييم إيجابي للجالس على العرش منذ عقد من الزمن. حاول الناطق الرسمي باسم الحكومة استعمال صيغة حاسمة: "الملكية لا تخضع لأية معادلة." ربما تزعجها المعادلة ولكن المؤكد أن الأرقام تتحدث عن نفسها وتفصح من مدلولها، ومن هنا نفهم قلق المكلفين بتنفيذ أوامرها. المبدأ الأساسي الذي أفرزه النظام في المغرب هو كالتالي: كل من له جزء من السلطة هو متملق يسعى بكل ما أوتي من قوة أن يدافع عن الملك لكي يحمي نفسه أفضل. عندما نشرت جريدة Le Monde نتائج الاستطلاع تم حظرها في المغرب يومين بعد ذلك. ثم خضعت لنفس الحظر بتاريخ 22 أكتوبر 2009 لأنها نشرت على صفحتها الأولى رسما كاريكاتوريا للرسام المشهور بلانتو Plantu يظهر فيه شخص يرتدي تاجا وأنفه يشبه أنف المهرج وأمامه هذه العبارة: "في المغرب تجري محاكمة الرسام الكاريكاتوري خالد كدار لأنه تجرأ على رسم الأسرة الملكية المغربية ".
الآن أصبح الرأي العام يُسمِع صوته في البلدان العربية وهو تغيرغير مسبوق يعرقل استراتيجية وأهداف رؤساء تلك الدول، إلا في المغرب حيث لا زال الملك وأعوانه منهمكين في الافتراس دون خشية.
تتبع حكاية نهب وطن...