في المغرب كلما حلت مواعيد الامتحانات يطفو على سطح السجالات الصحفية والتصريحات الحكومية والدردشات العائلية نقاش موضوع الغش المنتشر بشكل خطير وسط التلاميذ والطلبة . الكل يجمع على انها ظاهرة تعرف اتساعا سريعا وتنوعا في اساليبها خاصة مع التطور الهائل لتقنيات التواصل الحديثة . والكل اجمع على ضرورة محاربتها بلاهوادة واجتثاثها من جذورها . وفي هذا السياق اعلنت وزارة التربية والتكوين الحرب على الغشاشين وصلت لمستوى اخراج تلاميذ متهمين من اقسامهم والزج بهم مباشرة في السجون في انتظار محاكمتهم . لكن ماذا بعد هذا الهجوم الاعلامي والجنائي على الغش وبعض الغشاشين التلاميذ وقد نسميه "مينيغش "؟ تجربة السنين الماضية بينت أن حملة مطاردة الساحرات والسحرة التلاميذ تبدأ قبل امتحانات نهاية السنة الدراسية وتنتهي باجتياز آخر المواد وموعدنا العام القادم . الامر اذن لايعدو ان يكون حملة علاقات عامة وابدا لم يأخذ طابع سياسة عامة مدروسة لمحاربة ظاهرة اجتماعية من جذورها .هل يكفي إسقاط اغصان شجرة خبيثة للتخلص من ثمارها السامة ؟ الشجرة ستنتج مزيدا من الثمار في السنين القادمة مادامت لم تجتث من جذورها بشكل كامل . السلوك السياسي الموسمي الذي يطبع ردود فعل المسؤولين المغاربة على اعلى مستوى هرم السلطة في التعامل مع ظواهر على شاكلة الغش المدرسي تستدعي طرح سؤال ساذج لكنه جوهري ، هل الحكومة المغربية جادة في محاربة الغش كبنية اجتماعية شاملة أم أن خرجات وزراءها مجرد رقصات بهلوانية لإلهاء صغار العقول كلما اجتمع الكبار وراء الكواليس لتمرير سياساتهم التي لاتهدف الا لإبقاء جوهر الوضع قائما مع تغيير القشور وصباغة الحواشي ؟
قبل ثلاثة أشهر من تكليف حزب العدالة والتنمية المبعوث بامر الملك والله بتشكيل حكومة 2011 كان هذا الاخير قد وعد ناخبيه في حملته الانتخابية برفع نسبة النمو لمستوى 7 في المائة وبالتالي احداث 300 الف منصب شغل جديد ثم محاربة الفساد بكل اشكاله مهما كانت مناصب أصحابه . عشرات الوعود اختفت فجأة من أرشيفات الحزب على موقعه الالكتروني قبل ان تختفي على ارض الواقع . سنة مرت على رئاستهم لحكومة الملك وارقام ماقبل التعيين اصابها الكساح الشديد فتحول رقم 7 ل 2.5 او 3 في احسن الاحوال وتم اختطاف 0 الاخير من 300 لتصبح 30 الف منصب . اما المفسدون افرادا ومؤسسات فحولهم سحر الاخوة بفضل الله لأشباح تجثم على انفاس الشعب دون ان تكون له القدرة على ملاحقتهم وعفا الله عنهم وعن كل من نهبوا المغرب في خيراته وتاريخه وثقافته . هل من مسمى آخر لهذا السلوك غير الغش الحكومي مع سبق الاصرار والترصد للحكومة بكل مكوناتها ؟ الوعد مسؤولية والتزام ، ومتى نقضا يصبح نعت الغش متجاوزا ليصبح جريمة وطنية مكتملة العناصر . وطلوعا لأعلى هرم السلطة في المغرب الذي لايتغير بتغير الحكومات، حتى تكتمل خريطة "الميغاغش" سنجد أن المؤسسة الملكية بماهي مؤسسة خارجة عن اية محاسبة يتعشش فيها هذا الوباء المجتمعي المدمر منذ عقود وظلت مشتلا لتفريخ عتاة الغشاشة من كل نوع ولون . فمثلا رغم الميزانية الفلكية التي تحصل عليها من دافعي الضرائب المغاربة كل سنة فلم يسبق لها أن نشرت وثيقة واحدة تبين حجم الضرائب التي تؤديها لخزينة الدولة مع أنها تمتلك أخطبوطا اقتصاديا رهن اقتصاد بلد لأهواءه . نفس الاخطبوط يحصل على أراضي شاسعة بأثمان رمزية لانجاز مشاريعه بعيدا عن قوانين الصفقات ومبادئ المنافسة .وضع يشترك فيه معظم المحيطين بالبلاط الملكي من مستشارين وموظفين كبار وعسكريين واسر متنفذة .
الميغاغش طال كل المؤسسات العمومية والخاصة ولايمر يوم دون ان تكشف الصحف المنفلتة من رقابة المخزن عن فضيحة من العيار الثقيل يتفرج عليها القضاء حتى تمر بسلام ،هذا إذا لم يبادر لمتابعة من تجرؤوا على كشف خباياها عوضا عن المجرمين المباشرين والامثلة كثيرة عصية على الحصر. قطاع التعليم التهم اكثر من 3000 مليار سنتيم في عشر سنوات بين برنامج عشرية التعليم والبرنامج الاستعجالي فبرنامج انقاذ البرنامج الاستعجالي . لكن النتيجة صفا من الاصفار فوق صف من الاصفار . فماسم هذا الاجرام المنظم واين من نفذوه بكل احترافية وبرودة اعصاب ؟
لكن سيصبح الحديث عبثا عن غش وفساد اشخاص ومؤسسات حين نعلم أن الوثيقة الدستورية ،التي يفترض أن تكون أعلى مرجع قانوني تسري بنوده على الجميع دون استثناء ولاسلطة فوقه، قد طالها غش من العيار الثقيل ليلة التصويت عليه في 31ماي 2011. فقد عمد القصر الملكي حينها الى تغيير فقرات لم ترقه الصيغة التي وردت في المسودة التي ستعرض على الشعب المغربي صبيحة اليوم الموالي للإستفتاء . نقل , تزوير , غش , خيانة الامانة ، تضليل ، استخفاف بالمؤسسات ، نصب ، اهانة الشعب قبل ان يؤدي مهامه وغيرها من التهم التي تتناسب والجرم المقترف . ومع ذلك مرر الدستور كأن لاشئ وقع .
ويريدون الان الحديث عن الغش في امتحانات الباكالوريا . يزبدون ويرعدون . يتوعدون ويهددون ، عازمون على اجتثاث الغش الصغير وهم يزرعون الغش الكبير ويأكلون من خيره لوحدهم كل دقيقة وثانية .
تنظيف الهرم او اي ناطحة سحاب يبدأ من الاعلى فنزولا ...
فلا تستهبلوا عقولنا ياسادة الميغاغش إن ابقت جرائمكم شيئا من رجاحتها واتزانها وتوازنها ؟

ناصر موحا