في نقاش فكري سياسي '' مناظرون عند أكلدون '' قال لي أحد الإسلاميين منتمي لحركة لتوحيد والإصلاح وبحزب العدالة والتنمية '' : '' أن المناضلون الأمازيغ موالون لفرنسا '' فيما أسماه بعض التنضيمات ذاخل الحركة الأمازيغية '' إندهشت كثيراً من هذا المعطى الخطير، وفعلاً هذا الخطر يستحق منا أن نرفع الصمت عنه ونناضل على مثل هؤولاء المواطنون الذين لا نعلم من قال لهم هذه المصيبة ويستحقون تضامنا شعبيا واسعاً وبالشموع وقراءة اللطيف بصيغته الصحيحة في الشوارع والأسواق والمنازل والمساجد والزوايا...، وبرفع دعوة قضائية ضد وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم '' العالي '' حول قضية تدليس وتزييف تاريخ المغرب ''.
ويمكن أن ننطلق في البداية أننا أمام معطى '' المغاربة ضحية تاريخ بالتاريخ '' وقد نحصرها كونهم تعرضوا لأكبر وأبشع عملية تدجين وإستغلال في التاريخ بفعل تأثير تدليس وتزوير مقصود لتاريخهم بخلفيات سياسية وإيديولوجية مسبقة '' وهذا ما يدفعنا أن نقول أن صاحب الكلام الخطير هو فقط '' المواطن الضحية '' ، لكن ما يهمنا هنا هو الكلام الذي نعتبره خطيراً وخطورته تكمن أنه لو أردفه أحدكم اليوم للجنود الفرنسيين القدامى جيل الإستعمار لرجموكم بالحجارة من هول ما يسمعونه .
ونعتقد أنه لا بد أن نقف عن حيثيات هذا الكلام الذي ليس جديداً بالنسبة لمن درس بالمدارس المغربية بمناهجها وبرامجها المريضة خصوصا فيما يتعلق بتلقين التاريخ الأيديولوجي ، وفي هذه القضية نعتبر أن الإسلاميين واليساريين القوميين المغاربة لا تهمهم مثل هذه القضايا من حيث في مقامها الأول لا تخذم طرحهم القومي وتوافقوا عليه أما في مقامها الثاني فأصْلاً رموزهم وروادهم الآباء الرّوحيين هم من أسسوا له إبتداءًا من 1930م أو قبل ذالك بكثير يكفي أن نذكر اللبناني القومي '' شكيب أرسلان '' وهو من الإسلاميين البارزين المؤسسين للقومية العربية إبتداءًا من 1914م ،أول من دعى إلى إنشاء جامعة الدول العربية منذ 1912م وأول من إستعمل مصطلح (تهمة) '' الطائفة البربرية '' 1930م بالقاهرة ودعى إلى محاربتها ، ويعتبره الإسلاميون أنذاك مثلهم الأعلى كعلال الفاسي والوزاني وكتلة أخرى درست بفرنسا وبالمشرق ''، إسئلوا فقط في قضية كيف إستقبلته الحركة الوطنية السياسية بالمغرب بالتكبير وزغاريد النخبة الموريسكية (آل الفاسي وعائلات أخرى ) كمليكة الفاسي التى طلعت علينا مقاوِمة ومناضلة بمجرد أن منحت منزلها كي يعقد إجتماء الوطنيون السياسيون للتوقيع على مصيبة '' مطالب الشعب المغربي '' 1934م وجاء في ذباجته '' نطالب الحكومة الفرنسية أن تلتزم وتحترم بنود معاهدة الحماية '' ومعناه الإلتزام في محاربة حركة المقاومة المسلحة فحسبْ '' ، وهي صفقة كبرى تنحصر في حماية النظام المخزني الهش من تمردات القبائل وهي مصحوبة بفتوى شهيرة للعلماء الإسلاميين جامعة القرويين '' بفاس '' حينما أراد السلطان المولى عبد الحفيظ مَشورتهم حول الحماية الفرنسية فقالوا ”يجوز في الشريعة الإسلامية محاربة الفجَّار (البربر) بالكُفّار (النصارى)، وهي فتوى تم تحْنِيطُهَا وتُعد من المسكوت عنه في تاريخ المغرب السياسي إلى يومنا هذا وهي أكبر عملية إستغلال فاحش للدين في تاريخ المغرب ضد تمرد القبايل ( البربر).، ويمكن للباحثين والنقاد أن يسألوا في أصول و حيثيات قضية الصراع الشهير بين علماء سوس الحوز وعلماء فاس، وهذا ما يفسر حكم المولى عبد الحفيظ لعامين فقط بعد التوقيع على هذه المصيبة وبتزكية وصك ديني وحولوا فيها آية المغضوب عليهم ولا الضالين على الأمازيغ،'' الفتوى '' إسئلوا فقط في قضية '': جواز قتل الثلث أو الثلثين في الثرات الديني الإسلامي '' وهو ما فجر ثورة وتمرد القبايل ويكفي للإخوان أن يسألوا في معطى حصارها لـ '' فاس '' الذي دفع الجنرال اليوطي أن يعلن السلطان ''المولى يوسف ''وريثا للعرش والرباط العاصمة السياسية الجديدة 1912م /1914م وقال فيها ليوطي خطابا شهيرا وندعوا فيه الإسلاميين إلى التأمل فيه والنبش في ماضيه :“ إنَّ المراتب القديمة سيتمُّ احترامها، وأنَّ من كانُوا الآمرِين سيبقون فِي كبير منزلتهم، كمَا سيبقَى المأمورُون مدعوِين إلى الامتثَال والطاعة”، وقد نالو فيها توشيحات وأوْسِمة وهدَايَا ، كالإسلامي '' عبد السلام لحلو '' الذي وشحه اليوطي بوسام الشرف الممتاز وكتلة أخرى من الموشحين ، وهذه الإمتيازات هي من جعلت العلم الفرنسي يرفرف فوق منزل إسلامي آخر خرّيج القرويين ”القـــاضي” والفقيه عبدالله الفاسي إلى غــاية 1937م، وكـان يحاكم المغاربة بالقانون الفرنسي منذ 1914م ، لذالك من فظلكم أيها الإسلاميون لا تمنّوا علينا كونكم ضد الفرنكفونية وفي هذا الصدد طلع علينا '' علال الفاسي '' وهو أشهر الإسلاميين الداعمين للمشروع الفرنسي الفرنكفوني بالمغرب قائلاً في أحد كتاباته '': لقد بلغ إتساع إنتشار اللغة الفرنسية درجة لا يتخيلها العقل وعكس ذالك نحن الوطنيين نعتبر أن اللغة الفرنسية والأدب الفرنسي هي وسيلة التواصل بيننا وإخواننا الفرنسيين '' ، ياسادة لقد أصبح الفرنسيون إخوانا وأصدقاء الإسلاميين فيما الأمازيغ أعداءًا ، وحسرتاه على ماضيكم السياسي الأسود أيها الإخوان الإسلاميون ، فحركتكم '' اللطيف '' لم تظهر إلاّ بعد 1930م ومتزعموها أغلبهم حاملين لجسنيات فرنسية وإسبانية ...ونسألكم هنا لماذا لم تعترض هذه النخبة على المشروع الفرنسي السياسي بالمغرب ابتداءًا من 1912م ؟ ونعتقد أن هذا ما دفع بالكولونيالي الفرنسي '' روجي تورنو '' 1907م وَ1971م أن يصفهم بـ '' أصدقاء فرنسا المخلصين '' ، فكذبتكم '' الجهاد '' الذي تملؤون به المغرب ضجيجًا ونباحاً اليوم كان عليكم أن تستخذموه وبصيغته الصحيحة ضد الفرنسيين الفرنكفونيين '' النصارى'' .
ولا بد أن نؤكد أن معطى الفرنكفونية الذي يردده الإسلاميون بضجيج سياسي على مسامعنا يرتبط بما يتناولونه من المعطيات المغلوطة والمفرقة في القياس في كتب و ومؤلفات أجدادهم خريجي '' القرويين '' ويعدون من مؤسسي حركة التوحيد والإصلاح وتنظيمات إسلامية أخرى كـ: أحمد الريسوني والوزير عبد الكبير العلوي المدغري والفقيه عبد الباري الزمزمي... ، ونعتقد أن من أشهر المؤلفات التي يبنون عليها كتاباتهم هو لأحد أصدقائهم الأيديولوجيين الأوفياء '' أصدقاء الدراسة / القرويين ''، كمصطفى بن حمزة صاحب مؤلف '' معطيات حول ظاهرة التنصير '' ، وهي من منشورات المجلس العلمي – وجدة 2002م، وحـاول فيه أن يكذب على المغاربة بمعطى أن المشروع الفرنسي بالمغرب كان يسعى إلى تنصير البربر فيما يسمونه " السياسة البربرية "،فهنالك معطى عليه إجماع يردده الإسلاميين القدامى في كتاباتهم '' آلاف العساكر الجنود الفرنسيين حاملين الصلبان يغزون مناطق البربر ...''. فبا لله عليكم فهل العسكر والدبّابات والمدرعات والطائرات الفرنسية كانت تقدف الصُّلبان '' الصَّليب '' على البربر ؟ ألم يكن الأمر يتعلق بالأسلحة الكيماوية والممنوعة دوليا ؟، ونعتقد أن العشرات الملايين من الصواريخ لا زالت اليوم بهذه الجبال كشاهدة كآية بيَّنة بمعاقل المقاومة كالريف ، وبجبال الأطلس ، وبادو ، وبوكافر ، وأدرار وأخرى ...، ويكفي أن نضحض هذا الإفتراء بخطاب أبوهم الروحي علال الفاسي أمام حزبه قائلا 1943م: “ أيها الإخوان إن جلاء جيوش فرنسا وشيك، مشكلنا مع البربر فكيف إجلائهم” وهو ما دفعه أن يقول في كلمته للفرنسيين أثناء زيارته لفرنسا في 05 ماي 1947م : '' إن الفرنسيين أصدقائنا وإن الشعب المغربي الذي أخلص لفرنسا في أخطر أوقاته ، لن يغير موقفه منها في المستقبل وأنه يريد أن تكون فرنسا حيلفته الدائمة '' ، وهنا نود أن نسأل الإخوان الإسلاميون بالمغرب ماذا يقصد زعيمكم هذا بالشعب الذي أخلص لفرنسا في أخطر أوقاته ؟ ونحن سنجيبكم وإن لم تخجلوا : إنهم فقط الذين سماهم '' اليوطي '' في خطابه الشهير الذي أشرنا إليه أعلاه بــ : '' كَبِرِي المَنْزِلَة '' ، فأيها الديموقراطيون قولوا لنا الآن من هو الموالي من المحارب لفرنسا ؟ ، أليس هذا ما دفع بالكلونيالي”روني أولوج” '' البرابر أبناء الظل الأواخر أن يقول '' بعد إستشهاد موحا أوحمو الزياني 1921م : '' إن الوطنيين لم يُعِيرُوا أي إهْتمَام لإخوانهم البرابر الذين يقاتلوننا في عدة جبهات، فهم في نظرهم أناس أمّيون خشنون”. وعن هؤولاء ترك أحد الأمازيغ من قبائل أيت حْدِدُّو قولته المأثورة : '' : يَاوْنْ تْزْلم أَرُومْيْ ، إوا هَاتْ قَوْنْدِدُّو دّاوْ أُرُوميْ '' .
ويمكن أن نشير أن قول اليوم بأن الأحفاد الأمازيغ الذين سلكوا درب أجدادهم في المقاومة ، أنهم '' موالون لفرنسا أو شيء من هذا القبيل '' نعتقد كونه يرتبط بقضية الحقد الدّفين الذي تُكنُّه التنظيمات القومية الإسلامية للأمازيغ وبشهادة التاريخ ، وله أصول بالثرات السياسي القديم " لحركة اللطيف 1930م " بالمغرب، الحافل بأراجيف وأكاذيب وخرافات والمصيبة أنها لا زالت تُدرّس في تاريخ الرسمي بالمدارس والثانويات بل حتى الجامعات ، ونعتقد أنه اليوم سيصبح من مطالبنا أن ترفع الدولة الصمت عن أسرار '' الأرشيف المخزني الفرنسي القديم '' (وثائق ،معاهدات ،رسائل دبلوماسية ...) وتفتحه في وجه الباحثين والنقاد والمثقفين كي لا تكون ذاكرة المغاربة خارج التاريخ .