كنت الأستاذة المتدربة الوحيدة في الثانوية. في مؤسسة في قلب طنجة ظروف العمل فيها شبه مثالية (مقارنة بالكثير من المؤسسات). مؤسسة حيث هناك نظام صارم ، إدارة ضابطة مسائلها و تلاميذ مُريحين وكل ما أحتاجه أجده. مجموعة الإدارة كلهم ناس خليقين بالاحترام ، ذوو ضمير و ضابطين شغلهم ، بالتالي الأستاذ مرتاح جدا. كنت فائض ، لكنهم احتفظوا بي مع ذلك وكان عندي فقط 12 ساعة عمل. كما أن منزلي أمام المؤسسة مباشرة و كنطلل عليها من الشرجم ، يعني كنهبط من داري قبل دقيقتين من بداية الحصة بلا مواصلات بلا والو.

كانت ظروف مثالية و كان ممكن تغريني أنني نكون حريصة أشد الحرص على أنني نحافظ عليها.في أول مقاطعة جزئية درناها أيام التداريب ، جا عندي المفتش. كنت دخلت التلاميذ للقسم و قلتلهم أنني مقاطعة و أننا ما أنقراوش هاد الحصة و أنعوضوها في وقت لاحق. ملي وصل المفتش للقاعة هو والحارس العام ، وقفته ف الباب و أغلقت القاعة ، وقلتله "سمحلي يا أستاذ ، أنا مقاطعة و ما أنقدرش نستقبلك هاد الحصة. إذا كان ممكن تجي لعندي غدا إن شاء الله أنكون خدامة." تعصب المفتش أول الأمر وقال لي "أنا أنكتب تقرير أنني جيت لعندك ونتي مابغيتيش تخدمي". انتظرت أن يكمل كلامه ، لأطلب منه أن ينصت إلي إذا أمكنه و نتحدث بدون انفعال. شرحتلو أسباب المقاطعة ، وانتهى الحوار و المفتش مبتسم ، و أكملنا حديثنا في الادارة ملي دخلت للمكتب ولقيتو باقي مع المدير والناظر. شرحتلهم جميعا الوضع ، و عاد إلي المفتش في اليوم التالي و داز كولشي مزيان.

توالت المقاطعات ، و كان المدير كل مرة يزداد انزعاجا من الأمر ، خصوصا أنه لا يحتاجني و لديه اكتفاء في الاساتذة اللي عددهم متناسب تماما مع عدد الأقسام. و قد حدث مرة بعد أن علم أنني مستمرة في المقاطعة ، أن دخل إلى المكتب الذي كنت فيه وحيدة ، وجعل يصرخ بانفعال كبير ، و يقول أشياء من قبيل "أنا ماكيعجبنيش هادشي ديال 8 د الناس صايكينكم بحال القطيع ..." ظللت أمامه مصعوقة و مررت بعدها على مكتبه بعد أن هدأ ، شرحت له مرة أخرى و وضحت موقفي (الذي لم يكن مقتنعا به مطلقا) و تمسكت به.في الحقيقة كانت هناك لحظات لم أكن مقتنعة فيها مطلقا بخيار المقاطعة ، لكني التزمت به.اليوم ، أنا في مؤسسة أخرى بتكليف. ظروف العمل فيها أيضا جيدة جداً و تبعد بعشر دقائق فقط عن منزلي. بها 7 أساتذة متدربين (أو 9). و قد علمت أن عددا منهم لم يقاطعوا ، بل و سلموا النقط إثر ظهور النتائج. المدير رجل خلوق جدا و طيب و لبق، ويصعب كثيراً الانسان يقصح وجهو معاه. لكنني فعلت. و أخبرته بعد كل محاولاته لإقناعي بإجراء الامتحانات و تسليم النقط ، أنني لن أفعل حتى تنتهي المقاطعة.ما أريد هنا أن أخلص إليه ، هو أنّ لا ظروف العمل المريحة يجب أن تحولنا إلى انتهازيين ، ولا للضغوط أن نسمح لها بإخضاعنا ..

 و إنني أظن أنه يستحيل على من عاش هذا النضال بكل تفاصيله بين أساتذة وصاروا بمقام عائلته ، يستحيل الآن يكون عنده خيار من غير الالتزام بالوحدة حتى النهاية. يستحيل يحس بطعم النجاح و أستاذ واحد مُرسّب.. إنه الشعور بالانتماء الذي يملؤني بكل ذاك اليقين كل مرة .. حتى في تلك اللحظات التي لم أكن موافقة فيها على بعض الخطوات .. لم أتردد مرة في الالتزام بها .. و حتى في تلك اللحظات التي وقفت فيها وحيدة بمواجهة المدراء و المفتش و وجوه التلاميذ البريئة .. لم يحدث مرة أن خطر لي التراجع ..

 كان ذاك الصدى المجيد الذي ما زال يملؤ أذني .. و كل تلك الصور التي شاهدتها عبر عدسة كاميرتي .. يملآنني باليقين .. أرى نفسي محظوظة جدا لأنني ولجت الميدان ضمن هذا الفوج .. و خبرت معنى النضال في أبهى حلله إثر حراكنا الراقي الاستثنائي .. كل هذا سيفقد كل معنى له إذا ظل واحد منا فقط خارج أسراب الوالجين للاقسام رافعين هاماتهم عاليا. أرجوكم .. لنظل قابضين على أكفّ بعضنا حتى النهاية ..أنا لن أوقع محضر الالتحاق إلاّ حين تقرّر ذلك التنسيقية باسمنا جميعاً.إنّي ممتنة للقدر لأنه جمعني بأبطال و بطلات يتجلى فيهم النبل .. شكرا لكم.#نحن_جسد_واحد