حملت الطفلة علبة البسكوي المغرية ألوانها وهي تتفحصها وما ان وقع بصرها على مكان الصنع /المغرب حتى وضعتها وهي تقول بفرنسية مفبركة لابد انها رديئة انها مصنوعة في المغرب ،لم تعقب الأم وتابعتا جولتهما في المركز التجاري بحثا عن البضائع ذات الماركة المسجلة ..

قد يبدو سلوكا بسيطا وقد يختزله البعض في انعدام الحس الوطني او في رداءة البضائع المحلية الصنع بالفعل وعدم قدرتها على المنافسة او حتى في التربية "المفرنسة" لكن الأمر أكبر وأعمق بكثير ،إنه سلوك مرتبط بنسق عام ينبئ بالسقوط المهول ،لقد تحولنا الى مجرد مستهلكين /عبيد للبضائع الخارجية ،سوق لالتهام المزيد من الواردات التي تنهال علينا من الشرق والغرب ،من الصين واوروبا و..تركيا ....
والأخطر من هذا وفي المقابل هل ندرك أن أرضنا أصبحت مرتعا للمصانع الكبرى التابعة للشركات العابرة للقارات وان عمالنا مجرد يد عاملة رخيصة بأجور زهيدة في حظائرهم الواسعة ..وكل هذا يتم تحت يافطة الخطاب البراق ،تشجيع الاستثمار /تشجيع الصادرات ..
لننتبه ،بلادنا بلد فلاحي ومن المفروض أن نحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء ،غذاءنا الأساسي الذي هو الحبوب ،لكن التوجه نحو زراعة الخضر والفواكه الموجهة للتصدير أساسا يتم بنفس الشعار ،بل ان مناطق تستنزف مصادرها المائية الضعيفة أصلا كسهول سوس في زراعة البرتقال مثلا و الذي يحتاج لمياه مفرطة دون اي رؤية للمستقبل ،كما قد تستنزف ثرواتنا السمكية وبحارنا في اطار الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي ودائما هو نفس الشعار ،تشجيع الصادرات ...
اليوم وبنفس الكلمات البراقة ،تشجيع الاستثمار ،وتشجيع الصادرات سيتم تحرير الدرهم ،ويكفي ان نعرف ان هذا الاجراء من توصيات صندوق النقد الدولي حتى نحترس ألف مرة وحتى نقلق مليون مرة ،يكفي ان نعلم ان الدرهم سيخضع لمنطق العرض والطلب في ظل اقتصاد هش لنعرف ان قيمته ستنخفض وبالتأكيد هذا سيشجع الصادرات لانها ستصبح ارخص وبالتأكيد سيشجع الاستثمار لأن التكاليف ستصبح أقل واولها اجور العمال ،لكن في المقابل من الواضح أن الواردات ستصبح أغلى وان المتضرر الاول سيكون هو المستهلك هو من يدفع في النهاية ،هو منطق بسيط لا يحتاج لمعرفة عميقة بعلوم الاقتصاد ،اغلب السلع ستتضاعف قيمتها ،الاقتصاد الوطني سيصبح مرتبطا أكثر بالصدمات الخارجية ،المدخرات ستنقص قيمتها فان كان لديك الف درهم اليوم فمع خفض قيمة الدرهم لن تبقى لها القيمة نفسها ..ويكفي ان نحول بصرنا قليلا الى ما حدث ويحدث في مصر بعد تعويم الجنيه لنصاب بالرعب ..
بحساب بسيط يمكن ان ندرك ان الشعار البراق انما يصب في مصلحة العصابات الدولية التي تحكم العالم ،بحساب بسيط يا طفلتي الصغيرة ستعرفين اننا نستورد منهم الرداءة في حين يأخذون خيراتنا و ينهبون ماءنا وخصوبة تربتنا وسمك بحارنا وعرق عمالنا وكل هذا كان يتم بدرهم ثابت اما اليوم فسيتم بدرهم محرر زهيد بأبخس الأثمان ...