اسمح لي مهابة القداسة، واعذر لي جهلي، وما يتطلبه المقام في مخاطبة المقامات العالية بالله، أن أتجرأ عليكم، وعلى قداستكم المحنطة بالملح والجير، وعلى أصنامكم المرممة بالأحلام والآمال، وعلى عقيدتكم المعممة بالإكراه والإخضاع..مهابة القداسة، وجلالة المهابة، اسمحوا لي فقط هذه المرة أن أتطاول على صولجانكم المرصع بالآهات والأنين، وعلى عرشكم المنغرز في ثنايا المقابر، الجماعية والفردية، وعلى تاجكم المنمق بالكذب والكفر البواح.. هل تعلم صاحب المهابة، أن جميع تماثيلكم تتماثل معكم في ذات الصفات، وذات الأفعال.. صماء.. عمياء.. لا تسمع.. لا ترى.. لا تتكلم ولا هم يحزنون.. هل تعلم أننا ما صرنا نعبدها.. وما صرنا لها مؤمنين.. وإن أذّنت فينا ولنا.. وحيّت لنا على الفلاح.. وصلّت بِنَا "تَبَّتْ يَدَا" جلالتكم على خيراتنا وثرواتنا..هل تعلم مهابة القداسة، أنكم قد أسقطتم كل المآذن، وكل الصوامع، وإن تآخت بالحب والرياء.. وإن تعانقت أطراف السماء بالبذخ والإسفاف.. مهابتكم هجرناها طوعًا قبل كرهًا، وتركناها لجنابكم يخطب فيها البوم، وينعق فيها الغراب، ويحرسها التوفيق بترانيم هيلولا.. مهابة القداسة، عهْدُنا بكم لصوصا تشرّبت من منابعه، وحرابا تسكّنت صحاريه، وسيوفا مسلولة تلوّحت لياليه، وغارات تفجّرت مخازن مُلِّأت حَبا ودمعا، قمحا وشهقا.. لكنك صاحب المهابة، لم تعلم أننا أبناء الفتان الأكبر، أراضينا لا يدخلها غِرابا، ولا يمر بها جبانا، أرضنا نبّاتة رجالا عنادا، وأحرارا أشرافا..صاحب المهابة، يدكم للخيانة مدّت، وللغدر صافحت، وللإبادة هلّلت، وللزنازن بنت، وللتعذيب نهجت، وللإغتيال حذت، وللحصار ضربت، وللتهجير سرَّعت، وللحكرة والطحن أبدعت.. وأنتم صاحب المهابة، صدقتم، ورفعتم أنخابكم، وانتشيتم بتوقيع شهادة وفاتنا، وغنيتم في جنازاتنا، وأطلقتم آخر رصاصة توديعنا، ونسيتم.. نسيتم.. أننا فينق ينبعث من تحت الرماد..مهابة القداسة، ما عدنا نسعى لحوار الطرشان، وما عاد للصمت الإفتراضي حراس، وما عاد لك أن تعترض على حروفنا، وما عاد لك أن تخنق صوتنا، وما عاد وهمكم يباع، وما عاد له مشترين.. وما عادت ثوابتكم تعنينا، ولا تلزمنا، وما عادت قفة رحمتكم تغوي عبيدكم.. فنحن تاريخ من الغضب والعصيان، والقطيعة والحرمان.. مهابة الجلالة، مهما زرعتم تحت جلدنا من أوشام الذلة والمسكنة، والخضوع والخنوع.. فإنكم تزرعون الريح.. وإننا لحريصون على أن تحصدوا العاصفة.. عاصفة الحراك تقدس جلاله..