في غضون أربعة مليار سنة ستنطفئ الشمس و لن يعود بإمكان الحياة أن تستمر فوق الكوكب لغياب المنتج و المحرك و الضامن الأول للحياة: الحرارة.. هذه بداهة الأن في الفيزياء الكونية.. لكن بإمكاننا أن نغير جذريا من هذا التاريخ و نسرع من مسار اختفاء الحياة من فوق الأرض.. يكفي فقط أن نستمر في نفس نمطنا الحالي في العيش. و بالفعل، و إذا ما استمرينا في العيش على نفس إيقاع الإنتاج/الاستهلاك المخرب للكوكب فلن يكون بإمكان الغابات أن تنتج الأوكسيجين الذي به نحيا، و لا المحيطات بأن تقوم بعمل التهوية الأساسية للأرض، و لا الأراضي بأن تفرز المواد العضوية الضرورية لغذائنا.. في الواقع، لم يعد الكوكب يتحمل أن نستهلك كما نشاء، و نستحم كما نشاء، و نسافر كما نشاء، و نشتري السيارات التي نريد،.. في تقرير هام نشر منذ مدة، عبر علماء أمريكيون و كنديون عن قلقهم الشديد فيما يخص مستقبل العلاقات بين البشر و الأرض عندما لاحظوا أننا بدأنا منذ أربع أو خمس سنوات في استهلاك حصتنا من الماء و الغذاء من حصة السنة بل السنوات الموالية و أن هناك "ديونا بيئية" خطيرة بدأنا نراكمها لأول مرة على مر تاريخنا.. وكما تقول البيئية كولين سيرو في ما يشبه التحذير الأخير، "البشرية نوع حديث جدا، و نسقها في التأقلم لم يكتمل بعد، و نحن ضحايا أمراض طفولية تمس المناعة الذاتية، و نتطور بتدمير أنفسنا بأنفسنا. من الممكن أن نفنى. و هذا الأمر لا يشكل فرقا كبيرا بالنسبة للكوكب، ماعدا أن الأنواع الأخرى، التي تخضع كل يوم أكثر لثقل غطرستنا، ستستريح ربما."..

أستحضر هنا الفلم الأميركي الشهير "شمس خضراء" Soleil vert  الذي فاز بالسعفة الذهبية لمهرجان "كان" سنة 75 ان لم تخني الذاكرة.. اعتبرت لجنة التحكيم أن الفلم توفق كثيرا و هو يطرح قضية خطيرة جدا هي قضية اللاتوازن بين الانفجار الديموغرافي/النمط الاستراتيجي للعيش و موارد الكوكب.. تجري القصة سنة 2022.. بعد تعاظم النمو الديموغرافي و ما أنتجه من تفقير شامل للموارد، أصبح الناس غير القادرين على شراء الطعام الطبيعي بسبب ثمنه المرتفع جدا يشترون طعاما اصطناعيا، يروج باسم "شمس خضراء"، و الذي تقدمه الشركة المتعدية الجنسيات "صولنت solent".. في هذه الأجواء المشحونة حيث يتم قمع أي تظاهرة تطالب بالطعام، يقوم الضابط "طورن" بالتحقيق في قضية مقتل وليام سيمونسون، أحد مسيري شركة الصناعات الغذائية "صولنت".. يكتشف طورن أن هذه الجريمة التي بدت لأول مرة كما لو أنها ارتكبت من أجل السرقة نفذتها في الواقع جهات تابعة ل "صولنت" حتى تمنع سيمونسون من إفشاء سر خطير.. اكتشف طورن أن الشركة تقوم بصناعة منتوج "شمس خضراء" ليس من الطحالب ومواد بحرية أخرى كما تدعي و لكن من جثت بشرية تقوم بإغراء أصحابها اليائسين من بقائهم بقضاء مدة داخل "المأوى" حيث يتم توفير كل شيء لهم لفترة محددة قبل حقنهم: طعام باذخ، رحلات سياحية باهرة، علاقات جنسية مع نساء جميلات..

السؤال هنا هو: ألا نساهم بنموذجنا الحضاري/الانتاجوي/الاستهلاكوي المتطرف في صناعة حتفنا الجماعي؟ ألا نقوم بتشبثنا بنمطنا الحالي في الأكل و الملبس و السفر في السير نحو "صولنت" و ماهو أخطر من "صولنت"؟؟.

إن المشكلة الإستراتيجية التي تعترضنا في طريق التقدم نحو الهوية الإنسانية ( الهوية المحترمة للإنسان، للحيوان، للنبات، للبحر، للكوكب) هي أنماطنا في "الحياة".. إن مشكلتنا الكبرى هي انخراطنا الواعي/اللاواعي في لعبة التخريب الاستراتيجي للكوكب، أي، في النهاية، لأنفسنا.. الحل، كما يقول الجميل يان أرتيس برطراند، في نوع من عقد جديد مع الحياة: "اليوم، وفي مواجهة الأزمة البيئية ( بالمعنى السياسي الكبير) العالمية، يوجد العالم في حاجة مرة أخرى للشجاعة. شجاعة التفكير بشكل مختلف، شجاعة التخلي عن بعض الأشياء من أجل كسب أخرى أقل مادية، شجاعة السير نحو الآخرين، شجاعة الاعتراف بأخطائنا، شجاعة رفض الظلم في هذا العالم، شجاعة مواجهة المنطق الذي يسير بنا نحو الهاوية".

على المستوى الفردي، على كل واحد منا أن يعي أنه يخرب الكوكب، أنه يساهم من موقعه في تخريب شروط البقاء فوق الأرض.. على كل إنسان يحترم ذاته قلب المعادلة و البدء في تسديد ولو جزء صغير من ديون الكوكب عليه.. من العبث الاستمرار في موقع من يأخذ، ويستنزف، ويخرب الى ما نهاية.. لكي تستمر الحياة، يجب أن نحترم حاجياتها/حقوقها الكبرى، و على رأسها حقها هي ذاتها في الحياة.. انه بحذافيره منظور الفلسفة البيئية مثلما يطرحه الراحل الكبير الراحل دافيد سرفان شريبر: "إذا احترمت حاجياتي و حاجيات الآخرين، و طبقت هذا السلوك على علاقتي مع الأرض، فلدي الحق في الأكل مما تنتجه الأرض، و الاستفادة من مائها و هوائها و جمالها.. في الوقت ذاته، و حتى أستفيد أنا نفسي إلى أقصى حد من كل هذه الأمور، فإن المقاربة الأكثر عقلانية يجب أن تكون هي المقاربة الايكولوجية بامتياز: احترام حاجيات الأرض"..

 

بعبارة أخرى، إننا نخرب لأننا لا نرى، لانسمع، لانحس، لانفكر،  و أن تفكر هو أن تربط ذاتك الى ما هو أكبر من الذات، الخروج من الشوفينية البشرية.. لكي نحافظ على أنفسنا، وعلى الأجيال التي سوف تأتي من بعدنا، علينا بثورة كوبرنكية كبرى، ثورة استعجالية.. يجب أن نفهم أننا لسنا وحدنا فوق الكوكب.. أننا لسنا المركز.. أن هناك شركاء أخرين يقتسمون معنا الرحلة/المغامرة.. ان هذا الوعي هو ما يجب بثه نحو أطفالنا.. البعد التربوي هام جدا في الصراع ضد الهاوية..