الوهم الكبير الذي يباع المغاربة هو ذلك الخطاب الذي يروج أن السلطوية هي التي وحدت المغاربة وأنهم من دونها سيتناحرون.. 

 

الذين يبيعون هذا الوهم يزايدون على فريق من المثقفين يزعم أن الشعب غير مؤهل للديمقراطية، وذلك في خضم المعركة التي يخوضها الفريقان معا ضد الذين يطالبون بدمقرطة البلاد وإحقاق العدالة الاجتماعية وإعادة الكرامة والحقوق الاساسية للمغاربة جميعا..

 

بائعو هذا الوهم لا يقدمون اي مقاربة علمية تخاطب عقول الناس. يكتفون بابتزاز نفوسهم من خلال التلميح الضمني إلى التنوع الاثني بشكل اساسي، وإلى الهيكلة الاجتماعية والسياسية للمغرب قبل الحماية الفرنسية، عندما كان جزء قليل فقط من التراب المغربي خاضعا للسلطة المركزية، بينما تخضع ثلاثة ارباعه لحكم قبائل مستقلة، نسبيا او كليا، عن السلطة المركزية، وتتعامل فيما بينها بالاعراف المعروفة، والعنف أحيانا.. 

 

إنه وهم كبير، وذلك لسببين: 

 

الأول ان مياها كثيرة جرت تحت جسر الهيكلة السياسية، وكذلك الهيكلة الاجتماعية في ظل التزاوج بين الاثنيات المتعددة، وظهور اجيال جديدة  سلوك واهتمامات مختلفة، ناهيك عن الهجرة القروية التي غيرت مورفولوجية المجتمع بشكل كبير منذ أواخر الستينات إلى اليوم.

 

الثاني ان السلطوية فعلا وحدت المغاربة عندما فرقت عليهم القمع والتهميش بشكل عادل، كما يقول الصديق بزيز، لصالح اوليغارشية سياسية متعددة الاثنيات استأثرت بثروات البلاد وأطلقت العنان للفساد والافتراس الاقتصادي حتى ادخلت البلاد في نفق اجتماعي حالك اختفت فيه كل الخلافات القديمة..

 

وخير مثال على بطلان هذا الوهم هو الفارق الصارخ بين ما حكاه "شارل دو فوكو" عن الجنوب الشرقي عندما مر منه سنة 1884، إذ كان شاهدا على معركة حامية الوطيس بين قبائل ايت عطا وايت مرغاد بين كلميمة وتزكاغين حول الارض، وبين ما هي عليه هذه القبائل اليوم.

 

بعد قرن و34 سنة على تلك الواقعة، وبعد ستين سنة من الاستقلال وكلها اقصاء لهذه المناطق التي ظلت على حالها على مر العقود، توحدت قبائل است عطا وايت يافلمان بشكل عفوي تجاوز كل الخلافات البائدة، وذلك من اجل المطالبة بالتنمية، من جهة، وإعادة الاعتبار للهوية المغربية في مجملها، بمختلف ابعادها.. 

 

هذه ملاحظة لا تخطاها عين الذي يعرف المنطقة قليلا او كثيرا، ولمن لا يعرفها ما عليه الا ان يرى كيف احتفت صفحات ايت عطا بالشريط الذي نشرته عن معركة بادو، وكيف احتفى ايت يفلمان بشريط بورنازيل وبوغافر، وكيف أن الأصدقاء الذين احتفوا الأشرطة كلها، دون تمييز، من جميع أنحاء الوطن.. قالك النعرات الاثنية!