بعد التأجيلات المتتالية منذ سنين ، وبعد التحضيرات الدبلوماسية والسياسية والبروتوكولية والفلكلورية المكثفة ، وبعد عشرات الزيارات المكوكية لمسؤولي بلاطات مدريد والرباط لترتيب دقائق البلاينين الملكي ، بعد خنق انفاس الرباطيين وشد انفاس كل المغرب ، بعد القيل والقال والفعل والفاعل والمفعول عن العلاقات الاستراتجية بين المملكتين ... حل المبجل فخامة الأخ خوان كارلوس ضيفا فوق العادة عند أخيه الملك محمد السادس . تحدثت تقارير القصر واعلامه الببغاوي عن النجاح الباهر للزيارة الكارلوسية على جميع الاصعدة . صدقنا كل ماقيل رغم أننا نعلم أن دور الملك في اسبانيا رمزي ولاقرار له في سياسة بلاده عكس ملك المغرب الذي استحوذ على القرار الاقتصادي والسياسي والديني وكل مالايخطر على بال من سلطات وصلاحيات . لكننا لم نصدق لحد الساعة أن طلبات سليل اليزابيلا التي تتحول لأوامر ستتخطى كل الخطوط الحمراء أخلاقيا وسياسيا ودبلوماسيا .
بين رغبة الملك خوان في تحسين صورته الملطخة بفضائح الفساد لدى الراي العام الاسباني ورغبة ملك المغرب في استمرار عطف ودعم مدريد اولا وتأكيد أنه القناة الوحيدة التي تأتي منها وعبرها كل أنواع القرارات حتى الصغيرة منها ثانيا ، بين الرغبتين تشكلت الارضية الخصبة لخروج واحدة من أكبر فضائح مغرب القرن الواحد والعشرين .
من اقترح لائحة او لوائح السجناء الذين سيشملهم العفو الملكي ؟ وكيف تم التأشير عليها بالديوان الملكي الذي يعتبر أكثر العلب سرية ومصدر أهم القرارات التي تتعلق بمستقبل شعب بكامله رغم أنها تشتغل خارج بنود الدستور المغربي ؟
تقنيا هناك لجنة تقوم بدراسة الملفات المقدمة قبل أن ترسلها للديوان الملكي للمصادقة النهائية وتتكون من :
وزير العدل بصفته رئيسا ثم مذير الديوان الملكي ثم الرئيس الاول لمحكمة النقض ثم الوكيل العام لدى هذه المحكمة فمدير الشؤون الجنائية والعفو فمدير ادارة السجون ثم ضابطا بالقوات المسلحة الملكية .
سياسيا فالمسؤولية تتقاسمها الحكومة في شخص وزير العدل والمؤسسة الملكية في شخص مدير الديوان الملكي . الحكومة لديها القدرة على الاعتراض على اي مسجون مشكوك فيه حتى قبل أن ترفع اللائحة للديوان الملكي مادامت ترأس اللجنة .
الحكومة التي يرأسها امين عام حزب جعل العفة والاخلاق شعاره المركزي وحصان طروادته للوصول الى المقاعد سكتت عن الكلام المباح خوفا من بطش الملك شهريار ونزع كل قياداته حجاب نساءهم وسدوا به أفواههم ماعدا أحد لقالق الحزب(ماشي صقوره كما يقال) وحركتها وزير العدل سي رميد الذي كان واضحا وصريحا حين ذكرنا أن مؤخرات أطفالنا لابأس أن تكون قرابين للحفاظ على مصالح المغرب الاستراتجية .
والملك مسؤوول مباشر في اطلاق سراح الوحش الاسباني مادام الديوان الملكي لايشكل مؤسسة منفصلة عن الملك ومادام التوقيع الذي أشر بالموافقة على اطلاق سراح مجرمين في حق اقتصاد الوطن واطفاله يحمل بصمة واسم محمد السادس .أما سياسة مافخباريش فلاتليق بملك يحترم نفسه ومنصبه ان يتفوه بها .
الان تتضح ملامح المتواطئين مع المجرم الاسباني غافان دانييل . للتذكير فقط ، معظم القوانين الجنائية الدولية تجرم كل من ساهم او ساعد من قريب او بعيد مجرم على اقتراف جرمه او المساعدة على افلاته من العقاب بما فيه القانون المغربي.
الآن هناك محاولات من طرفي المعادلة ابعاد التهمة عنه ورميها للطرف الآخر بل والمصيبة محاولات الطرفين نزع الصفة السياسية عن الجريمة وإلصاقها بموظفين إداريين كتوطئة لتقديمهم كأكباش فداء لطمس كل أثر للمساءلة والمحاسبة . وكأن العفو الاهانة حالة معزولة مع أن كل متتبع للشأن المغربي يعرف أن العفو الملكي يتم دوما خارج المحاسبة وظل تجارة مربحة سياسيا واقتصاديا للملك ولمقربيه منذ عقود طويلة .
إن فضيحة العفو الملكي تجسيد واضح لطبيعة النظام الملكي الاستبدادية ونزوعه المرضي لتملك مصير شعب بكامله عبر لجان ملكية معينة بظهائر وتشتغل خارج القانون كأية مافيا منظمة تتاجر في كل شيئ بغطاء سياسي محنط بهالة التقديس والاطلاقية . أما رد فعل الملكية عن الجريمة المتسم بالهروب الى الامام من خلال اقرار الملك بعدم علمه بطبيعة المجرم فلا يدل الا على الاستهتار التام بالراي العام المغربي المصدوم والتمادي في عزف السمفونية المضحكة المبكية التي مفادها أن كل القرارات الايجابية حتى ولو لم تكن للملك يد فيها من صنعه ومن عبقريته الفذة أما أي قرار خاطئ ولو كان بسيطا فلا تتحمل الملكية فيها اية مسؤولية حتى وإن تورطت فيه من رأسها حتى أخمص قدميها .
لن يطوى الملف بإرجاع مغتصب الطفولة الى الزنزانة أو بدعوة اسر الضحايا للتمتع بزخاريف القصر العامل بالرباط وبنيل بعض الهدايا المادية أو بإقالة بعض موظفي الدولة الذين لم يستحقوا يوما مناصبهم . لأن إهانة شعب بكامله لاتعوض بهكذا شطحات بهلوانية . بل باتخاذ قرارات جريئة تضع قطار المغرب على سكة المستقبل حيث يسري مبدا المحاسبة على كل من يحمل بطاقة مغربي أينما كان وكل من تطأ اقدامه ارض المغرب حتى يغادره . هذا لن يتحقق الا بالضغط الشعبي ثم الضغط الشعبي ولاشئ آخر غيره