إن ما نعيشه من أحداث وطنية ودولية متعاقبة، وما أثارته من ردود أفعال متباينة بل ومتناقضة في أحايين كثيرة، عكس جليا رداءة الحس الإنساني لدى بعض ممن يصفون أنفسهم "بالمناضلين" وعبر عن خذلان واضح لقضايا الإنسانية وانتقائية في التعامل مع قضايا الوطن بمفهومه الواسع.
بالأمس عندما اهتز الشارع المغربي رافضا للعفو عن مغتصب أبناء الوطن, ومطالبا بحماية كرامتهم، سجل التاريخ للتنظيمات الحقوقية والسياسية من يمينها إلى يسارها مواقف مخزية، وتردد واضح في الوقوف إلى جانب من انتهكت كرامتهم, بلغ حد الإساءة لذوي المواقف الحرة والجريئة ووصفهم بأقبح النعوت إلى جانب اتهامهم باستغلال القضية لأجل المزايدة السياسية. وكأن النضال وفق قاموسهم المعرفي الضيق يختزل في مواقف دون أخرى ولأجل قضايا بعينها ولا يتحقق إلا بتوفر إشارات عليا تأذن بذلك...
تماشيا مع هذا المفهوم الضيق والمغلوط, يبرر بعض ممن يحسبون أنفسهم على الفكر الديمقراطي الحداثي مواقفهم من القضية المصرية! فبين من يعتبر أن القضية لا يجب أن تستحوذ على اهتمامنا كمغاربة لأنها لا تؤثر في الشأن الداخلي لبلادنا -وفق تحليلهم السطحي- وبين من يبحث عن تبريرات واهية لسفك الدماء وإزهاق الأرواح... تبقى الانتقائية في الدفاع عن القضايا الإنسانية هي سيدة الموقف!
ما لا يدركه بعض هؤلاء ممن يتخذون مواقف متباينة من قضايا تتلاقى في جوهرها وتتقاطع في مبادئها العامة، أن النضال يكون لصالح قضايا الإنسان وحقوقه الكونية وأن المنظومة الحقوقية لا يمكن تجزيئها بأي حال من الأحوال. فلا يمكن لمن دافع بالأمس عن الأطفال وناضل لأجل حفظ كرامتهم أن يبرر اليوم سفك دمائهم فقط لأنهم أبناء وطن آخر. ولا يمكن لمن يناضل لأجل حرية التعبير ولأجل الإفراج عن المعتقلين السياسيين أن يقبل بإزهاق أرواح من يخالفونه الفكر!
كما أن دعم بعض التنظيمات لشرعية النظام المصري ونزولهم للشارع تضامنا مع ضحيا القمع العسكري لن يغفر لهم ما أبدوه من خذلان لقضية أطفال وطنهم وتغليبهم مصلحة تنظيماتهم على كرامة الوطن وعزة أطفاله. فلا فرق بين من يُنَظِّر تبريرا للقتل وبين من يتاجر بقضايا الطفولة خدمة لأجندته السياسية. فالنضال يعني الانتصار لكل القضايا العادلة والترفع عن الكل الخلافات السياسية والأيديولوجية.
سلمى تهبوش