دردشة اليوم الينايرية ستكون مع مغربي لايختلف عن اي مواطن تقابله في الشارع . تحالفت ضده ظروف الواقع المزري لتتقاذفه اقدارها من ليبيا القذافي حيث ترك اسرته وعمله وكل احلامه الى مزابل مدن المملكة العلوية الشريفة من فاس الى وجدة فطنجة ليرسم خريطة التسكع والتيه على ذاكرته مرورا باقبية مخافر البوليس العسكري الجزائري بوهران الراي واللي مشاليه الراي. هو سعيد الزياني الذي يملأ صفحات الفايسبوك ضجيجا حتى لاينام الاغنياء بثقلهم فوق اجساد المهمشين والمنسيين مثله جرب كل الحلول ليعيش كريما لينتهي في زاوية شارع بطنجة بائعا للسجائر بالتقسيط كأي آدمي حكم عليه بالموت البطئ . مع الهبة الفبرايرية في 20 فبراير سنة 2011 عادت الحياة الى شرايينه كما قال كطائر الفينق الذي يولد دوما من رماده وقرر ان يعطي لوجوده معنى آخر ويتحدى آلة المخزن الرهيبة بكل شجاعة ودون ادنى عقدة نقص.

سعيد زياني ضحية النظام المغربي بتوقيع وقرار رسمي من وزير الداخلية السابق ادريس البصري .مشواري بدأ انطلاقا من ساحة الأمم في بداية ثورة تونس من خلال مشاركتي مع اطاك طنجة في اشكاالها الإحتجاجية وذلك بعد سنوات من الإهتمام بالشأن السياسي والحقوقي من خلال الأنترنيت .بعد 20 فبراير 2011 أصبحت مدمن مظاهرات وشاركت مع حركة 20 فبراير طنجة كل اشكالها ميدانيا وبالتغطية المباشرة بالتصوير على الفايسبوك وسنة 2012 في 20 فبراير اسست رفقة شباب لجنة ساحة الثيران والتي من خلالها نعمل على تقوية الحركة كرافد للتعبئة في الاحياء .

كنت مهاجرا بليبيا في دفعة 1985 وتزوجت فيها وبعد ازدياد اول مولود عدت سنة 1991 وهنا تم منعي من السفر .وحرمت من جواز سفري بقرار وتوقيع ادريس البصري ولم اتوصل به الا بعد سنتين من المشاورات بين طنجة والرباط العمالة وسير وجي من وزارة الداخلية الى الادارة العامة للأمن الي كوميسارية طنجة والعمالة .وهكذا اصبحت بدون اسرة ولا عمل.

في سنة 1990 وفي لحظة غضب اسري مزقت جواز سفري وقدمت للقنصلية ملف الضياع . بعد عدة اشهر من الإنتظار لم احصل عليه بدعوى انه جاهز فقط ينتظر ارساله حسب القنصل .ولما توجب على السفر لبلدي بعد سته سنوات من الغربة بإقامة قانونية وتزوجت ورزقت بولد بعد تدهور حالة والدتي المصابة بمرض القلب والسكر, طلبت من القنصل وثيقة السماح بالسفر laissé passé وحصلت عليها في لحظتها مع تأكيد من القنصل على ان جواز سفري جاهز بوزارة الداخلية وسأستلمه في أول زيارة لمكتب الجوازات.لكن بعد سنوات اكتشفت بمساعدة فرع AMDH طنجة في شخص المرحوم هشام الشعرة بتوصية من سميرة كناني التي تعرفت عليها عبر ياهو 360 قبل الفايسبوك بسنوات وحكيت لها عن القصة .تبين ان تقارير المخابرات تقول بأن جواز سفري وبنفس تاريخ ضياعه تم رصده بنابولي بإيطاليا وبناءا عليه تم اصدار قرار عنوانه المنع من السفر وجواز السفر مدى الحياة .رأيت القرار وقرأته بين يدي مدير الجوازات وهو لا يحتوي على اي مبرر.

الاسرة بقيت في ليبيا حين عودتي وبعد قرار المنع طالبت الزوجة بالإلتحاق بي لكنها خافت الا تعود ان رفضت عودتها لليبيا . او آخذ منها ابننا فقطعت اتصالها بي لسنوات .بعد 19 سنة جاء ابني يفتش عني وقج بلغ 21 سنة بعد ان تركته وعمره لايتجاوز السنة ونصف . هو الان يعيش مع والدته بطرابلس ونحن على اتصال بالهاتف.

كان وقوفي على المنع سنة 1992 صدمة حقيقية لأنني فقدت فيها كل ما فعلته من اجل المستقبل لما يقارب ستة سنوات في الغربه وتركت ورائي رضيع وزوجة وبيت وعمل .لم اعد إلى طنجة حينها بل تشردت بين المدن اكل من القمامة وانام في الحدائق العامة في عز البرد وبفاس ومكناس وكازا فالقنيطرة ثم تازة ووجدة حيث تسللت الى الجزائر في محاولة للعودة لاسرتي بليبيا .لكن مصيري كان الإعتقال بمدينة وهران الجزائرية في حملة امنية قضيت خلالها في التحقيق عند الشرطة العسكرية اسبوعين قبل ان يتم ترحيلي الى وجدة .
عدت الى طنجة مباشرة .ولأن اسرتي جد فقيرة فقد فضلت ان اقيم بعيدا عنها لأتعرف على حياة الشارع والتسكع لمدة سنة كاملة قبل ان اقرر العودة اليها سنة 1997 واحترف بيع السجائر بالتقسيط "الديطاي".

انطلق نشاطي السياسي مع انطلاقة ثورة الأنترنيت في المنتديات. مارست التدوين عبر ثلاثة مدونات اثنتين بالفرنسية وثالثة بالعربية تحت عنوان "مدونة ساخط كافر بالمستحيل يشتهي حرية الإنسان" وبإنطلاق النقاش على الفايسبوك اهملت التدوين واصبحت منذ سنتين لا اغادره الا في ساعة النوم عبر هاتفي المنقول.

شاركت في نقاشات تأسيسها منذ البداية وخرجت يوم 20 فبراير في تظاهرتها الاولى وكل اشكالها اللاحقة ووثقتها بالتصوير المباشر على الفايسبوك . مع توالي الحراك وتشعب دروبه اصبحت جزءا لا يتجزأ من مسار الصمود من اجل مطالبها العادلة والمشروعة .حركة 20 فبراير هي الأمل في الحق والكرامة والعدالة بعد عمر من شقاء منزل من فوق تحت الرعاية السامية لملك مستبد بالسلطة يترأس دولة ينخرها الفساد والرشوة وانتهاكات حقوق الإنسان .

يجب ان نستحضر تهميش المخزن لمدينة طنجة واقصاء وتفقير ممنهجين لاهلها وتحقيرهم من طرف السلطات في الإدارات والأمن. في بداية الحراك خرجت الساكنة واكثرها من الأحياء الهامشية بكثافة في اجواء ربيع عربي جاء بحلم الحرية والكرامة بعد ثورة البوعزيزي في تونس .كانت المسيرات تخرج من عدة احياء شعبية في اتجاه ساحة التغيير ولا ننكر ان جماعة العدل والإحسان بتنظيمها القوي والمحكم كان يعطي زخما ويشجع الناس على الإلتحاق بنا .

الدستور الممنوح وفوز بنكيران وانسحاب العدل والإحسان ثلاث اسباب رئيسية لفتور اشكال الحركة ولكن علينا ان نستحضر عاملا اساسيا وهو الحرب السرية التي شنها النظام المستبد على 20 فبراير بالتشويه ونشر الإشاعات وتحريض المرتزقة والبلطجية والحصار الإعلامي .

قبل القبض على كنت تحت مراقبة لصيقة وكنت اتلقى تهديدات مكثفة عبر رسائل الفايس خاصة بعد ان اصبحنا في لجنة ساحة الثيران نخرج في اشكال مستقلة عن الجموع العامة ومن بينها الوقفة الصامتة ضد الإعتقال السياسي بوسط المدينة ووقفة صامتة بأسبوع واحد قبل اعتقالي امام مسجد السوريين بعد صلاه جمعة .

تم اعتقالي بعد ان أصبحنا في لجنة ساحة الثيران الفبرايرية بطنجة نستطبع إبداع أشكالا نضالية من بينها الوقفة الصامتة ضد الاعتقال السياسي في وسط المدينة .المحضر الذي حوكمت به تم تحت اشراف المخابرات في جلسات المحاكمة صرحت للهيئة أنني ضد المخزن والحكرة.

أقوى اللحظات هي التي كانت بين المخفر والمحكمة والسجن .في كوميسارية العوامة بزنزانة الحراسة النظرية وبعد خلاف مع الشرطي المكلف باستلام المعتقلين تم إدخالي رفقة عصابته عنوة للزنزانة وهم يسخرون من حركة 20 فبراير . في قمة غضبي كسرت باب المرحاض ومع كل ركلة أسب النظام والمخزن وسراق أموال الشعب حتى أصبح الباب قطعا مثنانرة بالزنزانة . بعدها جاء الخبير بآلة التصوير يوثق الجريمة النكراء وبعد انصرافه بقليل جاء رئيس الكوميسارية يسألني :
لماذا كسرت باب المرحاض يا سعيد ؟
أجبته وبدم بارد وبثتاقل :
أنا اتحمل مسؤولية تكسير باب المرحاض وأنتم الذين تقمعون وتنهبون شعبنا, هل ستتحملون مسؤوليات جرائمكم هاته ؟

في السجن حين رأت الادارة ان مقامي لديها ستيحق ان يكون في زنزانة رقم 18 حي الجيم جناح علوي التي تضم أكثر من عشرين سجينا أغلبهم من مدمني الهرويين ومن بينهم أسماء مشهورة في عالم الإجرام وأربعة سجناء مجانين وسجين مضرب عن الطعام احتجاجا على الضابطة القضائية .ومنذ الأسبوع الأول أصبحت الزنزانة تطالب بالحقوق وترفض الطعام المسوس بل أصبح السجين المضرب عن الطعام يرفع شعار الله الوطن الشعب وليسقط النظام الحكار وسط دهشة اداريي السجن .السجين إبراهيم مثلا كان يجادل رئيس المعقل في سرقة أموال الشعب بعد ان اصبحنا نفتح نقاشات حول تسلط المخزن وانتهاكات حقوق الانسان والاستبداد .
من جهة صراعي مع الادارة فقد انطلق بعد رفض رئيس المعتقل طلبي للوكيل العام بضم المحضر السياسي للملف .لذلك أعلنت إضرابي عن الطعام ليتم استدعائي في الحين من طرف نائب المدير الذي وافق بإرسال الطلب فورا .نفس المسؤول أمر بتفتيشي وصادر مني ورقة كتبتها ككلمة دفاعي أشرح فيها الأسباب الحقيقية لمحاكمتي قبل ان استدعى لجلسة الاستئناف . وحين قمت بالاحتجاج وامنتعت عن الذهاب للمحكمة قام نائب المدير ورئيس المعقل والحارس العام بحملي مقيدا عنوة وحملي ككيس لسيارة الشرطة .
ومن أخبث خطط نائب المدير بعد أن تم الحكم علي استئنافيا حين تنقيلي من حي الاعتقال الاحتياطي لزنزانة في حي آخر انه امر السجناء باستقبالي بشعار عاش الملك وصورته تتصدر الزنزانة .
طول مدة سجني كنت اكتب الشكايات وأغلبها إضرابات عن الطعام طلبا للعلاج أو ضد تزوير المحاضر وكنت شاهد عيان لاعتداء السجانين على نزيل بالضرب العنيف الذي نتج عنه كسر في الذراع.

في المحكمة الابتدائية عند وكيل الملك طالبت بالمحضر السياسي الذي تمت كتابته من طرف المخابرات بحضور الضابطة القضائية . أمام القاضي صرحت انني أمامه لأني ناشط ميداني ضد القهر والظلم والمخزن وفي زنزانة المحكمة كنت أرفع الشعارات بصوتي العالي .في الجلسة التانية تعرضت لاعتداء بالضرب من طرف سجناء بتحريض واشراف رجال البوليس بمحكمة الاستئناف .بعد ان فرضت ان تكون محاكمتي سياسية أحرجت القاضي لدرجة فقد فيها أعصابه وبدأ بصرخ عاليا "واش بتعي ترودها محاكمة سياسة بالدراع"
في الأخير سألني :
هل لديك كلمة أخيرة ؟
قلت نعم .
كنت قد جهزت ورقة ساخطة تعبر عن حقيقة دواعي اعتقالي وحين مددت يدي إلى جيبي لأخرجها ضرخ القاضي قائلا :
لا لا بدون ورقة . قل ما تريد باختصار. تم الحكم علي ابتدائيا بثلاثة أشهر و ثلاثة ملايين و350 الف فرنك للجمارك وفي الاستئناف تم تأييد الحكم الابتدائي .وقضيت المدة ولازالت الجمارك تحتفظ بحق اعتقالي عندما تريد مقابل المبلغ المحكوم به أو سنة سجن إكراه بدني .

أبدا لم يسبق لي ان قلت أنني مناضل ولم أولد لابيع السجائر بالتقسيط بل قبل حركة 20 فبراير كنت أحسب نفسي ميتا .منذ ان منعت من السفر ومن عائلتي وعملي وتهدمت كل أحلامي على يد الدولة كانت صدمة وخاصة حين وجدت نفسي مرمي في الشوارع حيث تعاطيت للمخدرات وانحرفت نحوحياة السجون لمدة عشر سنوات في الضياع .بيع السجائر بالتقسيط هو ما استطعت في لحظة تعب من الجنون ان احترفه كمهنة من أجل العيش وخاصة أنني لا أهل لي ولا صنعة ولا مال ولا قوة لاشتغل حمالا . لكني مؤخرا أصبحت جديا أفكر بامتهان بيع كلينكس قرب اشارات المرور .

لم أفكر بأوروبا لأني بعد ان تزوجت بليبيا ورزقت بصبي خططت لمستقبل زاهر ببلدي ورفقة أسرتي.
أوروبا لم تكن تعني لي شيئا بعد ان فقدت كل ما هو جميل في حياتي .

المخدرات سياسة ممنهجة تمارسها الدولة باحتراف لتدوخ بها فئة كبيرة من الشباب لترتاح من وعيهم وكذلك لتجعل منهم آلات تلد الملايين من الدراهم كرشاوي للأمن ولتكرس التجهيل .اما والزج بالمروجيين الصغار في السجون فلتتستر على تجار الجملة الكبار .والسؤال الملح هو من يدخل الهرويين إلى المغرب وهو لا ينتجه وقد أصبح المادة الأكبر رواجا والمدمن يلزمه يوميا أكثر من ثلاثة جرعات ما قيمته 200 درهم.

الاختلافات في طنجة من داخل الحركة هي نتيجة صراع حول من يقود الحراك خاصة بعد تراجع الكم الجماهيري وأصبحت الهيئات الداعمة لا تدعم الأشكال ميدانيا لكنها متمسكة بالحركة عبر البيانات والبلاغات .

لا أستطيع تحمل مسؤوليات أسرة بعد ان عجزت عن الحفاظ عن تماسك اسرتي وتربية ابني الأول وخاصة أنني لا أتوفر على مورد رزق مستقر ومهدد بالسجن في اي لحظة .

أو لم أحصل على حرية اختيار قدري يالاستمرار في حياة شريفة ضمن أسرة سعيدة إلا بعد ان شاب الرأس وتقوس الظهر وهرم الجسد .