قبل سنوات مُنعت مجلة منوعة مغربية بسبب نشرها لنكات متداولة في الشارع،تحركت جميع القوى الدمقراطية الحية في البلاد لتناصر المجلة، رئيس تحريرها و الصحفية التي كتبت الملف،الكل يندد بالمنع و المحاكمة و يدعو لحرية التعبير و عدم محاكمة الصحفيين حسب القانون الجنائي، كانت محطة صراع مهمة للدفع بالحريات في البلاد إلى وضع أرقى.
لكن ما لبث أن شعر الجميع بالصدمة حين وقفت الصحفية -التي تعلن نفسها ناشطة سياسية من أجل الدمقراطية و الحرية و العلمانية و النسوية-أمام القاضي ترتعد ثم قالت بأنها تحب الملك و أنها ملكية حتى النخاع ثم شغلت هاتفها النقال لكي تُسمع الجميع رنة الاتصال التي هي موسيقى النشيد الوطني الليوطي..فأشفق عليها القاضي وربما أجهش بالبكاء.
لا توجد صحافة حقيقية في المغرب، بمعنى يجعلها فعلا سلطة رابعة:صحافة تحقيق و عمل جبار من أجل السكوب و البحث عن المعلومة، و أيضا صحافة رأي حر حقيقي، كم توالت الصدمات حين تكتشف أن كاتب عمود ما يكتب عن موضوع لأنه مدفوع أو وراءه تصفيات حسابات، ها اللي مع الأمير هشام ها اللي كاينغز فالهمة ها اللي كايدافع على الماجيدي...
الكل تتلمذ على مدرسة صحافة الاتحاد الاشتراكي، التي تنهل من مزج ستاليني و متباكي.
الاَن من الصحافة الورقية الحزبية و مجلات المقاولات التي حسبناها محترفة فإذا بها لا تتحدث إلا عن الدعارة و مغامرات الحسن الثاني..مرورا بالإذاعات الخاصة إلى كثير من المواقع الالكترونية لا تقوم بعمل صحفي، كل ما تقوم به هو محاكاة عصرية للمهنة القديمة المغربية: تارقصات/ التبركيك و البروباكندا.
عندنا قلة قليلة من الصحفيين المستقلين معروفين غير قابلين للشراء أعرف منهم علي لمرابط و مصطفى حيران و أنوزلا و ناصر موحا... أعتز بصداقتهم، أما مولاة النشيد الوطني و الاخرون المرابطون بالكوميساريات فهم مثل الذباب الذي يحيط بالضبع، يقتات معه وحين يزعجه قد يكون ضحية ضربة مخلب طائشة.
الله يرحم ادوارد مورو،الصحفي الأمريكي الذي في عز قمع حملة مكارثي و جو الرعب الذي خلقته، في وقت كان كل الإعلاميين يباركون خطوات لجنة مكارثي لمطاردة الشيوعية في أوساط النخب و الجيش و الموظفين، ظهر في برنامجه، يدخن سيجارته بهدوء و يقرأ من ورقة،ليعرض رأيه المخالف للتيار،و ينتقد بلا خوف مكارثي و أساليبه و يتسبب بالتالي لوحده في توجيه الرأي العام الأمريكي ضده مما سرع بتوقيف الحملة و إرجاع السيناتور مكارثي إلى حفرته الجنوبية.