"الملك المستحوذ " كتاب نشر في فرنسا في مارس 2012 عن "دار لوسوي" للصحفيين الفرنسيين كاترين كراسيي وإريك لوران ينبش في ركام صناعة السياسة والاقتصاد بالمغرب . ولأنه يقوم على قاعدة معطيات غنية حول طريقة استحواذ المؤسسة الملكية بالتدريج على الاقتصاد المغربي وكيف يستفيذ المحيطون بالملك من بقايا ولائمها باسلوب اقرب منه للمافيات المنظمة وابعد من سلوك نظام سياسي مسؤول امام شعبه ،
ولأن الكتاب منع من التداول بالمغرب في طبعته الفرنسية لحجب مايمكن ان يكون حجج وبراهين على تورط الماسكين بزمام السلطة في البلاد على القارئ المغربي ،
ولأن الحق في الوصول الى المعلومة مبدأ تقره كل المواثيق الدولية التي وقع المغرب علىها،
ولأن المعلومات الواردة في الكتاب لم ترد على مدى صحتها او خطأها اية جهة مغربية رسمية .
لكل هاته الاسباب إرتأينا في "ينايري .كوم " أن ننشر اهم ماورد في الكتاب عبر حلقات دون أن نغير كلمة واحدة من النص الاصلي حتى يكون القارئ على بينة من محتوياته ويتخذ الموقف المناسب الذي سيحاسبه عليه التاريخ عاجلا ام آجلا بعد أن يعرف أي نوع من الحكام يقررون في مصيره ومصير بلاده ومستقبلها .
مع الشكر لمجهود الصحفيين الجبار والمتميز ولجنود الخفاء الذين قاموا بترجمة الكتاب من اللغة الفرنسية الى العربية . ينايري.كوم

الفضيحة الثامنة من حكاية نهب وطن...

محمد السادس يحكم منذ اثنتي عشرة سنة. لقد تميز حكمه في نفس الوقت بالاستمرارية والقطيعة مع ثمانية وثلاثين سنة من سلطة والده، فقد اجتهد الحسن الثاني لبناء نظام ملكية محترمة وقوية بما يكفي لتكون مهيمنة على المؤسسات وعلى الشأن السياسي. لازال الابن محافظا على هذا الطابع المطلق والاستبدادي الذي حرص عليه الأب ولكن يبدو أنه يمارسه في مجالات مغايرة .
كان الاستبداد الملكي زمن الحسن الثاني سياسيا بامتياز ويهدف إلى ضمان استمرارية النظام الملكي المغربي. ينعكس الاستبداد زمن محمد السادس أساسا في مجال الاقتصاد ولا تواكبه أية استراتيجية سياسية لضمان مستقبل الأسرة الحاكمة التي يجسدها .
لأجل فهم الانقلاب الاقتصادي والمالي الذي أحدثه محمد السادس يجب أولاً فهم شخصيته والعلاقات المتشنجة التي نسجها مع والده. هذا يعني أيضا اختراق الكواليس المحيطة بهذا العالم الخاص غير المكشوف للأعين، عالم السلالة العلوية. كثيراً ما يكون القرب مض لِّلا لأنه يعطي للمرء انطباع اً بالفهم. إن النخب الفرنسية سواء من اليسار أو من اليمين تعتقد أنها تعرف هذا النظام الملكي لأن البلد يقع على بعد ثلاث ساعات بالطائرة من باريس. بعضهم يُدعى بانتظام إلى قصور وإقامات مراكش وفاس ويستمع لمعلومات سرية مزعومة من طرف أشخاص يُفترض فيهم القرب من الملك، ولكن خلف
الجدران المرتفعة المحيطة بالقصر، لا زالت تُنسج المؤامرات و تُحاكُ الدسائس بعناية رغم تعاقب الملوك. تتناسل الشائعات ولكن تغيبُ الحقيقة.

في بداية فترة حكمه، فكر محمد السادس أن يفتح للعموم عددا من القصور الملكية، إلا أن التفجيرات القاتلة بالدار البيضاء عام 2003 والتي أسفرت عن مصرع خمسة وأربعين شخصا عصفت بالفكرة، فتحصَّ ن كوالده في تلك القلاع الفاخرة، المليئة بالخدم الصامتين، وبدأ محمد السادس وكأنه يتقمص شيئا فشيئا شخصية أبيه .
هذا الأخير كان كلما طرح عليه أحد هذا السؤال: أي مهنة كنت ستفضل لو لم تكن ملكا؟ سارع بالجواب: "مؤرخ." والسبب واضح، فلقد واجه منذ سنه المبكرة تقلبات التاريخ وتعلم أكثر من غيره أن السلطة كانت سوف تفلت من يديه لولا مساعدة الأقدار. ابتداء من عام 1912 خضع المغرب لنظام الحماية الفرنسية. في عام 1953 أقدمت فرنسا على خلع السلطان محمد بن يوسف - الملك محمد الخامس لاحقا ووالد الحسن الثاني - ثم نفيه عقوبة له على مواقفه الإيجابية من المطالبة بالاستقلال. هذه الأحداث أثرت في الابن تأثيرا عميقا. في مكان السلطان المخلوع نصبت السلطات الفرنسية من أبناء عمومته
سلطانا ضعيف الشخصية، محمد بن عرفة. اضطرت باريس بعد ثلاثة سنوات لإعادة محمد بن يوسف إلى عرشه تمهيدا لاستقلال البلاد. محمد الخامس هوالحاكم الحادي والعشرون من السلالة العلوية التي تحكم المغرب منذ 1659 ، والتي يقال أنها تنحدر بدورها من نسل الرسول محمد . أصبح محمد الخامس أول ملك للبلاد في عام 1957 .
في نفس السنة، ع يَّن ابنه البالغ 29 عام اً والرجل القوى في النظام وليا للعهد، وهو قرار أوعز له به هذا الأخير كما أوعز به أيضا مستشاره المهدي بن بركة، فكان أول انحراف عن التقاليد يقدِ م عليه الأمير الذي سيصبح مستقبلا الحسن الثاني لأن اختيار السلطان الجديد كان دوما بيد العلماء. بعد أربعين عاماً عن الأحداث صرح قائلا: "لقد أمضيتُ معظم أيام ملكي أجتهد لتقليل الأخطار المحدقة بالنظام الملكي"، وهذا معناه بالواضح:
لقد تخيلتُ وفكرتُ وهندستُ هذا النظام الملكي في كل عنصر من عناصره لجعله مستداما وغير خاضع للنقاش.27 لقد أصبحت السلطة الملكية تحت قيادته سلطة مطلقة لأن الملك له فيها السلطة الروحية والسلطة الزمنية وكل قراراته تعتبرمقدسة .
أما شغفه بالتاريخ فقد دفعه للاقتناع أن هذا الأخير ليس له بناء موضوعي مستقل. كان الحسن الثاني معجبا بألكسندر دوما Alexandre Dumas لدرجة أنه دفع شخصيا نفقات ترميم منزله. هذا الكاتب هو من قال: "التاريخ ليس إلا كمشجب أعلق عليه أحداثي وأحمِّله قصصي". ربما كان باستطاعة الحسن الثاني أن يعيد الصياغة هكذا: "التاريخ هو المشجب الذي يحمل الرموز والمؤسسات التي اخترتها لإضفاء الشرعية على سلطتي
وتعزيزها". بعد وقت قصير من اعتلائه العرش، سوف يتنصل من الحداثة ويسعى
جاهدا لإعادة إنتاج التقاليد في المملكة ماضيا على نهج المستعمرين الفرنسيين، ويا لها من مفارقة. في هذا الصدد يقدم المفكر المغربي عبد الله العروي وهوالذي لم يخف تأييده لبعض أعمال الحسن الثاني، تحليلا منيرا : لقد خضعت الإصلاحات الناجمة عن الحضور الأجنبي للإزاحة واحدة بعد الأخرى رغم أن أكثرها كانت رمزية، ]...[. انتهى عصر تدريب العقول على استيعاب الحداثة وغاص أمناء الوثائق والمؤرخون في المصنفات القديمة كما فعل الوطنيون من قبلهم ولكن لأغراض مختلفة تماما، لقد اجتهدوا في إحياء البروتوكول العتيق كما وصفه بالتفصيل العديد من السفراء والمسافرين الأجانب وأعادوا لبنة بعد لبنة تشكيل صورة ذلك "المغرب الذي مضى"، والذي ادعت الإدارة الاستعمارية الاستناد إليه لإضفاء الشرعية على إصلاحاتها .
الى الفضيحة القادمة...