على أريكة باذخة جنب مسبح زجاجي فسيح مطل على خليج أكادير الساحر كان أحد أقوى جنرالات محمد السادس ممددا يستمع لأحدى مقطوعات بيتهوفن الخالدة وجيش من الخدم في كل ركن من القصر المحروس ينتظرون إشارة من اصبعه ليخدموا سيدهم قبل ان يرتد اليه طرفه . على الطاولة المذهبة مالذ وطاب من أكل وكؤوس شراب يتجاوز ثمن جرعة واحدة منه راتب أحد جنوده الشهري .
في عاصمة مملكة العلويين وبإحدى الازقة المؤدية لبناية "بار امان " ممثلي الشعب حيث روائح البول تزكم الانوف يتمدد جسد عبد الله وعشرات من رفقاءه فوق الكارتون المتآكل كأعجاز نخل خاوية منذ شهور يستمتعون ببرد وشمس الرباط الحاقدة ينتظرون من يلبي مطالب آدمية اساسية أمام اعين جيش من زملاءهم الذين ينتظرون الامر بالانقضاض عليى هياكلهم العظمية لتفكيك اعتصامهم كأي فريسة تأكل أختها بلا رحمة .
الجنرال المعني هو الشريف المبجل عبد العزيز بناني المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية منذ ان قتل احمد الدليمي اوائل الثمانينات .
والثاني هو عبد الله تامر واحد من بين مآت الجنود المغاربة الذين امضوا عقدين في جحيم سجن الرابوني الرهيب بمخيمات تندوف التي تشرف عليها جبهة البوليساريو تحت مراقبة المخابرات الحربية الجزائرية .
الأول والثاني اقسما ذات يوم على خدمة الوطن والدفاع عن اراضيه بكل تفاني ونكران ذات حتى الشهادة إن لزمت الظروف ذلك .
سي عزوز الجنرال أمضى عقوده بعد القسم متنقلا بين الثكنات شمال المغرب بعيدا عن لهيب رمال الصحراء الحارقة ومتسلقا تراتبية العسكر مستعملا المال وروابط الدم تارة والتملق تارة أخرى وقد حكى الضابط الطوبجي في كتابه الممنوع بالمغرب " ضباط صاحب الجلالة "كيف كان يجبره احمد الدليمي على شرب الخمر في ليالي الأكابر قبل أن يلف حزام موزون على خصره ليؤدي رقصة دردك زيد دردك أحليمة أمام للي اسوا اوللي مايسواش.
اما سي عبدو فأصوله الفقيرة دفعته للجندية بدون شروط مسبقة سوى توفير لقمة عيش لأسرته وخدمة وطن قيل له انه لايتنكر ابدا لا بناءه البررة . ارسل مباشرة بعد سطاج لقلب حرب لايدري شيئا عنها غير انها مواجهة الخونة وأعداء الامة الطامعين . بعد سنوات من المواجهات العنيفة بين جيشه الذي لم يرى فيه قط معه ضابطا ساميا الى جانبه الا ليلقي الاوامر قبل ان يأخذ طائرته متوجها لمدينة أكادير حيث ينتظره اصدقاءه بنادي الكولف لاتمام اللعبة ، ومقاتلي البوليساريو الذين يهاجمون بخفة وايمان قوي قبل ان يختفوا كالسراب .
سي عبدو القي القبض عليه في إحدى المواجهات ليرمى به في حفرة جهنمية رملية وسط صحراء لاترحم الحجر فاحرى الانسان ليعد فيها ملايين الثواني والدقائق والساعات والايام الرهيبة .
سي عزوز بناني وصل بسرعة البرق لأعلى الهرم العسكري دون أن يخوض معركة واحدة ينتصر فيها كأي ضابط محترم في كل جيوش العالم . حتى الجدار الذي شيده زملاء سي عبدو بعرقهم هندسه الاسرائليون وموله ديون اعراب البترودولار لكن الاعلام الرسمي نسبه لحملة نياشين الخرا الذين لاهم لهم الا نهب مايمكن نهبه ،في تزوير مفضوح للتاريخ والذاكرة .وانصافا لصاحب اعلى المراتب العسكرية في المغرب فالرجل بارع في تنفيذ وصية ملهم الامة الحسن الثاني قبيل فشل المحاولة الانقلابية سنة 1972 حين خاطب اصحاب البرودكانات بنبرة جادة قائلا " اذا كان من نصيحة مهمة اقدمها لكم هي اتركوا السياسة واهتموا بمجال البيزنيس خير ليكم اولي ". فقد تفوق مع زملاءه الضباط الكبار كحسني بن سليمان واخرين في مراكمة الثروات ونهب خيرات الصحراء والسهول والبحر والجو وتاجروا في الجمال وماتحمله من سلع مهربة ومخدرات , حتى الاسفنج كانوا يبيعونه للجنود بكل وقاحة ووطنية منقطعة النظير . باختصار تاجروا في كل شئ كقطاع طرق ومن يعفي نفسه وينزهها فليصرح بممتلكاته ومصادرها للمغاربة .
بعد عمر طويل ذهب مع رمال الصحراء المتحركة عاد عبدو ورفقاءه للوطن الغفور الرحيم ليجدوا أنهم فقدوا كل شئ فعلا وانهم خرجوا من سجن ضيق لآخر فسيح من طنجة الى نواكشوط مادامت الكويرة غير موجودة اصلا . كل مؤسسات الدولة تجاهلت مطالبهم البسيطة المتمثلة في سكن يليق بالانسان وراتب يقيهم التسول والتسكع و البهدلة في شوارع الوطن الذي اقسموا على حمايته ودفعوا ثمنا باهضا لهذا القسم . بعض حماة الوطن من زملاء عبدو يتلقون 1400 درهم في الشهر (العن بوها حماية )في الوقت الذي لايستطيع المجلس الاعلى للحسابات ولا غيره من مؤسسات الدولة من ان يحصي كم راكمت تريكة سي بناني وبنسليمان وعروب والقادري وغيرهم من ثروات باسم مهنة شريفة لاتتحقق سيادة امة بدونها .
عندما عدنا الى أرض الوطن كنا سعداء، ولكن لاحقا صدمنا بالواقع المرير، لقد عدنا من أسر إلى أسر". هكذا صرخ عبد الله تامر .هكذا نطق العائد من الاسر بحرقة ومرارة .
أسر الوطن ياعبدو شيده النطام المغربي على ظهر معاناتكم مثلما بنى السلطان اسماعيل اسوار مكناس على انقاض جثث مغاربة عزل ليبني مجده الدموي. فلا تستغربوا فانتم مجرد سلاليم صعد فوقها جنرالات أغنياء الحرب ليبنوا امجادهم الحقيرة . ولاتنسوا أن الملك الذي اقسمتم على الولاء التام له قبل اسركم هو من رقاهم ومنحهم كل الحماية اللازمة ليعبثوا بكم وبكل المغاربة . قضية الصحراء بقرة حلوب تغتني بها وفيها عصابات مخزنية وشركات متعددة الاستيطان بينما يؤدي فقراء المغرب والمنطقة المغاربية ثمن مناوراتهم الخسيسة . لنتصور حال النظامين المغربي والجزائري بدون نزاع الصحراء ؟؟؟
عبدو فيق من الكلبة فكل الشعارات التي لقنوها لكم كذبة سخيفة . هل صادفت يوما ابن غني جنبك في حرب الصحراء ؟ هل حقق شمال المغرب استقلاله ليحققه الجنوب ؟
جنرالات الجزائر والمغرب مفاهمين مزيان على خطة الابقاء على الوضع كما ماهو عليه لأنه مناسب ليراكموا نهب الثروات وليؤجلوا انفجار الاوضاع في وجوههم ماستطاعوا لذلك سبيلا . فمن الخاسر دوما ياصاحبي في الحرب وفي السلم ومن الرابح فيهما دوما ؟؟؟؟
ناصر موحى