أسامة طايع
لا يختلف عاقلان على أن ما قدمه اليسار للمغرب غني بالكثير من التضحيات والنضالات كما لا يختلف عاقلان على ان المرحلة الحالية لليسار مرحلة أزمة بامتياز، إن على مستوىَ نخبه او على مستوى خطابه، عنوانه التيه والبحث عن الهوية مما يستدعي طرح سؤال يحتاجُ الكثير من التحليل، هل اليسار بخير وما الذي جعل اليسار بالمغرب يتقوقع على الرغم من تاريخه النضالي المشرف.

لن اسرد اليوم مسار اليسار أو أمارس ذالك الخطاب الاستهلاكي، الذي مله القارئ والمتتبع للمشهد السياسي السياسية، لكني في المقابل أود الحديث عن تقييم للمرحلة الحالية والتي تعرف تذبذبا وعدم استقرار سياسي، خصوصا أمام فشل الهياكل الحزبية في إقناع المواطن بخطاب عقلاني يحترم ذكاءه وانتظارا ته وآماله في مغرب مشرق وبرنامج جدي يلاءم الجوانب الموضوعية، من ناحية الأرقام لا تلك الفلكية والوردية والتي لا تتسم بالواقعية، وان كانت من الأسباب ولو الصغيرة في عزوف المواطن عن المشاركة السياسية.

إن أحزاب اليسار إن ما نحن دققنا في خطابها نجده لم يتطور ولايزال في تلك الصيغة الخطابية التي تذكرنا بما قبل انهيار جدار برلين و الحرب الباردة و الأغاني الحماسية من صنف الكاتيوشا، مما يجعله منه تيارا لا يتلاءم مع المتغيرات التي يعرفها المغرب سواء اقتصاديا او اجتماعيا .

أما سياسيا نجده ينهل من نظريات المؤامرات والحصار الممنهج من طرف الدولة "المخزن" ، رغم ان هذه التهمة استهلكت إلى درجة أنها أصبحت مملة رغم أنها تحمل في جزء منها الكثير من الصحة .

لذا أود أن أطرح عدة تساؤلات امام هذا اليسار، أين أنت؟ أمام رفض مستمر (متباين الحدة حسب الحزب ) لقواعد اللعبة السياسة، والتي -نعم- يشوبها بعض الخلل كنظام اللائحة او التقطيع الانتخابي وتدخلات السلطة احيانا، لكن هذا لا يعني إبراء الذمة وترك الساحة امام التيارات الاخرىَ التي لا تاريخ نضالي لديها ولا تكوين يؤهلها للممارسة السياسية. اين انت في المشهد الإعلامي ؟ ودورك الطلائعي سواء على المستوى السمعي البصري او المكتوب (الثقافي أيضا) هذا لا يعني حمل يافطة ما وتبني شعار"الدولة تمنعنا من الولوج للمشهد"، كما اننا اليوم امام سيل من المتغيرات التي تمس هذا المشهد والذي يجعل الامر متاحا ولو امام البدائل الاعلامية لليسار في تقديم افكاره وتبسيطها للمتلقي.

ان اليسار لم يعد لديه نخب سياسية لديها القدرات التواصلية الكفيلة ،لايصال مبادئه وتوجهاته (للمواطن البسيط) .

نقطة اخرى وجب استحضارها هي التساؤل حول توفر اليسار على ديمقراطية داخلية تعكس ديناميكية وصدق المبادئ التي ينادي بها ؟ هذا يوجهنا ايضا بشكل اتوماتيكي لسؤال ما مدى تجدد النخب؟ ام ان الامر اصبح لدى بعض الاحزاب السياسية لا فرق بين الحزب والمزرعة، مادام الاثنان يدخلان في قسمة الارث و ارضاء المحيطيين بجزء ولو يسير من الكعكة، هذا بدون الحديث عن كم المتناقضات الضخم الذي يعاني منه اليسار، كيف لأحزاب يسارية تنادي بالشفافية والديمقراطية -وهي تشوبها بعض الشوائب-، اخرها استفسار -ان لم نقل مطالبة- المجلس الاعلى للحسابات لبعض الأحزاب حول مآل جزء من المال العام والكيفية التي صرف بها .

'' تميل أحزاب اليسار عادة إلى إخفاء ضعفها عبر التركيز على إنتاج بيانات ثورية، أو نصوص يسارية. في حين تبقى ممارستها السياسية عموماً دون المستوى المطلوب.
وغالبا ما نجد انفصاما واضحا بين خطاب أحزاب اليسار وممارستهم''

جانب اخر ترجع له الكثير من التحاليل التي درست أزمة الأحزاب اليسارية بالمغرب إلى تخليها عن استراتيجية النضال الديمقراطي، وعدم وضوح مرجعيتها، وضبابية مواقفها، وكثرة تنازلها عن المبادئ التي أسست من أجلها، واستنزاف قدراتها بالتشردم، وتضييع جهودها في مواجهة أحزاب إسلامية (احيانا او ظاهريا) أعلنت انتماءها للعمل الديمقراطي، واستقطاب بعضها للأعيان من أجل تحقيق مكاسب انتخابية والتخلي عن مبدأ المنخرط الحزبي الفاعل والمقتنع بمبادئ الحزب، وعدم قدرتها على حل مشاكلها الداخلية بطرق ديمقراطية، وإحلال الطموحات الشخصية موضع القناعات الحزبية والوطنية. وإذا كان الجزء الأكبر من هذه الانتقادات موجه للاتحاد الاشتراكي، فإن الأحزاب اليسارية الأخرى غير بعيدة عنها، لأنها دخلت بدورها منطقة الانقسامية التي تهيمن على الحياة السياسية المغربية منذ نهاية الاستعمار.

وأمام مسلسل الانتقال الديمقراطي المتواصل والذي لا ينتهي وخطاب شعبوي مهيمن ألم يحن الوقت أمام اليسار أن يجمع شتاته ويستيقظ من هذا التيه الذي حل بأركانه وبعث خطاب وبرنامج سياسيين يتلائمان مع متطلبات المواطن والمشهد السياسي والظرفية التي تستدعي مبادرات حقيقية و الأهم التكتل وتقديم تضحيات حقيقة وعمل سياسي؟ وهل بإمكان المرء أن يبقى ارسطيا وهو يقوم بإجراء مقارنة تفضيلية بين الأخلاق والسياسة دون ان يبدو قديما ؟