سلمى تهبوش
مرة أخرى يُخلفون موعد الوطن مع الإصلاح، ويستمرون في تعطيل كل ما من شأنه أن يدعم عميلة الانتقال الديمقراطي وأن يضمن للجميع حياة كريمة وعادلة... هذا ما تأكد وبدا واضحا ونحن على بعد أيام من رحيل سنة 2013، سنة سترحل مُخلفة أحداثا وإخفاقات تفند كل الطروحات التي توهم أن عجلة الإصلاح بدأت تسير فعلا في الاتجاه الصحيح، وأن قطار التغير سيصل في وقته المنشود لا محال! لا بد لنا إذن أن نعترف بأن عقارب الزمن وحدها تتقدم تحت سماء هذا الوطن، في حين أن رحلة إصلاحه لم تنطلق بعد. فهو لا يزال يقبع في مكانه الذي لم يبرحه منذ سنتين من الزمن، حيث أن كل ما تم الترويج له بالأمس القريب باعتباره محاولات جادة رامية لإحداث إصلاح حقيقي، لم يكن سوى مسكنا استلزمته مرحلة الخطر، لتنكشف الحقيقة جلية بعد زوال حالة التوتر وانقضاء فترة الغليان.

ولنا في مختلف التطورات التي عرفتها قضية الصحفي علي انوزلا -على سبيل المثال- صورة واضحة لحجم التراجعات التي تهدد مجموعة من المكتسبات كنا نعتقد في ما مضى أنها تحققت على المستوى الحقوقي، خصوصا في شقه المتعلق بحرية التعبير. فسواء اتفقنا أو اختلفنا مع الصحفي علي انوزلا لا يمكننا إلا أن نرفض ما تعرض له وما وجه له من تهم! فهذه القضية عرّت عبر مختلف مراحلها التعثر المستمر الذي تشهده عملية الإصلاح المؤسساتي، فلا أحد يجهل أن عودة التوازن لمجريات التحقيق في حيثياتها لم يكن ليتحقق دون مساس واضح باستقلالية القضاء. و كأننا مجبرون في هذا الوطن على اللجوء لأشخاص معينين حتى نتمكن من الحصول على أبسط حقوقنا، وإلا فحن مهددون بمواجهة أشكال من المضايقات...

سنة 2013 لم تكن سنة التراجعات الحقوقية فحسب، فلعل أبرز ما ميزها على امتداد إثني عشر شهرا هو الأزمة السياسية التي مرت بها الحكومة والتي أبانت عن محدودية الحكمة والذكاء السياسيين لدى مكوناتها، فانصب اهتمام الجميع حول توزيع الحقائب الوزارية ومحاولة إرضاء الخواطر والطموحات الشخصية للبعض على حساب مصلحة البلاد وبرامج إصلاحها المتوقفة. فأصبحت مسألة تشكيل حكومة جديدة تعتبر مكسبا في حد ذاته، خصوصا من طرف أولئك الذين كان همهم الأول و الأخير هوالاستمرار في مقاعدهم، بغض النظر عن أدائهم السياسي. فكان لهم ما أرادوا عندما أعلنوا عن تركيبتهم الحكومية المهترئة والمشتتة والمتنافية في طريقة تشكيلها مع جوهر الوثيقة الدستورية والتي من المفترض أن تعمل هذه الحكومة على تنزيل مضامينها، هذه الوثيقة والتي بالرغم من اعتبارنا لها دون التطلعات إلا انها تتضمن مجموعة من المكتسبات مقارنة مع سابقتها... مكتسبات لازلت مجرد حبر على ورق، ولعل ملف الانتخابات الجماعية وتأجيل النظر في قوانينها التنظيمية لخير دليل على تأخر تنزيل مضامين هذا الدستور.

لابد إذن أن يسجل التاريخ للوطن سنة بيضاء من عمر الإصلاح، وأن يسجل لأبنائه وبناته ومعتقليه ولكل القوى الديمقراطية سنة من الصمود والنضال. في الأخير وجب التذكير أن تجاوز حالة العطل التي تمر بها عجلة الإصلاح السياسي لن يتم من دون إرادة سياسية حقيقية، ووعي مجتمعي شامل ومشاركة فعالة لنخبة المجتمع ومثقفيه في إرساء الدعائم الأساسية للانتقال الديمقراطي… وإلا سنجد أنفسنا عند متم كل سنة نعيد إنتاج نفس الخلاصات ونراكم نفس الإخفاقات وهو ما يعني اتساع المسافة بين الواقع السياسي للبلاد ومطمح إصلاحها.