عرف الاسبوع الاخير من 2013 حدثين سياسيين مهمين وبرمزية محيرة وغير مفهومة . كان بطلهما الشخصية السياسية الاولى في المغرب اي الملك محمد السادس والشخصية رقم 2 في تراتبية النظام السياسي اي رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران . الغرابة أن اشارة الثاني أخذت اكبر نسبة من النقاش والصخب الاعلامي بينما اشارة الملك مرت في شبه تجاهل تام مع أنها الاكثر رمزية . لنوضح :
" كما استمع الملك بإمعان لشكوى عضو من المكتب المسير بخصوص الإشعار الذي توصل به الفريق من دار الضرائب، ويقضي بأداء الرجاء ملياري سنتيم، واعدا بالنظر في المسألة، وقال، بعد ضحكة طويلة، "ملقاو وقتاش يرسلوها ليكم، غير اليوم". (تفاصيل أخرى في "أخبار اليوم" عدد الخميس 26 دجنبر 2013)
هذه الفقرة ماخوذة من مقال اخباري اورده موقع اخبار اليوم استنادا الى مصادرها يتطرق فيه لحدث الاستقبال الذي حظي به فريق الرجاء البيضاوي لكرة القدم من طرف الملك محمد السادس بعد انجازه المتمثل في الوصول للعب مباراة النهاية ضد فريق البايرن الالماني برسم بطولة العالم للاندية التي احتضنها المغرب ٠
ماقاله الملك امام الرجاويين لم يتعامل معه إعلاميا كما يجب الا من باب الاشارة الملكية الاجابية تجاه فريق اسعد المغاربة ولو للحظة خاطفة مع انه صادر من المسؤول الاول في المملكة والذي يعتبره الدستور الحالي الضامن لسير المؤسسات و حامي الدولة والساهر على تطبيق مقتضيات القانون الاسمى للبلاد .
تصرف الملك أمام شكاية مسير الفريق يمكن تقسيمه الى ثلاثة اشارات :
الاشارة الاولى تتعلق بالوعد بالنظر في مسألة الضريبة والاشارة الثانية هي قوله "ملقاو وقتاش يرسلوها ليكم، غير اليوم" أما الاشارة الثالثة والفاصلة بين الاثنتين و هي ضحكة الملك الطويلة .
التسلسل المنطقي للاشارات الثلاثة يفترض أن تكون كالتالي : مسير الفريق الرجاوي يستغل لحظة وقوفه عفوا انحناءه امام الملك ليشتكي له قيام مؤسسة عمومية مكلفة بتحصيل الضرائب بأداء واجبها القانوني وهو مراسلة مسؤولي الفريق باداء مابذمته لخزينة الدولة . يعني أن المسؤول الرجاوي يترجى رئيس الدولة المؤتمن على حسن تطبيق القانون بمساعدته على التهرب الضريبي والذي يجرمه القانون المغربي . رد فعل الملك المنطقي المتسامح إذن هو ان ينبهه الى ضرورة الالتزام بالقانون ودفع مابذمة الفريق خاصة ان الفريق حصل على مبالغ مهمة في مشاركته العالمية لأن الرياضة أخلاق ومواطنة . اما رد الملك القانوني المحظ فهو أن يامر النيابة العامة بمتابعة المسؤول الرجاوي اولا بتهمة محاولة التهرب الضريبي وثانيا بمحاولة استغلال نفوذ الملك لوقف او عرقلة تنفيذ القوانين المتعلقة بالتحصيل الضريبي .
لم يكن شيء من هذا بل كانت اشارات الملك تسير في اتجاه السخرية من القوانين وضربها عرض الحائط . والا ماهو تفسير القهقهة الطويلة بعد سماعه شكوى المسؤول الرجاوي ؟ لو لم تتبع بجملة لصعب تأويلها . لكن أن يتبعها بقوله "مالقاوش وقتاش يرسلوها ليكم غير اليوم " فهذا يعني أنه مع إرجاء وقت دفع الضرائب الى تاريخ آخر . بأي مبرر ؟ لأن الفريق ربح فلوس اوفرحان !!!! لنفترض أن كل شخصية معنوية او ذاتية تقتدي بالاشارة الملكية وتتعامل بالمثل كلما جاءتها رسالة لدفع الضرائب ، كيف سيكون حال خزينة الدولة والتي تعاني الشح في هذا المجال بسبب الفساد والمحسوبية التي تسري في كل جسدها ؟ وحتى يقطع الشك باليقين في مضمون الاشارتين الملكيتين ، نطق محمد السادس بإشارته التي لاتحتاج مناقشة او تأويل . لقد وعد بالنظر في المسألة ،ليعلن موت القانون بين يديه ويصبح تقديره في القضية هو القانون بعينه . هل المطالبة بتطبيق القانون يحتاج للنظر الملكي .؟ هل يريد الملك دفع ضرائب الرجاء من "جيبه الخاص " أم إرجاء دفع الضرائب لوقت آخر أم إعفاء الفريق من أداءها نهائيا ؟ وماذا عن الفرق المغربية الاخرى ؟ثم هل هناك مسؤول ضريبي بعد اشارات الملك سيجرؤ بالعودة لمطالبة الفريق بدفع ضرائبه خوفا من معاكسة الاشارات الملكية ؟ إنه العبث بكل بساطة بالقوانين وبالدولة في اسوء صوره .
الحدث الثاني الذي أنجزه رئيس حكومة الملك عبد الاله بنكيران بتفوق هو تصريحه امام البرلمان في لحظة غضب (يقال الغضب هو بداية الفشل في الحب والسياسة ) والذي مفاده أنه يعرف المهربون الكبار للاموال للخارج والذين في كروشهم العجينة اي التماسيح والعفاريت . وحين طالبه بعض النواب بالكشف عنهم رد عليهم بعد قهقهة طويلة بأنه لن يكشف عنهم . الله أكبر ظهر الحق وزهق الباطل !!!
رئيس حكومة منتخب وامين عام حزب العدالة والتنمية الذي وعد بمحاربة الفساد والمفسدين باسم اسلام العدل واسلام "الساكت على الحق شيطان اخرس "ويأتي في الدرجة الثانية في تراتبية النظام المغربي يصرخ أمام نواب الامة وعلى مشهد من كل المغاربة " أنا أعرف ناهبي خيرات المغرب ومهربيها للخارج لكنني لن افضحهم ولن اتابعهم لأنني قررت او امرت بالعفو عنهم باسم قول الاهي عفى الله عما سلف .وإذا مااحتاجت حكومتي للسيولة أقترض ماشئت من المؤسسات الدولية وإن بفوائد مرتفعة لأن خدمة الدين لن تبدأ الا بعد أن نغادر الحكومة ومعنا امتيازات التقاعد والتعويضات السمينة ووحدهم من لاسند لهم من عامة الشعب سيدفعون الثمن لعقود طويلة . ذهب الدين وذهبت الدولة ولم يبقى الا ان يذهب الوطن للجحيم . المصيبة والفضيحة أنه اشار في غمزه لبعض الاستقلاليين الذين تحالف معهم في السلطة لسنتين . فأين القضاء الذي يتحرك على الفور كلما تحدث مواطن عن الفساد . بنكيران يقر بأنه شكل حكومته مع مهربي اموال وكان يعرفهم ولكنه يرفض التبليغ عنهم ...ياللعجب على سياسيي بلدي .
الملك يشجع على التهرب الضريبي ورئيس حكومته يشجع على تهريب الاموال الى الخارج ...وبعد ذلك سيقولون للمغاربة اصبروا على الازمة العالمية وارتفاع الاسعار وتجميد الاجور وغيرها ...إن ذلك من عزم الامور ...
كم هو سهل أن تتحدث عن حب الوطن لكن ماإصعب أن تجد وطنا لتحبه ...
ناصر موحى