اللاشيئيون

03 Jul 2020 : 11:19 تعليقات: 0 مشاهدات: 
Khalidbekkari.jpg
Yennayri
منشور من طرف Yennayri

بقلم: خالد البكاري 

في سائر بلاد الدنيا، هناك حكومات في الواجهة تدبر الشأن العام، وهناك دولة عميقة بمثابة حارسة التوجهات الكبرى للبلاد.

والعلاقة بين دولة "الركح" التي يراها الجمهور ويحاسبها، ودولة "الكواليس" التي تمسك خيوط اللعبة في الظلام، تتجلى في حجم اللعب" المرتجل" المسموح للممثلين فوق الركح.

في الدول الديموقراطية هناك مساحات للتفاوض بين الممثلين والمخرجين، وأحيانا قد تخرج التناقضات العابرة بينهم للعلن، لكن سرعان ما تتم معالجتها عبر التسويات. لكن إذا رفض الممثلون التسوية، فإنهم يؤدون أدوراهم بالكيفية التي يرونها، وربما ينتظرون مؤامرات في الخفاء لإزاحتهم في المحطات الانتخابية.

طبعا هي ليست حرب ملائكة وشياطين، بل صراع مصالح ولوبيات ، يصل في مرحلة معينة عبر تراكم غير مرئي إلى أن تصبح قواعد اللعبة الكلاسيكية غير قادرة على فرض تسوياتها.

ويذهب المواطنون في هذه البلدان لصناديق الاقتراع، وهم مدركون أن عليهم الاختيار بين السيء والأسوء.

في بلدنا، والبلدان التي تشبهنا، لا إمكان لتسويات بين حكومة الواجهة ودولة "الظل"، ويمنع خروج الممثلين عن النص المكتوب، وأي محاولة في هذا الاتجاه تعني اعتزال الممثل "المرتجل".

ولذلك نجد أن المواطنين الذين لا زالوا يؤمنون بفائدة الانتخابات، لا يذهبون للتصويت للاختيار بين السيء والأسوء، بل فقط لقطع الطريق على "الشفارة". ومن محطة لأخرى يقل عدد المصوتين، وتزداد أعداد "الشفارة" و"الريعيين" و"أغنياء السياسة".

في المغرب، بات الجميع يعلم أن الحكومة لا تحكم، وفي الأزمات لا تمارس حتى التدبير.

هذا المعطى "البديهي" المتوارث، خلف "ردود فعل" متباينة، تبتدأ من الاعتراض الراديكالي، وتنتهى بالموالاة اللاشيئية.

 ففي مغرب اليوم لا يوجد ثوريون مقابل إصلاحيين، ويمكن أن نجازف بتقسيم على هذه الشاكلة:

الاعتراضيون : لا توجد قوة سياسية تعلن صراحة أو عبر مواقفها وممارستها أنها تسعى لتغيير النظام السياسي، فحين تنادي هذه القوى بدستور ديمقراطي، وانتخابات نزيهة، وربط المسؤولية بالحاسبة، والحق في التنظيم والإعلام العمومي، فهي تنتج مواقف راديكالية مقارنة بالسائد،ولكنها تنتجها من داخل النسق لا من خارجه.

وليس هناك فرق كبير بين حملة شعار "نظام شعبي ديمقراطي وطني"، وبين حملة شعار "ملكية برلمانية" ، كما لا فرق كبير بين مقاطعة للانتخابات دون تأثير في مجرياتها، وبين مشاركة تفتقد لأفق يجعل العمل من داخل المؤسسات يتجاوز اعتباره منصة "للاعتراض" فقط، إلى قادر على خلق اهتزازات داخل البنية المؤسساتية نفسها بما يجعلها جسرا لبناء تفاوضات حقيقية تحدث تحولات في بنية النظام السياسي.

الفتاتيون: هم كائنات حزبية تتراوح بين المستسلمة لقدرية احترام القواعد الضمنية والصريحة، وكل همها ألا تقع في مصيدة التسلل، أو أن يرتكب أحد لاعبيها ما يوجب الطرد، وبين من يبني مقاولات ويستقطب زبائن للاستفادة من الفتات المتبقي على المائدة، وبينهما من يعرض خدمات لتجويد نسق "المكيجة".

هذا لا يعني أن فريق "الفتاتيين" منسجم، بل تقع صراعات بين أطرافه، وتنتج عن هذه الصراعات اهتزازات خفيفة، قد تنتج عنها أحيانا بعض المكتسبات، ولو أنها نادرة.

بين هاتين الفئتين نبتت فئتان غير حزبيتين للقيام بأدوار فرضتها طبيعة الممارسة السياسية تاريخيا:

الإطفائيون: غالبا يقومون بأدوار الوساطة في أوقات الأزمات، وتتمثل أدوراهم في نزع فتيل التوترات.

منهم من يحركه هاجس تقديم خدمة للدولة، ومنهم من يستثمر علاقاته لإيمانه بنبل التسويات.

وغالبا لا ينظر لهؤلاء بارتياح، سواء من طرف "متشددي" الدولة من أصحاب الخيار الأمنوي، أو من طرف المعارضين الراديكاليين الذين ينظرون لهم باعتبارهم كابحين لحركة تغيير راديكالية.

ومهما كان موقف هؤلاء من الإطفائيين ( التسمية ليست قدحية) فإنه يبدو من خلال تتبع ما وقع من حراك الريف لحد الآن أنه تم ركنهم أو الاستغناء عنهم، رغم أن الحاجة لهم هي أقوى من أي وقت مضى.

اللاشيئيون: بعد الاستغناء عن الإطفائيين نتيجة الاعتداد الكبير بنجاعة "الأمننة" ، أصبحت الساحة مرتعا للاشيئيين.

هؤلاء لا يعرفون غير التطبيل والتبرير.

هم لاشيئيون، لأنهم لا يقدمون اقتراحا ولا نصيحة ولا اعتراضا منبها، ولا ينزعون فتيل توتر.

إنهم ينتظرون ما تقوم به الدولة، ليبدأوا حفلات التطبيل أو اللطم، الزغاريد أو البكائيات، التلميع أو التهجمات الرخيصة، ولا يخجلون حتى من الرقص الستربتيزي أمام شخصية صاعدة،ثم إذا تمت معاقبتها من "الفوق" لا يتورعون عن إطلاق الرصاص على سيارة الإسعاف السائرة بها نحو "الگاراج".

إذا كانت بنية الدولة العميقة / المخزن لم تقتنع بعد بضرورة البدء في تحول نحو الدمقرطة ولو ببطء، فعلى الأقل يجب أن تعي أن المرحلة المقبلة ستحتاج فيها للإطفائيين، وليس لبلطجة اللاشيئىين، تحتاج لمن يعترض ولو همسا وفي دوائر مغلقة، ولا حاجة لها أبدا بال"نگافات".

Tags: None

العلامات

Yennayri



قام بإرسال الخبرYennayri.com
http://yennayri.com/news.php?extend.5016