بقلم ناصر موحى
كان الحسن الثاني الذي حكم المغرب بيد من حديد ونار من 1961 الى 1999 يفتخر دائما بأنه واحد من زعماء العالم الثالث القلائل الذين أرسوا نظام التعددية الحزبية في بلدانهم في فترة كانت موجة أنظمة الحزب الوحيد هي السائدة . كانت البداية مع حزب الاستقلال الذي هيمن على المشهد طوال خمسينات القرن العشرين عندما خرج من رحمه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع اولى سنوات الستينات . تتابعت الانشقاقات لاسباب تنظيمية وإديولوجية بتدخلات مباشرة وغير مباشرة من نظام الحسن الثاني . ونبتت تنظيمات حزبية اخرى كالفطر تظهر
وتختفي حسب رغبات المخزن حتى اصبح المشهد الحزبي المغربي كبركة آسنة لكل الطحالب السياسية . نفس الوضع عرفه القطاع النقابي وإن بشكل متأخر نوعا ما إذ ظل الاتحاد المغربي للشغل المركزية النقابية المهيمنة الوحيدة حتى أواخر السبعينات عندما شكل منشقون عنها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل , وبذلك يلتحق النقابي بالحزبي لتتناسل النقابات كما الاحزاب حتى اصبح لكل حزب دكانه النقابي .
هل الوضع صحي ويعكس دينامية المجتمع الليبرالي التعددي الذي اختاره المغرب كما كانت ابواق نظام الحسن الثاني تتباهى به أم ان الامر يتعلق بتنزيل سياسة فرق تسد ذات الاصول الاستعمارية ؟
الجواب لايحتاج كثير عناء .
فعلى الضفة المقابلة للنهر يكمن نصف الصورة كما هي وليست كما أريد لها أن تظهر عليه . فمثلا نقابة الاتحاد العام لمقاولات المغرب التي تمثل البورجوازية الكومبرادورية , بتعبير مهدي عامل والعدو النقيض المفترض للنقابات العمالية , تم تأسيسها على يد الفرنسيين سنة 1947 تحت اسم الكونفدرالية العامة للباترونا بالمغرب . (CGPM)
وبالرغم من انها غيرت الاسم عدة مرات قبل ان يستقر على الاسم الحالي الاتحاد العام لمقاولات المغرب انطلاقا من سنة 1995 فإن نادي صحاب الشكارة المغاربة والاجانب حافظ على تنظيمه الوحيد والمهيمن وأهدافه المتمثلة في الدفاع عن مصالحه في مواجهة مطالب العمال .
فأين تعددية النظام الليبرالي التي ينادون بها ويدفعون الاحزاب والنقابات نحوها في حين لايقبلونها في ضفتهم ؟ هل تجمع الباطرونا في شكله الحالي اقرب لتنظيم بمرجعية فلسفية التعدد وحرية التعبير والتنظيم ام شكل لنظام التنظيم الوحيد والمرشح الوحيد والراي الوحيد الذي يميز الانظمة الدكتاتورية ؟
في التفاصيل تتعرى عورة الشيطان ...
في صيف 2005 تحدث باطرون الباطرونات آنذاك حسن الشامي عن ضبابية نظام الحكامة ومعه مصادر اغتناء البورجوازية المغربية . قد يبدو التصريح عادي جدا في اي بلد ليبرالي . لكن الامر في المغرب يعتبر بمثابة دسارة وتجاوز الخطوط الحمراء .وهو ما جر عليه غضب القصر والأغنياء اللي في كروشهم العجينة . على الفور تم إرسال مفتشي الضرائب لمكاتب شركة الشامي ليفهموه أن الجميع استفاد من هذا النظام وضبابيته بمن فيهم صاحب التصريح . التقط الرجل الاشارة وبلع فمه عن الكلام الغير مباح بصفة نهائية .
بعد الحادثة التي كانت درسا مخزنيا للجميع تولى مقربي محيط الملك الجديد محمد السادس مهمة "تعيين" مرشح القصر الوحيد قبل عملية التصويت التي اصبحت شكلية وابعاد من لم يؤشر عليه قبليا.
إكتمل المشهد واصبح اكثر وضوحا ...
التعددية ضرورية ومفروضة قسرا على تنظيمات المجتمع المدني والسياسي والنقابي لأن المغرب بلد يتبع النهج الليبرالي اقتصادا وسياسة ويمنع الحزب الوحيد حسب دستور 1962 . لكن التعددية وقيم الليبرالية ممنوعة في ضفة الذين يشكلون التحالف المخزني وعماد النظام السياسي . لأن ذلك سيضعفهم ويشتت صفوفهم في مواجهة اعدائهم الابديين القوى العاملة .
خلال مؤتمر للباطرونا المغربية ( ك ع م م ) الذي انعقد في 16 ماي 2012 كانت مجرياته اقرب لمؤتمر نقابة الحزب الشيوعي الروماني الوحيدة في عهد تشاوسيسكو منها لنقابة في نظام ليبرالي . فالمرشحة الوحيدة مريم بن صالح المدفوعة من محيط القصر الملكي ستواجه نفسها وبرنامجها يدور على محور" نعم سيدي لي بغاها القصر هي اللي كاينة " مثل سابقها حوراني . ومآت المؤتمرين معفيين من المناقشات الماراطونية والبيزنطية ودورهم محدد سلفا وهو التهام الحلويات الغالية والمشروبات الاغلى وضرب الرش على بنصالح وكفى الشكايرية شر الصراعات التي ستضعفهم وتستفز صقور دار المخزن .وفي المؤتمر الاخير لاصحاب الشكارة الذي انعقد في ماي 1018 تم اسقاط صلاح الدين مزوار بالمظلة من قبل القصر الملكي ليترأس التنظيم اللوبي خلفا لمريم بنصالح رغم انه لم يكن ينتمي أليهم من قبل . لكن بعد سنة ونصف تمت اقالته على خلفية تصريح له في مؤتمر دولي بمراكش حول العلاقات المغربية الجزائرية لأنه لم يرق مزاج البلاط الملكي .
واضح ان التعددية السياسية التي ظل يتباهى النظام المغربي بكونه من السباقين الى ارساء قواعدها لم تكن تعددية حقيقية في سياقها الليبرالي بل كانت وسيلة من بين أخريات أريد بها تشتيت اي تنظيم يشكل تهديدا حقيقيا لمصالح النظام وتمييع مقصود لها سواء في صيغته الليبرالية او مايتجاوز هاته الأخيرة .