كتبت الاعلامية المغربية المتألقة فاطمة الافريقي مقالتها الاسبوعية يوم الخميس الماضي باسلوب متخن بجروح المرارة والانكسار .و فهم من خلال نبرة ثنايا سطورها على انها ستكون آخر ماتكتب بعد ان لم تعد قادرة على الصمود في وجه آلة الترهيب المخزنية وتهديدات مخبريه بالنيل منها ومن حياة اعز مالديها اطفالها حسب تعبيرها .
فاطمة الافريقية التي عرفناها بصوتها الدافئ من خلال برامجها الفنية على شاشة القناة الاولى المغربية والتي كانت عبارة عن ثلاجة اعلامية تابعة لأحد مكاتب وزارة الداخلية . لم نعرف عنها جانبها المتمرد على الوضع وعلى الذين صنعوه الا مع انطلاق الحراك الفبرايري المغربي الذي احياها من جديد حسب قولها , حيث ظهرت بشكل لافت سواء بحضورها الدائم في مسيرات حركة عشرين فبراير او من خلال تصريحاتها النارية وكتاباتها المتميزة بالحدة والسخرية في وجوه كل الماسكين بزمام الحكم في المغرب.
وقبلها بشهر تقريبا اتخذ الكاتب المغربي المتميز سعيد ناشد قرار التوقف عن الكتابة ولنفس الاسباب وان اختلفت الظروف في مقالة اعتبرها الاخيرة في انتظار تغيير الظروف في بلده المغرب ايضا او يجد بلدا كملجأ لأسرته بعد ان سدت المخابرات كل ابواب رزقه وعائلته بعد ان ورطوه حسب ماكتب في قضية مفبركة .
وقبلهما بسنة قرر الدبلوماسي السابق علاء الدين بنهادي التوقف عن كتاباته اللاذعة في مقالة الوداع بسبب الضغوطات القوية التي تمارسها جهات رسمية في بلده في حق السلطات السعودية .هاته الاخيرة خيرته بين الصمت او مغادرة مملكتهم . فاختار الحل الاخير لأنه لايريد ترك ارض الحجاز كما قال .
نماذج لأقلام مغربية استلت سيوف الكلمة الجريئة في لحظة معينة من مسارها لتجعلها سلاحا في مواجهة من تعتبرها السبب المباشر ,كل حسب موقعه وخلفياته , في حالة التخلف المزمن الذي يرزح تحت وطأته مجتمعنا المغربي . الشئ الذي جعلها محط متابعة لدى القراء سواء اختلفوا مع اراءهم او اتفقوا معها كليا اوجزئيا واصبحوا جزءا من جبهة تبحث عن مغرب آخر بوجوه جديدة وسياسات مختلفة وبديلة . لكن في لحظة ضعف ينكسر القلم من تلقاء نفسه خوفا على نفسه وخوفا على نسله .
لماذا التوقف في الوقت المعين ؟ وهل المبررات مقبولة لهذا التوقف عن الكتابة ؟ وغيرها من الاسئلة التي يحق لكل قارئ طرحها بكثير من العقل وقليل من العاطفة .
أن تتخذ قرار الكتابة وانت في سن متقدمة بجرأة وشجاعة لكشف عورات نظام استبدادي وبوليسي بدون تحفظ او اسثناء اي فرد او جهاز فيه يعني شئين :
أن تعتبر نفسك منذ تلك اللحظة لم تعد ملكا لنفسك فقط بل وملك لكل قراءك وللقضية التي اخترت بمسؤولية ونضج للدفاع عنها حتى آخر رمق .
أن تكون هيأت نفسك نفسيا واسريا ,كأي جندي يذهب لجبهة الحرب , لكل تبعات هذا الالتزام ,اي الكتابة , بمافيها كل انواع القمع والترهيب والاعتقال والقتل التي سيستعمل عدوك حتما احداها لاخراس صوتك لأنها من طبيعته المعتادة .
اما أن تشحد سلاح قلمك لإقناع القراء بضرورة النضال بشجاعة ونكران الذات فقط في لحظة يغلي فيها الشارع وتعيده الى غمده لحظة انحسار هذا الغليان بمبررات الخوف على فلذات الكبد فهو امر يدفع للشك في صدقية كل الحبر الذي أسيل دفاعا عن المضطهدين والمهمشين .ويعطي المصداقية لفرضيات من مثل أن ارتداء لباس المناضل بالقلم او بالدعم المادي لبعض البورجوازيين واشباه المثقفين الذين ملؤوا مانشيطات الصحف وعلى الشبكة العنكبوتية بصورهم مع بداية الحراك الفبرايري ثم انسحابهم منه مع تراجعه لم يكن الا عملا نضاليا انتهازيا بامتياز . لأنهم اعتقدوا ان مصير التغيير بالمغرب سيكون شبيها بمصير مصر وتونس بالخصوص وبحضورهم المتابع اعلاميا سيحجز لهم مكانا متقدما في المربع الذي سيخلف المربع المخزني الحالي .
المثقف الملتزم هو من يحترق كشمعة حيث يسود الظلام لينير دروب التغيير ويعري زوايا الأقبية وجحور الذئاب الحاكمة وابدا لن يكون كذلك من لايحرق شمعته الا حين يتحول الكل الى شموع .
في الحالة الاخير يصبح القلم قابلا لكل المساومات وقابلا لتحمل كل النعوت الاان يسمى قلما ملتزما عضويا. حين يتغير متقفينا من معارض الى مساوم او خائف مع ان النظام ظل كما هو لايتغير في اساليبه فأي مثال نعطيه للأجيال القادمة . وأي فهم نعطيه للتغير حين نخاف على حياة اطفالنا ولانخاف على مستقبلهم .
نداء أخير
تضامني اللامشروط مع كل الاقلام التي تقمع في المغرب وفي كل مكان . ويامن تريد النضال بالكلمة الأمينة الصادقة والشجاعة تأكد أنك مازلت غير متزوج وبدون اولاد باش المخزن مايلقا مايدير معاك...
ناصر موحى