حماد البدوي
إغتيال الشهيد بنعيسى جاء في سياق إخضاع الجامعات المغربية لإغارات متتالية من طرف المجموعات الأصولية و التي تعود بداياتها إلى سنة 1986، حيث كان هدفها إجتثات الوجود التقدمي المتجسد في فصائله اليسارية المناضلة من الجامعة.
كانت الإغارات تتنقل من جامعة إلى أخرى، و كانت أنباء الإعتداءات تتوارد، و كانت مواقيت الهجومات تختار بعناية.
و قبل إغتيال الشهيد المعطي، و من بعده الشهيد بنعيسى، كان آلاف المناضلين قد تعرضوا للأذى خلال كل تلك السنوات، إذ كان إستعمال العنف مبررا بل مفتيا بشرعيته، و كانت عمليات التحضير المادي و الحربي تلقى الدعم و التوجيه من طرف قيادات تلك المجموعات.
و طبعا في دولة أمنية مثل الدولة المغربية لا تخفى عنها شاردة أو واردة ، فقد تركت المجموعات الأصولية تنفذ خططها من دون إعتراض، و لا متابعة و لا حتى تحقيق، و هي (الدولة) التي كانت تنقب عن المناضلين في أقاصي القرى و تنصب لهم الكمائن فيتنهون أمام المحاكم بشكل دوري و مستمر على مدار السنين، بعد تعريضهم لصنوف من التعذيب في مخافر الأمن السرية.
الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح بعد مرور 20 سنة على إغتيال الشهيد بنعيسى هو: من وقف وراء عملية الإغتيال بالتنفيذ و الفتوى و التمويل؟ و من وقف وراء الإعتداءات المتكررة على الجامعة لمدة سنوات بالتدريب و التمويل و التحضير و نقل الميليشيات و إيوائها؟ هل كان للجماعات المنفذة لعملية الإغتيال حرس خاص شبيه بما كان لجماعة الإخوان المسلمين المصرية في الأربعينات؟ و هل يمكن أن يعود للنشاط كلما تطلب الأمر ذلك؟
و من داخل السلطة من أصدر قرار غض الطرف على ما تعرضت له الجامعة من إغارات طوال سنوات؟ هل كان هناك تنسيقا مباشرا ما بين قيادات الأمن و بعض قيادات الجماعات المتورطة في "موقعات" الجامعة، و منها موقعة إغتيال الشهيد بنعيسى؟
هذه هي بعض الأسئلة التي يجب أن تجد جوابها في قضية الشهيد بنغيسى بعد مرور 20 سنة على إغتياله.


مقتطف من مذكرات حماد البدوي <سنوات الرمل>

حزن على صديق و رفيق
النبأ نقلته نشرة المغرب العربي التي كانت تقدمها إذاعة ميدي 1 على الساعة 07 و45 دقيقة مساء. وجاء فيه أن "زعيم الطلبة القاعديين بجامعة فاس قد تعرض للاغتيال على يد مجموعة إسلامية". كدت أصاب بالجنون وأنا أحاول أن أخمن من يكن يا ترى الضحية. هل هو واحد من رفاقي المقربين، أم هو مجرد طالب نسب إلى فصيل القاعديين من طرف وسائل الإعلام التي عادة ما تجانب الصواب. طلبت من الأسير أن يخبر المسؤول عن المركز أنني أريد الحديث إليه، وعندما زارني في غرفتي أخبرته بالنبأ الذي أتى على هدوئي، ورجوته أن يتحقق من إسم الضحية إن كان ذلك ممكنا، فوعدني بأنه سيحاول، وبعد بضعة أسابيع كنت خلالها قد تناسيت ذلك الخبر، وقف الرجل فجأة أمامي، وقال لي: هل تعرف آيت الجيد محمد بنعيسى؟ قلت له: طبعا، فهو صديقي. ولوهلة ظننت أنه ربما تاه مثلي وهو موجود في ذلك المكان اللعين! فقال لي : إنه هو من قُتل في جامعة فاس. تخدر جسدي وروحي من شدة الحزن، ولا من يواسيني. لكنني قررت أن أخادع نفسي موهما إياها أن الرفيق والصديق لا بد أنه حي يرزق، وأن كل ما في الأمر أنني بعيد عن الوطن ويتعذر علي اللقاء به، مثله مثل غيره ممن تركتهم خلفي حينما لم يكن هناك بد من الرحيل. لكن، أسابيع بعد ذلك، عثرت على النبأ مؤكدا في جريدة ألجي ريبيبليكان الجزائرية. وبعد أربعين يوما وقعت بين يدي جريدة البيان وجاء في تغطيتها لذكرى أربعينية استشهاده: " تخليدا للذكرى الأربعينية لاستشهاد الطالب آيت الجيد محمد بنعيسى نظمت اللجنة الجمعية الانتقالية للإتحاد الوطني لطلبة المغرب بجامعة محمد بن عبد الله بفاس حفلا تكريميا لروح الفقيد، بحضور عائلة المرحوم آيت الجيد وممثلي الفصائل الفاعلة بالساحة الطلابية..."، وإلى جانب التغطية وضعت صورة الشهيد لمن لا يريد أن يصدق. يومها قصصت الصورة وألصقتها بحائط غرفتي، إلى أن طلب مني أحد أعوان الأمن نزعها، لأن المكان – حسب تعبيره - غير مناسب "لهذا النوع من الأشياء"، فما كان مني إلا أن نزعتها. مر شهر كامل على وجودي في ذلك المكان. حاولت خلاله أن أختلق الذرائع لمن قرر إبقائي هناك. قلت لنفسي قد يرجع الأمر لأسباب أمنية خوفا على سلامتي الشخصية! أو لأن ترحيلي إلى موريطانيا يستلزم قدرا من السرية ومن الترتيبات. لكن إرادتي تشاءمت بعد أن تشاءم عقلي. حينها عدت مرة أخرى لأطلب من الأسير أن يخبر المشرف على المركز أنني أريد مقابلته. وعندما جاء الرجل لمقابلتي، أخبرته بأنني لا أريد البقاء هناك، لأن كل شيء يدل على أنني رهن الإعتقال، وبأنني أريد المغادرة فورا. نقل الرجل سخطي لمن يهمه الأمر، فقُرر نقلي إلى مكان آخر