محمد الخضري
الخطوبة
بعد سنوات من الكساد، وعقود من الضياع والفساد، وقرون من الاستحواذ والاستبداد، في الإدارة والسياسة والإقتصاد،حيث قسموا الشعب بين عبيد وأسياد ، بعد أن أفرطوا في الضغط عن الزناد، وخوفا من تكرار سيناريو الأجداد، ويضيع مستقبل الأطفال والأحفاد، خرج الناس لتكسير القيود والأصفاد، وسلاحهم حناجر وأجساد، طالبوا بإبعاد كل جلاد، ومحاسبة كل من تورط في ضياع خيرات البلاد، وحقوق العباد، وانحراف الشباب وهم الأساس والعماد
وبينما كان الناس يخرجون بالأعداد، جاء رجل ذو لحية يدعي محاربة الفساد، وأنه من أهل الإصلاح والسداد، فقاد ثورة الصناديق بشعار " صوتكم فرصتكم ضد الفساد والاستبداد " ، فصدقهم العباد، ليصوت عليه بعض الأفراد ، ويصل إلى سدة حكم البلاد والعباد، لينقلب على عقبيه ويتحالف مع المفسد والجلاد
الزواج المحرم
وحتى لا تغرقوا معي في بحر القافية، دعوني استنجد بالعلم والطب والبناء لعل وعسى نفهم قليلا من فلسفة العارف بالله بنكيران وعلاقته بالفساد
مباشرة بعد فوز بنكيران في الانتخابات، رفع أصحاب القنديل شعار " عفا الله عما سلف "، وكأن الحقوق حقوقهم حتى يعفوا ويصفحوا عن الذين استنزفوا الصناديق وأكلوا أموال الناس بغير حق. وبما أنهم يعتبرون مرجعيتهم اسلامية، وهي بالمناسبة من أوصلتهم لسدة الحكومة المحكومة، وهذا حديث آخر، دعوني أذكرهم بأن حقوق الناس لا يحق لأحد ، حتى الله عز وجل، أن يعفو عن مغتصبيها إلا أصحاب الحقوق المغتصبة، وبعد رفع الشعار، أعلن زواجه رسميا بآل الفساد ليبدأ مسلسل " العشق الممنوع "
الدولة الفاسدة تشبه منزلا آيلا للسقوط، لا يحتاج إلى صباغة الجدران والواجهة ليظهر أنه بخير ولا تظهر التصدعات والشقوق التي تعتريه، بقدرما يحتاج إلى ترميم وتقوية لبناته "، وإلا سيسقط يوما ما على كل من يسكنه، فكيف بمنزل تآكلت أطرافه وبني على أساس غير قويم وبعشوائية ومن طرف بنائين لا يعرفون من البناء إلا الإسم
لكن بنكيران، باعتماده منطق " عفا " ، فضل الصباغة، بل استدعى مجموعة من البنائين السابقين، حفاظا على المصلحة العليا للوطن كما يحب أن يسميه في إطار " الإصلاح في ظل الإستقرار " وقد تجاهل أن المصلحة العليا للوطن توجد في إطعام بطون الجائعين ،وإيواء المتشردين ، وتشغيل الشباب، وتعليم الأطفال، وتطبيب المرضى، وتوفير الخدمات للمواطنين بكل عدل و مساواة. إنها القضايا الكبرى للوطن بعيدا عن عبادة وتقديس أي وثن ،وبدونها فليحترق هذا الوطن، ولن يتحقق كل هذا إلا باقتلاع الفساد من جذوره ومواجهة كل من يحرسه مهما كان منصبه
الدولة الفاسدة أيضا كحاسوب وقد " تعششت " فيه فيروسات وكل الملفات الموجودة فيه مفروسة، كلما تأخرت في الفرمطة، إلا وفقدت ملفات كثيرة وكلما تنتجه يصير مفروسا
منطق بنكيران عندما رفع مبدأ " عفا " كمنطق أن تفتح حاسوبك وتتوصل برسالة من برنامج الحماية إنتيڢيروس بوجود ' ڤيروسات خطيرة " و يطلب منك أن تحذفها فتتجاهل الأمر وتترك الڤيروسات تتكاثر مع ملفاتك الشخصية و تتابع عملك بكل ثقة خمس سنوات لتكتشف في الأخير أن " لي حرث الجمل دكو "
وأخيرا الفساد أيضا كأضراس مريضة، كلما تأخرت في اقتلاعها واكتفيت بتناول المسكنات لتؤجل الصداع إلا وكان ثمن اقتلاعها باهظا...وكان وقت اندمال الجرح طويلا، أو كسرطان ينخر جسم الإنسان، فوجب الكشف عنه مبكرا ومعالجته وإلا انتشر في الجسم عضوا عضوا حتى يقضي على الجميع...
فالكشف والعلاج بكري، بالذهب مشري كما تنصحنا به وزارة الصحة التابعة لحكومة السيد رئيس الحكومة
من خلال ما ذكر، يتضح أن عفو بنكيران عن الفساد والمفسدين يشكل هدية كبيرة لهم ليستجمعوا قوتهم ولتظل دار لقمان كما كانت عليه، ودعونا نطرح السؤال التالي : هل كان بنكيران ومن خرج في الميدان يقصدون نفس الفساد، أم أن لصاحب السبحة تعريفا آخرا لا يعرفه إلا هو وفريقه الملتحي ، ويخالف تماما الفساد الذي كان يقصده الشباب في الميادين ويطالبون بمحاربته واجتثاثه من جذوره وأصله ؟
فمثلا، يزعم بنكيران أنه يسعى لإصلاح صناديق التقاعد، دون أن يفتح تحقيق حول من أفرغ الصناديق وأوصلها إلى الإفلاس
وكي أختم كما بدأت بقافيتي المتواضعة أقول لأصف حال وطني الذي يظل على ما هو عليه مادام يسير بهوى من يحكمه دون مراعاة مصالح الشعب المغلوب على أمره
وطني في ضياع و تَلَفْ، حكومة لا تعرف إلا السَّلَفْ، ومفسد في نزهة و تَرَفْ، بعد أن نهب و هَرَفْ، وبعد سنوات من التسمين و العَلَفْ، بما أن بنكيران عفا عما سَلَفْ ،ولا يأبه لمن باع و من صَرَفْ، حتى و إن تيقن و عَرَفْ، أنا لن أغُضَّ الطَّرَفْ، هذا شيء يصيب بالقَرَفْ، مزق الوطنَ و قَصَفْ، وحقوقَ الفقراء جَرَفْ،وعن آمال الشباب والشابات عَصَفْ، و مستقبلَهم في المجهول قَذَفْ
ختاما أقول لهم جميعا : إذا كان أحدهم قد قال يوما : " إن الوطن غفور رحيم " فنحن نقول " إن الشعب شديد العقاب " وإذا رفع بنكيران شعار " عفا الله عما سلف " فنحن نقول أيضا " إن الشعب يغفو، ولا يعفو " فاعتبروا يا أولي الألباب