الضسطور" مخلوق مشوه قبيح الشكل نتن الرائحة, كلما سمعته تذكرت "Smeagol" الشخصية الحقيرة في فيلم "Le Seigneur des anneaux", و قد جاء نتيجة عملية تزاوج غير شرعية بين الأم المسماة "إمارة", و بين أب مجهول الهوية, مما أضاف صفة أخرى إلى "الضسطور" المسكين, و هي أنه لقيط و منبوذ ... عملية التزاوج هاته تمت يوم 9 أورانوس في مدة لم تتجاوز 10 دقائق, لكنها شملت الكثير من الأوضاع العميقة أهمها الجهوية الموسعة.
و لأن الأم لا تخجل من نفسها, و لا تستحيي أن تضرب عرض الحائط بالقيم المجتمعية, فقد أعلنت للعامة بفخر و اعتزاز عن عملية تزاوجها, و انتظارها لمولود غير شرعي تحمله بين أحشائها. و لكي يمر الحمل في أحسن الظروف, فقد أنشأت الأم لجنة طبية من عدة خبراء, أغلبهم جراحو تجميل, ليشرفوا على كافة الترتيبات اللازمة لتبقى هي و ولدها في صحة جيدة, إلى حين وقت إجراء العملية القيصرية التي اختاورا لها يوم 1 يوليوس, بسبب صحة الأم التي تجعل الإنجاب في ظروف طبيعية, المستحيل الوحيد في البلد, مادام كل شيء آخر ممكنا و مباحا.

أما العامة فبمجرد أن سمعوا خبر الحمل المفاجئ, انقسموا قسمين, الأول هلل و فرح لهذا الإنجاز التاريخي و الذي لم يسبق له مثيل, خصوصا أن الجميع كان يظن أن الأم عاقر لا تلد أبدا. خرج هؤلاء عن بكرة أبيهم إلى الشوارع و الساحات, حاملين أقمشة حمراء تشهد على الدماء الوفيرة التي يدعون أنها سالت بالأمس دليلا على طهارة الأم, و معها صور الوالدة و المولود المرتقب الذي أحبوه و تخيلوه و أطلقوا عليه الأسماء حتى قبل أن يولد. لم يكن الهمج وحدهم من فرح بالخبر, فقد خرجت السيارات و الدراجات و الحافلات و الحمير, تزطزط و تنهق في الطرق و الأزقة, و تعلن أنها رهن إشارة الفرحين لنقلهم بالمجان إلى حيث يرغبون, حيث تقررت الحفلات و الأعراس و التجمعات الشعبية و اللاشعبية و الخطابية, احتفالا بالحدث الأبرز للسنة. الجميل في هذه الإحتفالات, و هي نقطة إيجابية تحسب للمسخ "ضسطور", أنه جمع بين مختلف مكونات القطيع, من ذئاب و ثعالب همها الوحيد نهب الآخرين و ملأ بطونها و جحورها بما تجود به عليه نذالتها و مكرها, و حملان وديعة و حمامات بريئة تظن أنها مقبلة على عهد جديد أكثر أمنا و أمانا سيبدأ بعد ولادة "ضسطور", و حمير و بغال غبية لا تحرك إلا أذنيها لتسمع الأوامر و الإملاءات مقابل حفنة شعير أو كومة تبن يابس غامل. لقد اجتمع الأعداء و المتناقضون في نفس المكان بعد أن تفرقوا لمدة طويلة من الزمن, اجتمع التيس طويل اللحية الذي لطالما ادعى الخلق النبيل مع الضبع الكريه آكل الجثث و العفن, اجتمعت الفراشة الجميلة مع الضربان نافث الخنز الذي يجعل الأزهار تذبل, اجتمعت النملة الصغيرة التي لا وزن لها مع الفيل الكبير الضخم الذي يستطيع تدمير خلية النمل برشة بول واحدة, و اجتمع لاحسوا السكر و آكلوا البقايا من شتى أنحاء الغابة من أقصى يمينها إلى عمق يسارها, و من أعلى قمة الجبل إلى الدرك الأسفل من الحضيض ... كان الجميع على اختلاف ألوانهم و أشكالهم و لغاتهم, يصرخون مهللين منذ اليوم الأول الذي تلا العملية : "نعم ... نعم للضسطور" ... لم ينتظر القوم ولادته كي يسمعهم, فربما في قرارة أنفسهم كانوا يعلمون أنه لا هو و لا أمه يسمعون أحدا, و أن قدر "ضسطور" قد كتب و انتهى, و جف القلم و الورق الذي كتب عليه.
كان "ضسطور" سيستحق لقب الأمبراطور, لو أنه تمكن من حشد الجميع, لكن لسوء حظه كان هناك قسم ثان من المخلوقات, اشمئز من هذا العهر البواح, من الوليد القادم من ظلمات البطن إلى ظلمات الوطن, هؤلاء كرهوا المسخ و عرفوا شكله و مآله, فالعملية بأسرها كانت توحي بذلك, سواء صحة الأم أو توقيت و ظروف العملية, و كذا أعضاء اللجنة و المهللون لذلك كله ... خرج هؤلاء في بعد آخر بعيدين عن القسم الأول, يذكرون الجموع أن أمثال هذه المواليد لا تأتي بالخير أبدا, و أن مكانها المزبلة و ليس قلوب الناس و رفوف المكاتب. خرجوا يستنكرون غياب فترة الخطوبة و الزواج, و دعوة الأم لتبني ابنها من طرف الجميع و هو الإبن غير الشرعي الذي لا يجب أن يرث أبدا ... حلق هؤلاء في السماء عاليا كي يسمعهم غثاء السيل هناك في الجانب الآخر, لكن لاحسي الأحذية و لاعقي الأطباق كانوا قد أغلقوا آذانهم بالتبن و العلف المغشوش, و علا صراخهم "نعم .. نعم", على صرخات الشعب المنددة و المستنكرة, حتى ظن الجيران أن الكل ينعم و يقول "نعم", فبدأوا بإرسال برقيات التهاني و التبريكات إلى الأم و الأخوال, و يعلنون قبولهم بالمولود في جميع الأحوال.


لم تستسغ الأم أن يرفض البعض تبني ابنها البكر, فأرسلت الأفاعي و العقارب لتسمم المشككين و الرافضين, و فوضت لبنات آوى افتراس من يجرؤ على القول علنا بعدم شرعية الإخصاب, أو بعيوب عملية التعشيش و النمو ... انتفخ عنق الرحم و اقترب اليوم الموعود, اجتمع الأطباء و أخرجوا "الضسطور" إلى حيز الوجود, فرح الفرحون آنفا رغم التشوه الخلقي الكبير الظاهر و الباطن, و زاد غضب الغاضبين آنفا ليعلنوا استمرار حنقهم إلى يوم غير معلوم.
نما "ضسطور" سريعا بفضل الرعاية السامية التي تلقاها من الأم و العرابين و الأطباء, و وقاه بخور التيس ذي اللحية من العين, ليحتفل الفرحون بالأسبوع الأول, ثم الأربعينية, ثم السنة الأولى, أطلقوا عليه أسماءا عديدة مثل "جديد", "تاريخي", "ديموكراسي", ... تعددت الأسماء و المسخ واحد, لا تشفع له المسميات و لا الماكياجات و لم تنفعه عمليات التجميل, فقد ظل "ضسطور" قبيحا, و زاد قبحه بعدما رأى الجميع تصرفاته و أخلاقه الدنيئة, و فلتاته هنا و هناك, "ضسطور" لم يحترم أحدا كما كان منتظرا, لم تتغير الأحوال كما تمنى البعض, و بقيت على حالها كما تمنى البعض الآخر ...
الغاضبون أطلقوا عليه بدورهم أسماءا تسخر من شكله و اسمه و ملامحه, فقد عرفوه ب "زطوطو", "خوروطو", ... لم يقبلوا به و احتقروه, لكنهم اضطروا للعيش تحت مظلته و التأقلم مع تصرفاته الصبيانية, و كلهم أمل و انتظار ليوم قد تعلن فيه وفاته فجأة أو إكلينيكيا ... على غرار مصير مسخ "كافكا".

القصة أعلاه من وحي الخيال, أي تشابه بينها و بين الواقع فهو من قبيل الصدفة.
بقلم احمد العتابي‏

http://axurbic.blogspot.nl/2014/03/blog-post_7911.html?m=1