خميس بتكمنت
يعتمد النظام المخزني على مجموعة من الوسائل الأداتية لتحوير النقاش العام و إزاغته عن منحى تبني الأولويات الراهنية للزج به في هامش العبث المصطنع ، بالاعتماد على نهج تمويهي مغالط يختلق من خلاله أحداثاً مفبركة يقحمها في الرقعة الإعلامية للتداول كلما استشعر بخناق سياسي أو إحتاج لوقت مستقطع لترتيب و تسطير المقاربات الممنهجة فيعمد أن تكون اي خطوة تمويهية متوافقة مع شروط نجاحها في المهمة فيكون الخيار اﻷنجع هو استغلال الورقة الدينية في هذا الصدد بإعتبار ان الدين عنصر موحد بين جميع أطياف الشعب و في نفس الآن تختلف وجهات النظر حوله فيما يتعلق بتسييسه و كذا التوافقات الممكنة حول مدى إمكانية إعماله كمصدر تشريعي و إمكانية تغليب نصوصه على القانون الوضعي الكوني القائم على تكييف الوضع المجتمعي مع الذات المشرعة التي تساير تقدم الفكر الانساني فتتأقلم مع احتياجاته بتغليب العقل عن النقل .
و بالنظر الى شكل النظام المخزني المؤسس الذي يستمد شرعيته من الدين و الإنتماء لسلالة شرقية تحكم مجالا جيوسياسيا لاشرقي ، و بالنظر إلى تغييب متعمد ﻷسس ديمقراطية في الممارسة السياسية للدولة المخزنية و ما يرافق هذا التغييب من سلطوية و استبداد و تفشي للفساد في أركان الدولة بعد تغييب اي صوت يختلف مع الانساق الممنهجة في التدبير السياسي ، يقوم النظام المخزني بإستغلال الورقة الدينية كجوكير سياسي يحصنه من أي نقد قد ينتهي بتحميله مسؤولية التدهور المعايش في كافة المناحي و القطاعات ، و يأتي هذا الاستغلال من خلال الزج بمجموعة من الكائنات المحسوبة على تيار الاسلام السياسي لمجموعة من الاهداف و الوظائف ندرجها فيما يلي :
أولاً : قدرة ما يسمى بفقهاء البلاط على تجييش مشاعر الشعب الذي لا يميز بين الإسلام كدين رباني يقتضي علاقة إطرادية يين العبد و ربه و بين الاسلام السياسي الهادف الى حسم المعارك السياسية بإستخدام الدين مطية انتخابوية و سياسية تموه الناس ببلورة بديل ديني لكنها لا تبلور الا مقاربات حيكت في دهاليز اعلى مؤسسات المخزن و هدفها الأعم هو ابقاء و تحصين قبضة المخزن في التمسك الاحادي بالمشهد السياسي .
ثانياً : نجاعة المتقمصين لقناع الفقهاء في خلق نقاش هامشي تسوده التفاهة كلما كان المخزن في مرحلة تستلزم نقاهة تدبيرية لرسم معالم السياسات المستقبلية ، أو كلما إنشغل الرأي العام بحدث تم تعميمه دون علمه المسبق به ، فلتحوير النقاش يجب خلق و اصطناع حدث مضاد يشغل الرأي العام ، مثلا فبعد فضيحة العفو عن البيدوفيلي دانيال تم اقحام الفيزازي الذي هاجم كل من احمد عصيد و لطيفة أحرار ،
ثالثاً : إختيار الفقهاء ﻷداء مهمة التغليط بين التبين من قدرة إشغال تفكير كل من اطياف اليسار و كذا الحركة الامازيغية و في نفس الآن يقومون بدور تمريغ باقي اصواب الاسلام السياسي في تراب التهمة لإجبارهم على الصمت بإعتبار ان المرجعية الإيديولوجية توحدهم .
رابعاً : إثارة فتاوى و نقاشات لا يتقبلها العقل السليم لدق مسامير أخرى في نعش حكومة لبواجدة إذ يرسل المخزن رسالة مشفرة مفادها أن المتأسلمين الصادحين بضرورة الإعمال بالدين هم أول من يتنكرون له بمجرد وصولهم لكرسي السلطة الصوري ، فتيبن مثلا أن القنديل السياسي الذي كان ينادي بضرورة الرجوع للدين كمصدر تشريعي أيام المعارضة هو اول من يتنازل عنه بعد الوصول للحكومة ، بل و تم توريطه في سجال مواجهة الدين بعد الردة عن موقفه من موازين و مدونة الأسرة و موافقته على مذكرة تخفيض الآذان ، و تأتي هاته الخطوات لتعبيد الطريق لرضيع المخزن القادم (الأصالة والمعاصرة) لدك المشهد السياسي بعد استنزاف قوى لبواجدة و الزج بهم في حرب مباشرة مع الشعب بعد الرفع من الاسعار و تبرير أنماط الفساد و العجز عن الخروج من التخندق التبعي ﻷوامر التماسيح و العفاريت .
خامساً : يأتي إقحام الخرجات الاعلامية الشاذة و الفتاوي اللامنطقية كخطوة مدروسة لجس نبض الشعب و معاينة مدى استجابته لخلق ردود أفعال انهزامية أمام مهيجات المخزن ، فالإستجابة الواسعة لهذه المهيجات دليل على عدم جاهزية الشعب لتحليل الوقائع و جرد العلل ، أي يتيقن المخزن من فلاحه في القدرة على التحكم في الذهنية الجماعية للشعب و توجيهها حسب ما تقتضيه إرادته .
سادساً : التنطع الفقهي في تسريب افكار متطرفة تتنافى مع المواثيق و الحقوق الدولية هو إرادة مخزنية عليا في تعطيل أي خطوة للإنتقال من تقليدانية النصوص الدينية إلى الإعمال بالقوانين و الأعراف الانسية ، فالاستجابة للفتاوي الشاذة للفقهاء دليل على تعطيل مسوغات التمييز التي من شأنها الرقي بالكائن المغربي من مرتبة الرعية الى مرتبة الإنسان بدعوى أن النقاش المفتعل مثلا عن تزويج القاصرات هو دليل على غياب محدد القيمة لدى المغاربة الذين لا يميزون بين المرأة الإنسان و المرأة المتاع ، و في خرجات الفقهاء بفتاوي شاذة مهاجمة لضرورة تكييف اللبنة المجتمعية المغربية مع العصارة الانسية في مجال الحريات الفردية و الجماعية ، هو خرق سافر لكينونة الفرد و اغشاء لبصيرته مما سينتج عنه تغييب لقيمته و إعاقتها و إذاك فلن ينتج الا مسوغات التخلف و تكريس الفصامية بين الذات و الإرادة التي من شأنها خلق كائن هجين لا يميز بين الحقوق و الواجبات و لا يستوعب ثقافة المواطنة .
سابعا : فسح المجال أمام مروجي أفكار التطرف في المنابر و الإعلام العمومي هو إرادة رسمية ممنهجة هادفة إلى التغييب المتعمد ﻷي نقاش يضع في لبه الأولويات التي يتوجب تسليط الضوء عليها لإشغاله بميكانيزمات مدروسة تبقيه سابحا في العبث السياسي المحاط به ، إذ ما معايير التفوق في قاموس المخزن حتى تتم تسمية الزمزمي بالعالم دون الاكتراث بخطورة ما يروجه ؟ و ما الجدوى من قانون الزجر إن لم يزجر عبد الله نهاري و ابو نعيم و الفيزازي الذي ينصبون انفسهم في موضع الالاه فيكفرون من شاؤوا و يثنون على من أرادوا ؟
ثامناً : إن الهدف من اقحام السلفيين في المشهد السياسي هو خلق تصارع ذاتي في رحم الحركة المتأسلمة ليبرهن النظام السياسي انه الوحيد القادر على استصناع التوافقات اللازمة للتعايش و بذلك احتكاره للسلطة الدينية و درئه ﻷي تيار يحاول مزاحمته في احتكار هذه السلطة .
تاسعاً : الهجومات المتوالية الهادفة الى المس بالذات الامازيغية و رميها بالشبهات هي إرادة مخزنية صريحة في عداء الخطاب الامازيغي لإبقاء إيديولوجية العروبة قائمة و هو أمر يثبت الانفصام الانتمائي بين الشعب و مؤسسة الدولة و تغييب النقاش عن ضرورة اقرار هوية الدولة الامازيغية و كتابة تاريخها بأقلام لا تشوبها النزعة العروبية الدخيلة ، إذ كيف يمكن السماح للذين كانوا بالامس القريب مدرجين على لوائح الارهاب و المتسببين في احداث الدار البيضاء أن يتبؤوا مكانة تخولهم الفصح عن خطاب متطرف يعادي الشعب و يشيع أفكارا تتناقض مع فكر التسامح و التعايش ، هنا يمكن القول أن هؤلاء تم استقدامهم بعد صفقة سياسية اخرجتهم من سجن الزاكي و عكاشة في هيأة صالحين يطبلون للنظام بعد ان قاموا بتكفيرهم قبلا و دعوا الى الجهاد فيه .
عاشراً : ان بيادق الاسلام السياسي جزء من مخطط مخزني رامي الى تكريس القبضة الاحادية على المشهد السياسي و دورهم تغليط الشعب و تمويهه بل و الفصل بينه و بين اولوياته الراهنية ، ليظل دوما متشغلا بفتاوي الجزر و يد المهراس و وطء الجثث و فضل تزويج الانثى في عمر العشر سنين .
من خلال كل ما سبق يمكن القول أن الضرورة تقتضي بالوعي الكامل ان الخرجات المتوالية لفلول الإسلام السياسي هي نزعة سلطوية هادفة الى الإبقاء على ثقافة تقديس اي خطاب ديني مهما بدت تناقضاته جلية في الاجابة على أسئلة قيم المواطنة و مواكبة تطور الفكر الانساني في مجال الحريات و دمقرطة الاسس التشاركية في الحكم ، فلا مجال للحديث عن فكر ديمقراطي بالمغرب مادامت الدولة ترعى من يروج لثقافة التمايز الوظيفي بين الرجل و المرأة و تعتبر المرأة مهيجا شبقيا اداتيا يجب قمعه لتفادي الفتنة و الفحش اللذان لا يتواجدان إلا في عقلية فقيه القفة الذي يطبق الأوامر و يصدر الاحكام بإسم الله من اجل مراكمة الثروة و الاغتناء السريع على حساب تشييع ثقافة استحمارية تبقي الشعب في منزلة القطيع .
إن اقرار النظام العلماني هو الكفيل بقطع الطريق على كل من يستخدم الدين مطية سياسية ﻷهداف مصلحية ضيقة تحصن أوتاد الدولة المنبنية على إمارة المؤمنين و تستخدم الدين كأداة زجرية في وجه كل من يعارض مقارباتها الشاملة ، فالسياسة تقتضي التكيف مع المتغيرات اللحظية التي تضمن للفرد و الجماعة استقلاليته القيمية و لا مبرر لتقييد الفكر بوازع التفكير الماضوي الذي ينطلق من نصوص يتم الإعمال بها شفويا و لا يمكن بلورتها أبداً الى تعاقدات تشريعية لتنافيها مع ما وصلت إليه عصارة الفكر البشري الآن .
إن الراهنية تقتضي القطع بحزم مع الخطاب التأسلمي الذي يغشي بصيرة العامة عن حاجياتها الرئيسية و تحويرها الى نقاشات هامشية منبنية على ما يجوز و ما لا يجوز ، و لن تحدث أية طفرة انتقالية في التشبع براهنية المواطنة الا بعد تنمية ذاتية تنمي مسوغات التفكير المتعقل المنطقي الذي ينظر للمحيط كمادة خامة يمكن استثمارها لبلوغ وطن منبني على استيطيقات الحداثة و التحديث بعيدا عن ترهات لحظية يشيعها مياومون مكلفون بمهمة قتل بوادر التوق للتغيير المعقلن الذي ينظر للدولة كنسيج تراكمي للاجتهاد الفكري و الإبداع و ليس قدرا مقدرا في الأزل لا يفك طلاسيمه إلا شيخ من الشيوخ بعد حك اللحية و البسملة ، إذ ان الاكراهات السياسات و تراكمات الريع و الفساد لن تزول أبداً بصلاة الاستخارة و لا بفتوى يفتي بها من يستفيد من الوضع الآني و يتلقى عن كل فتوى مأذونية أو هبة إن نجح في جعل فتواه تنزع من الفرد كينونته الانسية و تلحقه بخانة الكائنات اللاعاقلة التي تفتقر ﻷدوات التحليل و التمييز السليمين ، و لا ريب أن من يتناوبون على تكليخ الشعب بواسطة هكذا خرجات لا يخلو ان يكونوا مياومين سياسيين يتلقون أجرهم مقابل تطبيق حذافير خطة المخزن الذي يغير كل شيء مظهريا كي لا يتغير أي شيء في العمق .