بعد آخر خرجة لي إلى أرض المغرب العميق _عيون أم الربيع في قلب الأطلس المتوسط _ لم تبرح ذهني صورة هذا الشيخ الطاعن في السن والمعاق ، رجل يعيش في براكة/عش متر في متر ، يقتات مما تجود به أيادي المارين والسياح...وقفت لمدة أنظر إليه وسيل من الأسئلة الحارقة تتزاحم داخلي باحثة عن إجابة :كيف لدولة تحترم نفسها أن تسمح بكل هذا الحيف ؟؟ ، هل هي جاحدة لدرجة أن ترمي بمسنيها وهم "يعيشون" أيامهم الأخيرة إلى العراء عرضة للبرد والجوع والمرض والكلاب الظالة ؟؟ كيف يغازل النوم عيون مسؤولينا الأشاوس في أسِرَّتهم الوثيرة وهم يعاينون يوميا مشاهد بهذا العنف والقسوة ؟؟ ألا تذيب هذه الصور الجليد الذي يُغلف قلوبهم ؟؟ ألا تكسر وتفتت قلوبهم المتحجرة ؟؟ ألا تُحيي إنسانيتهم الميتة ؟؟ ....كيف يجلسون إلى مائدة الطعام وينظرون في عيون أبنائهم ووالديهم ولا يتصببون عرقا من شدة الخجل والشعور بالذنب ...أنتم يا رجال الدولة الذين تحكمون هذا الوطن _من كل الدرجات والرتب والانتماءات والأصول _ ، أنتم يا من تطلون علينا بزيكم الأنيق السينيي وعبر شاشاتكم المضببة وعلى صفحات الجرائد لتستظهروا أمامنا خطاب النمو والنماء والتنمية البشرية والديموقراطية وحقوق الإنسان والكرامة والويل لكحل ...أُعلنها صراحة وعلى الملأ :اخجلوا من جرائمكم أو ارحلوا عنا إلى الأبد ، ارحلوا ...لا نريدكم بيننا وأنتم تسرقون وتنهبون وتمارسون القتل البطيء بدل ممارسة الحد الأدنى من مهامكم...وكي لا يُزايد عليَّ أيا كان سأنقل لكم ما قاله ابني زكريا ذو العشر سنوات والذي عاين معي هذا المشهد/القصف المرعب :ماما ؛ خص الملك محمد السادس يجي يشوف هاد الناس كيفاش باقين عايشين في أكواخ وهاد المسن المريض _أوسا بالريفية_ ويقلب ليهم على حل ، ميمكنش يعيش فالمغرب ناس تترمي الماكلة فالزبل وتتعيش فقصور وتلعب بالفلوس وباقي كاينين ناس عايشين بطريقة العصر الحجري ...هاد شي ما يقبلو لا عقل ولا قلب ، والإسلام اللي تنعرفو فالمدرسة ماقالش هاد شي ، حتى لكلاب والقطط فأوروبا وأمريكا عايشين 1000مرة أحسن من هاد الناس .....

لم يسبق لي أن لقنته شخصيا حرفا واحدا مما قاله ، كان كل حرف من وحي إحساسه بالظلم المترامي هنا وهناك ، وبالخصوص حال المسن في العراء...هنا تأكدت بأن الإنسانية لا تُلقَّن ولا تُنقَل عبر الدروس والجمل والأناشيد ، بل نشعر بها ونلمسها في دواخلنا ونحن أمام المشاهد الحية للظلم ومعاناة الآخرين .لن أعتذر عن هذا المشهد المؤلم ولا عن التقاطي لهذه الصور الحية الناطقة ونشرها هنا أمام الجميع ، ولا عن اعتدائي على خصوصية هذا "المواطن"، والذي قد يتهمني الكثيرون بالتشهير به ونشر صورته دون إذن منه ...للضرورة أحكام وعلي أن أدلو بدلوي بشكل من الأشكال إيمانا مني أن الفضح هو أحد السبل إلى الخلاص من القهر الذي يجثم على صدر هذا الشعب ، وأن التستر لن يكون سوى في صالح من أجرموا عن سبق نية في حق هذا الوطن ، عل حال هذا البلد ينصلح يوما سيستقيم حالنا الأعوج إن كان الضمير دليلنا وإحقاق الحق سراجنا والإنسان والأرض هدفنا ، أما خيار الجلوس في قاعة الانتظار وانتظار الفَرَج والخلاص الذي قد يأتي أو لا يأتي أبدا ، فليس سوى خيار الجبناء المستكينين إلى القضاء والقدر والذين يقبلون بالظلم على الأرض مقابل تعويض عنه في السماء