لدى الدولة الفرنسية ثروة هائلة من الأصول اللامادية المتنوعة تتمثل بماركاتها، وصورتها، وأماكنها الراقية، وخبراتها كما بقواعد بياناتها... لهذا السبب أنشئت : وكالة تراث الدولة اللامادي (APIE) كمنظمة وحيدة في العالم مكرسة بشكل كامل لتقييم الأصول اللامادية الخاصة بالدولة. تعمل هذه الوكالة من أجل ثلاثة أهداف إستراتيجية هي : زيادة أثر إدارة التراث اللامادي على الاقتصاد، تحسين الفائدة من تقييم هذه الأصول بغية تحديث الخدمات العامة، وأخيرا تجهيز الدولة والمستخدِمين بالأدوات لمواجهة مخاطر الاختلاس.
كان الازدهار الاقتصادي في بلد ما يعتمد في الماضي وبشكل رئيسي على رأسمال البلد المادي، لكن الأوضاع تغيرت اليوم وأصبحت القدرة على التجديد وابتكار المفاهيم وإنتاج الأفكار عاملا حاسما في مجال التقدم الاقتصادي، ولم يعد التراث ماديا فقط إنما هو الآن لا مادي. لهذا السبب تأسست في فرنسا وكالة تراث الدولة اللامادي (APIE) المرتبطة بوزارة الاقتصاد والصناعة والعمالة. لا تكمن مهمة هذه الوكالة في إدارة الأنشطة، إنما تقوم بدور استشاري داخلي يقوم على توفير المساعدة للسلطات الحكومية في سعيها إلى تقييم الأصول اللامادية. ولقد انخرطت هذه الوكالة منذ بداياتها على ثلاثة محاور تتسم بفوائد كامنة غاية في الأهمية.
يقوم المحور متحف اللوفر بالتفاوض مع السلطات الإماراتية على استثمار اسمه في أبو ظبي لفترة الثلاثين عاما القادمة مقابل 400 مليون يورو. وانخرطت أيضا ماركات شهيرة أخرى في هذا الاتجاه: من مؤسسة النقد في باريس وحتى مؤسسة التوثيق الفرنسية، ومن متحف غيمي للفنون الآسيوية وحتى الجريدة الرسمية، وكذلك من قصر شامبور وحتى جامعة باريس الرابعة... كذلك ظهرت الفائدة من خبرة وكالة تراث الدولة اللامادي أيضا مع معهد الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وكذلك لصالح مدرسة سان-سير الأول على الترويج للخبرات العامة وللماركات التي تدافع عنها. في هذا الإطار قام الحربية في دولة قطر (حيث تعلق الأمر بتقييم تاريخها واسمها من جهة وتراثها وزيها من جهة أخرى). عملت الوكالة أيضا على توفير المساعدة للمعهد الوطني للجودة وللمنشأ من أجل تهيئة عرض خاص بالتدريب موجه للمهنيين العاملين في حقل التوزيع في المخازن الكبرى.
تستغل الوكالة أيضا مسألة تقييم العديد من الدراسات والتقارير والبرامج المعلوماتية والخرائط والصور والمؤشرات والإحصائيات التي من شأنها إثارة اهتمام الهيئات الاقتصادية؛ فالوكالة مكلفة في إطار خطة فرنسا الرقمية 2012 بإعداد واجهة وحيدة تتيح بلوغ كافة المعلومات العامة. وسوف يكون الاطلاع على هذه البيانات متوافرا بشكل حر لكن يمكن أن تكون إعادة استخدامها لأغراض تجارية مقابل بدل. هكذا قررت وزارة الاقتصاد والصناعة والعمالة ألا يكون الاطلاع على قاعدة البيانات التي تشير إلى أسعار الوقود في المحطات على الأراضي الفرنسية مجانا، ولهذا فكرت إحدى الشركات باقتراح تحميل نموذج تطبيقي انطلاقا من هذه المعلومات يتيح للسائقين الاطلاع على ثمن لتر الوقود على هواتفهم الجوالة.
يتمثل المصدر الثالث في زيادة الاستفادة من التراث اللامادي بفتح الأمكنة الراقية لدى الدولة لتصوير الأفلام أو لتنظيم التظاهرات. ولقد أدى تصوير الأفلام في قصر العدل إلى الحصول على 200 ألف يورو في العام الماضي، كما تعرض وزارة الشؤون الخارجية والأوروبية للتأجير، وفق تعريفة تتراوح بين 50 و 70 ألف يورو، الصالون الكبير من أجل إقامة تظاهرات خاصة. ومن المتوقع أن يوفر تصوير فيلم في قصر فرنيزي في روما، مقر السفارة الفرنسية في إيطاليا، قرابة 100 ألف يورو. كما تم ترميم مبنى دار فرنسا في برلين بفضل تأجير أماكن للدعاية على "سآلات" المبنى وقدر المبلغ بـ700 ألف يورو. تتيح هذه الآليات الإبتكارية في التمويل إنجاز أعمال ترميمية وتحسين الخدمات المتوافرة للجمهور وتحديثها.
صدر مؤخرا أول تقرير عن هذه الأعمال وأظهر تحديث 69 نشاطا منذ 2007 وإطلاق 30 مشروعا منذ 2009. يقول المدير العام لوكالة تراث الدولة اللامادي كلود روبينوفيش أن "النهج فريد من نوعه في العالم، والأعمال المنجزة خلال فترة ثلاثين شهرا أظهرت أن هناك إمكانيات كبيرة للاستثمار وأن تنفيذها ممكن". خلال تقديمه تقريره السنوي أشار السيد روبينوفيش إلى أن "الأصول اللامادية زادت بقيمة 12.5 مليار يورو بفضل تقييم جزء من التواتر الهرتزي (4 مليار) وبفضل حصص انبعاث الغاز الحراري الخاضع لبروتوكول طوكيو (8.5 مليار)".
تتلقى وكالة تراث الدولة اللامادي التي تود إدراج نشاطها على المدى الطويل الطلبات بشكل دوري من ممثلي بلدان أخرى، وفي هذا الصدد عبرت بلجيكا والمملكة المتحدة عن اهتمامهما بهذه الهيكلية.
أنيك بيانكيني / Annik Bianchini
عن موقع وزارة الخارجية الفرنسية