بقلم عبدالغني راني العيادي
ألقى ملك المغرب محمد السادس خطابا تحت قبة البرلمان متوجها لنواب البرلمان بمناسبة افتتاح أعماله. الديكور إذن قبة البرلمان، امام ممثلي الشعب منتخبون على قاعدة سياسية و الملك يتقدم كفاعل سياسي. موقع الإختلاف بامتياز لا يجوز فيه تسخير أية قوة خارج قوة الإقناع و الإقتناع بالعقل. النخبة المغربية اشتعلت غضبا لأن الملك أدرج في خطابه حديثا أرجعه "لجده رسول الله صلعم". فخرجت علينا أقلام تبحث عما إذا كان الحديث موضوعا أم لا و ما حكم من يكذب على رسول الله؟ يعني أن هم النخبة، اليسارية منها أو العدمية، هو نفسه هم أي داعشي متخلف: يجوز أم لا يجوز رغم أن السؤال الجوهري هو من أصل مدني و ليس ديني: هل يحق للملك، كفاعل سياسي، أن يوضف الدين لشرعنة وجوده السياسي؟
هذا هو السؤال يتبعه سوال آخر يكمل الدين بالتقاليد هو مضمون الحديث ذاته أي تفسير حالة سياسية و اجتماعية بمظهر تقليداني موغل في القروسطوية ميتافيزيقي في عمقه: الحسد. وجوده ذاته و إلقاؤه لخطاب تحت قبة البرلمان مثير للجدل و باعث عن القلق: من هو الملك و ما مشروعية وجوده و توجهه لممثلي الشعب. رئيس الحكومة هو الوحيد مع وزرائه المفروض فيه أن يكون الموجه السياسي و موضوع مراقبة من المجلس التشريعي. السلطة التنفيذية التي تعبر عن اختيار الشعب من موقع اختيار سياسي معين و التي تحكم أو من المفروض ديموقراطيا و منطقيا أن تحكم و تكون المسؤول رقم واحد أمام البرلمان و إلا لم تصلح الإنتخابات و نقاش البرامج السياسية ما دام الملك هو من يوجه و يحكم بالتوجيهات السامية و لو كان على خطأ و هو في مشاريعه خاطئ الحسابات و يتوجه لمواجهة أزمة اقتصادية خانقة. الشعب ينتخب و يصوت و يختار خارطة طريق و الملك يفرض خارطة طريقه المقدسة.
الذي ضايقني ليس هو ما ضايق النخبة لأنني لا أهتم بالمصير الأخروي لمن يرتكب إثما دينيا، لكنني كعلماني أرفض و بشكل قاطع توظيف الدين في السياسة. و كسياسي أرفض شرعنة نظام الحكم شرعنة دينية إيديولوجية شعبوية و كديموقراطي لا أقبل بمسؤول سياسي إلا إذا كان من إختيار الشعب و مسؤولا محل نقد و مراقبة من طرف مجلس الشعب بأغلبيته و معارضته و مجتمعه المدني و مواطنيه الذين يدلون بأصواطهم يوم الحسم في المشاريع السياسية المقترحة. يصوتون على أشخاص و قيادة و برامج سياسية و خارطة طريق عليها نتحاسب. الحكومة نابعة من الاغلبية التي من المفروض ديموقراطيا أن تطبق ما وعدت به من صوت على برنامجها و منهجيتها. الملك يحكم بالتوجيه و التعليمات و الهبة و يطبق وجهة نظره و استراتيجيته و يضرب عرض الحائط باختيار الشعب و هو المفروض فيه أن يطبق دستورا هو كاتبه. الملك يسود و لا يحكم ليس شعارا فقط بل هو عمق المشكلة. ما هو محل ميزانية الديموقراطية من إعراب التنمية.
الملكية المغربية من عهد الحسن الثاني، كأي نظام حكم، يعتمد لشرعنة وجوده على آليات و تقنيات مدروسة. يشرعن لذاته بالدين أو الإيديووجيا، بالإقتصاد و الأسر الكبرى الثرية و بتاريخه كقدر محتوم. لا يستعمل فقط الدين بل الإيديولوجيا عامة فتجده يساريا متشددا يزايد على مناهظي العولمه فيخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة و يذكر في خطابه عبارات من اليسار، استمع لخطب الحسن الثاني حينما كان اليسار قويا في السبعينات و ستعلم كيف يوظف الصراع الطبقي و أدبيات يسارية مدلسة في مواقفه و عرض نظرته للمعظلات الإجتماعية و السياسية التي توجهه. بعد ظهور الشبيبة الإسلامية و تقويتها صار الحسن الثاني و من بعده محمد السادس يستشهد بآيات قرآنية و أحاديث نبوية. محمد السادس في قمة تهوره السياسي ربط لاوعيا وجوده بنسب شريف مقدس هو آل البيت و الرسول ذاته. ذهب أبعد من الحسن الثاني لأن المجتمع مهيأ لتقبل خطاب ميتافيزيقي لاواقعي من عمق القرون القروصطويه حيث كان الدين و الكنيسة حاظرة في السياسة بأروبا. ما فعله الملك هو نفسه ما تحاول إقناعنا به الحركات الإسلامية نظريا و ممارسة...الإستشهاد بالدليل الشرعي بدل الإعتماد على تحليل مادي ملموس لواقع مادي ملموس.
بيننا و بين من يحكمنا و من يتقاسم معنا المجال الإجتماعي الذي نعيش فيه "كونطرا إجتماعية"، عقد إجتماعي مركب في مضمونه و الأصل فيه القانون و الدستور و البرلمان. لا يهمني ما قال الله و ما قال الرسول و ما أصلك و فصلك مادمنا في نقاش دنيوي على مشاريع دنيوية لا تقبل إلا النسبية و الشرع يحمل في طياته المطلق. المطلق ليس ديموقراطيا و المقدس وجه من أوجه المطلق. الصراع السياسي نسبي لأنه يعرض لقراءة عقلية نسبية لا يمكن توظيف الدين و التقاليد و أي قوة أخرى كالرشوة و السلطة لإظفاء شرعية مطلقة عليه. العيب كل العيب أن لا يمكن في بداية القرن الواحد و العشرين عالميا أن ينتقد الملك و لو بأكبر السلطات قداسة : البرلمان. أن يبني السدود هو فعل سياسي، مشروع سياسي، برنامج سياسي ما علاقة أن تكون من أصل محمد و من دين محمد و تستشهد بقول محمد و مضمون مشروعك السياسي؟ الهدف من وراء خطاب سياسي هو الإقناع و الإقناع بدون قناع ديني بل عقلي. العقل أعقد و أصعب من الدين لأن الدين لا يناقش لأن ذلك حرام و السياسة نقاش و أخذ و عطاء و خطأ و صواب...إختيار السهل في الإقناع هو دليل على قصور الرؤيا و الفقر للفكرة و الحل.
تماما كما نرفض أن يأتينا الواحد منهم لنيل ما يريدة أن يقول: واش ما عرفتيش معامن داوي، انا راه من دار المخزن؟ الملك قالها بطريقة أخرى: واش عرفتي شكون انا راه من دار الرسول و يفهم من ذلك أنك مقدس و طاعتك من طاعة الله، ذلك الله الذي يقول: إنما الملوك إذا دخلوا قرية... الآية. الأخذ ببعض الكتاب مما يخدم استراتيجية الشرعنة.
كل هذا و هم النخبة هو هل هذا حلال أم حرام؟
الأمر الثاني هو استغلال معتقد اجتماعي سخرت لتعميقه في ذكرة الشعب آليات سوسي سياسية كبرة هو " الحسد و العين و ترهات و سفاسف أخرى ميتافيزيقية. من العيب و العار استعمال مثل هذه الحجايات و المعتقدات القروسطوية في خطاب رئيس دولة. الملك، كما كان يحلو للحسن الثاني، يعرف الشعب جيدا، الشعب مكلخ و مخدر بالإشاعات و التقاليد القروسطوية و بأفيون الأمية و الداعشية زائرة القبور و السحر الذي يسمم جانبا مهما من شعبنا...الشعب يقرأ جرائد الرصيف و أخبار السوق و يؤمن بأمور خطيرة عليه و على مستقبل أبنائه: الشعوذة. الشعب يستمع و يقرأ و يصدق التفاسير الميتافيزيقية أكثر مما يصدق التحاليل العقلانية. و للشعب ما يستحقه من نخبة.
كل هذا و نخبتنا تتهكم على خطاب الملك و استعماله لعبارة الحسد و الحساد كطباخة في الحمام التركي. لا تدري نخبتنا أن الأمر خطير و يحمل في طياته جزأ مهما من انحطاطنا. فإذا كان هذا حال شعبنا المكلخ و نخبتنا المكلخة و نظام حكمنا الذي يجارينا في كلخنا و يستعمله فلم يتبق لنا إلا الصلاة على النبي و على آله وتعيا تخم مي و تسربي السراب و تسيري للحبس كما قال بائع الزرابي من بني مسكين.