يبدو أن الزمن السياسي في المغرب ثابت و مقيم في البدايات لا تغيير و لا تحقيق للآمال مهما طال عليها الزمن و تعاقب عليها المكلفون بالتنفيذ أو بالأصح التفنيد هو سكون أزلي و ركود سرمدي ، فالزمن السياسي الحديث في المغرب - و أعني به بداية ما سموه بالاستقلال الى اليوم - واقف جامد بل حتى الأماني التي لم تتحقق منذ زمان ظلت نفس الأماني عجز خرافي لم يستطع و لم يقوى حتى على تغيير الأمنيات و لو من باب التمويه فالأسباب متعددة متداخلة لا تكاد تجد من بينها سببا وجيها فأولئك الذين خاضوا في اسباب السكتات المغربية ما أقنعوا فتتوالى السكتات بجميع أصنافها و يبقى ذات الجسد السياسي و كأنه فوق السكتات أو كأن الأمر لا يعنيه فكل "التخطيطات " تراوح مكانها و منذ أمد طويل و أكبر دليل على هذا الفشل الثابت في الزمان و المكان هو أن الأزمات التي واجهها المغرب في بداية الاستقلال هي ذات الأزمات التي يواجهها اليوم فقد تغيرت الوجوه وما تغيرت القضايا.
ولنا أن نقف على خطاب العرش الذي وجهه الملك محمد الخامس في 18 /11/1952 يقول فيه بصدد بالتعليم ( دعونا الى الاقبال على التعليم الحديث بسائر أقسامه و فنونه للسير بالبلاد في مضمار الرقي و النهوض و غايتنا تطبيق ما قررته لجنة التعليم الملكية) ، و هكذا نقف على أن المغرب كانت له لجنة ملكية خاصة بالتعليم سنة 1952 وكل الحصيلة أنه مازال يعدد و يغير اللجان و التعليم ما ازداد إلا كسادا و تقهقرا و يضيف نفس الخطاب : (و صادقنا على تعميم التعليم بين كافة الطبقات و جعله الزاميا من مبادئ القراءة والكتابة) أليست هذه هي أهداف الحكومة في سنة 2014 ؟ !حيث تتكرر على مسامعنا مرة أخرى دون حياء نفس الأمنيات و ماذا كان يفعل القوم منذ 1952 ؟ !،و نبقى مع نفس الخطاب : ( و الاهتمام بالتعليم الصناعي و الفني و انشاء معاهد للتعليم العالي الحديث ) فالمغرب انتظر منذ 1952 الى 2014 ليغير اسم معاهد التعليم الصناعي و الفني الى معاهد التكوين المهني فالأصل و المنطق يقتضيان أن يكون المغرب اليوم ضاجا بالمهنيين و التقنيين و الفنيين وليس تغيير مسمى فقط فأي سبات هذا و أي كساد و أي مضيعة حينما يصبح للفشل فوائد ،و لازلنا مع نفس الخطاب في سياق تنويهه باستجابة الشعب : ( فلبيتم دعوتنا و امتلأت المدارس العصرية بالتلاميذ و تكاثر عددهم حتى ضاقت بهم و قام الشعب بإنشاء مدارس حرة ظهرت نتائجها و تقدم طلابها ) رحمه الله لو أدركهم اليوم لرآهم كيف يحاربون ما سموه بالهدر المدرسي،اليوم يا سيدي ضاقت المقاهي لا المدارس و أصبح التعليم الخصوصي و كرا للسماسرة فها هي أمنيات 1952 أكبر و أشرف من أمنيات 2014 ضاقت فصول الدراسة آنذاك و هرب منها التلاميذ اليوم و أصبح المهتمون بالشأن العام اليوم كل همهم هو محاربة هجرة الأبناء في البحر و محاربة الهجرة في الفصول الدراسية لمن بقي منهم في الوطن .
و لا غرابة أن نصاب بالذهول حينما يضيف خطاب العرش لسنة 1952 و هو يتطرق للعدل : ( و بما ان العدل أساس العمران فإننا ما فتئنا نوصي كل من يباشر وظيفة عمومية و يتحمل من ذلك مسؤولية بأن يتحلى بالاستقامة و يتحرى الانصاف و النزاهة و وجهنا كل عنايتنا لإصلاح العدلية المغربية اصلاحا جوهريا شاملا ... و فصلها عن السلطة التنفيذية ... حسما لمادة الاهواء و الشهوات وبذلك يصبح رعايانا من مسلمين و اسرائليين أمنين على أنفسهم و أموالهم و يكونون سواء أمام الحق و القانون ...) .


بعد كل هته السنوات الطوال استبدلنا " ان الناس سواسية امام الحق و القانون " إلى " احقاق دولة الحق و القانون " و مرة أخرى و بعد هذا الردح من الزمان لم نستطع سوى تغيير المسمى و اليوم مازال المغرب يلوك مفهوم اصلاح القضاء و استقلاله حتى و ان كانت الرغبة الملكية آنذاك تنشد اصلاح القضاء اصلاحا جوهريا و شاملا ، و بالمناسبة أرى من العبث أن نقيم ضجيجا اعلاميا حينما يتعلق الأمر بسلوك شخصي لهذا المسؤول القضائي أو ذاك بدعوى اخلاله بالأدب و الأصل أن لا يخل بالقانون و يحاسب على ما أصدره من حكم لا ما صدر عنه من سلوك حتى و ان أصر بعض دعاة الكمال على القول بأن الشخص هو سلوكه ، فكم رأيت من فاسد في ثياب صالح و أعرف عمالا لم يتقاضوا بعد أجرتهم بدعوى أن رب العمل في عمرة رمضان عذر مقدس يحرم أطفالا من فرحة العيد فكم نحرم نحن من فرحة تحقيق دولة الحق و القانون و بأعذار ليست مقدسة .
اننا في الواقع أمام فشل سريالي يسبح في بحر المتمنيات فيه مسؤولين يجب أن يحاسبوا على فشلهم في تدبير الشأن العام فإذا بهم يحاسبون المجتمع على حلمه في تحقيق أمنياته فهل بهذا يمكن أن نعيد كتابة التاريخ حتى و لو كان المداد معتصرا من حسن النية ؟ بطبيعة الحال سيخرج علينا فقهاء المخزن بفتواهم المعتادة ليصرخوا في الناس بأن هذا قضاء و قدر و أن لا راد لقضاء الله متناسين أن القضاء الوحيد في نازلة الفشل هو نظام سياسي عتيق يمتد من أحزاب ترشح من هب و دب و سلطة تصرف فهمها لتسيير الشأن العام بالإهمال و التجاوز ، على أية حال فالذين يصوننا بالصبر عن الفشل عبر الارتواء من عين التريث عليهم أن يعرفوا أن الشياطين توجد في التفاصيل و أن الفشل المتتالي يحرك الجبال و يجعلها تكفر به .
*هاري بوتر * هته الرواية أو السلسلة من الروايات التي أصبحت ظاهرة فريدة في عالم التأليف و النشر فيكفي أن نذكر أنها ترجمت الى 65 لغة و بيع منها حوالي 400 مليون نسخة و تحولت الى أفلام سينمائية تحظى بنجاحات غير مسبوقة ، فالذي يهمنا هنا هو كاتبة تلك الروايات ( جوان رولينغ ) التي اعتبرت أن نجاحها المبهر ما هو إلا نتيجة من نتائج فوائد الفشل لدرجة أنها قامت بمحاضرة في جامعة " هارفارد " بعنوان " الفوائد الجانبية للفشل و أهمية المخيلة " حيث كانت مقتنعة في تمجيدها للفشل فبه و منه و فيه يبنى الاصرار و تشيد منصات الانطلاق و النجاحات ، فالمسألة هنا لا تعني أصحاب الفشل المزمن فهؤلاء المصحات ان لم نقل مزبلة التاريخ أولى بهم لا الحياة فان كنت وكما صرحت ان ما كنت تملكه هو الة كاتبة قديمة جدا و افكار كبيرة فعندنا يا سيدتي الفاشلون يملكون خطابات/تخطيطات يكدسونها امامهم كما يكدسون الثروات لا يراها نجاحات إلا هم و لا اظنهم يجرؤون لو انتابتهم لحظة صدق مع فشلهم.
ولهذا و غيره ان الزمن السياسي الحديث في المغرب استوطنه الركود و شب و شاخ على الأمنيات الذابلة التي تحولت الى صلاة بدون وضوء و بلا تيمم حتى بل اتضحت أنها حمل كاذب لم تنجب شيئا،يبقى فقط القول بعد قراءة اللطيف و التعوذ بالله أن خطاب عرش 1952 مازال ساري المفعول ... مات المنفذون و المعنيون ... و جاء آخرون ... وسيأتي من يكتب ذات المقال ... ليبرر فوائد الفشل.
شفيشو عبد الاله / الشاون