لا أشاهد الأخبار والتلفزة منذ مدة، عوض ذلك أقرأ كتابا أو رواية أو أشاهد فيلما، لكن الأخبار تتبعني أينما ذهبت. كل يوم أسمع أن هناك قنطرة تهدمت في مدينة ما أو قرية ما. في البداية قرأت أن ذلك حدث في كلميم بعد ذلك حدث الأمر في تارودانت، والآن قرأت في منشور على الفيسبوك أن الدور بلغ قناطر أكادير. قبل ذلك سمعت أنهم حملوا الموتى في شاحنة أزبال، قرأت ذلك في أماكن متعددة، لكني صراحة إلى حد الآن لم أجرؤ أن أشاهد ذلك في فيديو، إنها إهانة سريالية كبيرة غير متوقعة لا يمكنني تحمل مشاهدتها. لا أريد أن أحمل المسؤولية لأي طرف، فالمسؤولية ببساطة شديدة يجب أن يتحملها المسؤولون. طبعا الفيضان يمكن اعتباره كارثة تفوق أي توقع، وتتجاوز أي مسؤولية، لكن حين رأيت في بعض الصور عمليات إنقاذ بواسطة جرافة، أو بواسطة جر سيارة شرطة غريقة بحبل والمواطنون يسبحون حولها داخل المياه الموحلة كسمك البوري الرخيص، عرفت أن أفضل احتياط يمكن أن يفعله الواحد في المغرب حفاظا على سلامته وسلامة أطفاله الذين لم يتعلموا السباحة بعد هو السكن بعيدا عن الأنهار والوديان والسدود والقناطر، هذا هو ما يجب أن تدعو إليه الدولة، أن تطلب من المغاربة هجر المياه إلى قمم الجبال والصوامع وأضرحة المتصوفين، وإلا فالذنب سيكون ذنبهم في حال تساقطت الأمطار بغزارة غير مهذبة، إذ الذنب أصلا هو ذنب أولئك المواطنين الذين بالغوا في الدعاء أثناء صلاة الاستسقاء، طلبوا بطمع غامض من الله أمطارا أكثر مما يجب، طلبوا الفيضان.
هل سيصل الفيضان إلى الرباط؟ يوجد هنا نهر اسمه أبو رقراق، أنا خائف من هذا النهر الغدار، أعتقد أنه سيؤازر إخوته الأنهار الأخرى في العصيان والتظاهر المائي غير المرخص والتمرد الطبيعي على السلطة وسيفيض هو الآخر، لكنه بهذه الطريقة، باعتباره نهرا غبيا، لن يفيض على الوزارات والمسؤولين والفيلات والقصور، بل سيفيض فقط على الفقراء والحمقى والمتسولين.
رأسي تؤلمني، لا أستطيع أن أفهم أن الدولة ساهمت في كل عمليات الإنقاذ الكبرى بجرافة واحدة، وحبل واحد، وشاحنة أزبال. لا الجرافة ولا الحبل ولا شاحنة الأزبال لها علاقة بالإنقاذ أثناء فيضان.
للأسف هذا النوع من الكوارث الطبيعية يفضح حجم الغش والفساد والإهمال ونهب المال العام الذي يبدو صادما للجميع وتبدو الدولة عاجزة عن إخفائه وعن معالجته لشساعة تراكمه طيلة سنوات، كما يفضح أيضا التمايز الطبقي المهول بين البشر وبين المدن.
على الدولة أن تعرف أن حبل الكذب قصير، وأن عليها أن تتدارك أخطاءها قبل فوات الأوان، وأن تنقص من الخطابات والدعاية الكاذبة المجانية وتواجه مشاكلها بشجاعة من جذورها وأن تعرف أن المغاربة شعب طيب ومسالم ومحب يستحق حياة كريمة واحتراما قبل أن تحوله الحكرة هو أيضا إلى فيضان مهول وأصم يأتي على البشر والحجر.