بقلم زهير الشرادي
جماعة الإخوان المسلمين ، و السلفيون ، و القاعدة ، و داعش ، و الوهابية ، و من دار في فلكهم هم جميعا أوجه لعملة خبيثة واحدة اسمها الإسلام السياسي ، و ما تمارسه عدا ذلك من مهام دعوية و وعظية مجرد تمويه أو في أحسن الأحوال أنشطة موازية لمهمتها الأساسية و هي تحقيق يوتوبيا الحلم البئيس : إقامة دولة الخلافة التي لا تعرف حدودا معينة ... و الإسلام السياسي قديم جدا و يوشك أن يكون من قِدم الإسلام نفسه ، مارسه الأسلاف كما مارسه الأخلاف ، مارسته الأنظمة و السُّلَط كما مارسته المعارضات لإيمان الجميع بأن الجماهير لا يمكن أن تقاد بسلاسة دونه ... و لكنه فتر في مراحل و انتعش في مراحل أخرى .... لعل أول تسييس فعلي للإسلام كان عقب الهجرة المحمدية للمدينة و محاولة تأسيس أول نواة دولة إسلامية ، الوحي ساعتها كان تشريعا مباشرا متزامنا مع ما يقع من أحداث و ما يعترض التأسيس من عقبات و مصاعب ، و رغم ذلك كان يقع أن ينسخ تشريع راهني تشريعا جاء قبله عبر النص القرآني .... لن أفيض هنا في الحديث عن فترة النبوة تجاوزا للجدل ولكن التسييس بعد ذلك كان جليا و كارثيا في الوقت نفسه ، من سقيفة بني ساعدة ــ و النبي لم يوارَ الثرى بعد ــ و ما جرى فيها من أحداث ، مرورا بحروب الرِّدة ، و بعدها بما اصطُلح على تسميته بالفتنة الكبرى [ الصراع الدموي باسم الدين على السلطة ، اغتيال عثمان ، موقعة الجمل ، معركة صفين أو التحكيم ، موقعة النهروان ، اغتيال علي و بعده ابنه الحسين ، تناسل الطوائف المذهبية ] ... و ليس انتهاء اً بما تعاقب بعد مهرجان الدم هذا من خلفاء بني أمية و بني العباس و بني عثمان ..... تسييس الدين المضمخ بالدم جزء أصيل جدا من تاريخنا الدموي و لكننا توخيا للإنصاف لم نكن الوحيدين .... ليس الإسلام وحده من كان عرضة للتسييس و الإستغلال [ مع خصوصية الإسلام لأنه ديانة تشريعية بالدرجة الأولى و معتنقوه يعتبرونه حلا لكل الأزمات و صالحا لكل زمان و مكان ] ، بل كل الديانات التي عرفتها البشرية تعرضت لأبشع استغلال و كانت في الغالب مطية لمصالح بعض الناس على حساب بعض ، بما فيها الديانات الإبراهيمية ، بل خصوصا الديانات الإبراهيمية .... و لكن البشرية كلها في فترة متأخرة من التاريخ و بعد ثمن باهظ دفعته أدركت أن خلط الدين بالسياسة و مأسسته يعيد إنتاج نفس المآسي و في النهاية يسبب الدمار للجميع فلا منهزم و لا منتصر في الصراعات الدينية إلا إلى حين .... الإنسانية كلها آمنت بمجتمع يكفل حرية التدين و عدمه أيضا للجميع ، و حاولت عزله ما أمكن عن الخطوط العريضة لسياسات الدول ... حتى اختلافاتها و صراعاتها أيضا ترجمتها لمستويات أخرى يطول عرضها الآن ..... أقول الإنسانية كلها مع الإستثناء ... مع استثناء الدول التي يعتنق أغلبها الإسلام و خصوصا الدول العربية ....
من هنا أعود لما بدأت به ، جماعة الإخوان المسلمين هي الرحم الأم لكل حركات الإسلام السياسي التي تناسلت بعدها حتى و لو تبدت لأول وهلة فوارق نظرية كبيرة بينها و بين الجماعات الأخرى الأشد راديكالية .... هي تأسست بدايةً خلال العشرينات بدفع من تيار مذهبي ملعون إسمه [ الوهابية ] التي كانت ستارا دينيا لجرائم النظام المحدث وقتها نظام آل سعود ، الذي لم يكن يتمتع بأية شرعية تاريخية [ بعد تخلي الغرب عن شريف مكة ] ........ الوهابية كتيار متشدد و له ذراع عسكرية و كرسي حكم مدعوم من مهندسي سايكس بيكو ، كانت تريد أن تكون المركزية الدينية الوحيدة في المنطقة ، و كانت المدرسة الأزهرية في مصر تشكل لها تحديا حقيقيا ، فكان الوهابيون يلمزون الأزهر دائما بالشبهة الرافضية .... من هنا جاء سعي آل سعود لتأسيس حركة إسلام سياسي سني في مصر و من ثم تصديرها لباقي دول المنطقة .... معلم الصبيان حسن البنا كان أول من أقام هذا المشروع الملتبس في مصر ، بدأ مهادنا و دعويا أول الأمر قبل أن يتصاعد مسلسل التحريض و التدجيج و العمل السري الذي وصل قمته مع اغتيال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر ... و لكن البنا لم يكن ذروة كارثة التنظير الإخواني فداهية الدواهي كانت مع المقبور سيد قطب فقد كان أشد غلوا من المؤسس بكثير ، فأضاف مفاهيم كارثية و خطيرة لفقه الإخوان [ الولاء و البراء ، الحاكمية ، جاهلية المجتمع ] .... أعدم سيد قطب خلال الحقبة الناصرية و لكن أفكاره استمرت و توسعت ونبتت لها ذيول و أذرع .... و يكفي أن يعرف أي مهتم أن جلسات محاكمة سيد قطب و في قفص الإتهام كان أمامه متهم آخر ، شاب نحيف يلبس نظارات طبية و طالب بكلية الطب اسمه أيمن الظواهري .... أيمن الظواهري هو مؤسس تيار الجهاد المسؤول عن اغتيال السادات ، و أغلب أعضائه هم مؤسسو تيار الجماعة الإسلامية الذين أدخلوا مصر و دول أخرى في دوامة العنف الدموي خلال تسعينات القرن الماضي .... أيمن الظواهري نفسه هو زعيم القاعدة الحالي و رجلها الثاني سابقا و حليف حركة طالبان و عراب الأفغان العرب .... طبعا لا داع للتذكير بأن داعش حاليا هي أحدث و أقوى صرعة من صرعات الإسلام السياسي الآن ... و الحبل على الجرار .....
لا أنكر أن قوة و تناسل حركات الإسلام السياسي في تاريخنا المعاصر كانت وراءها مصالح و تجاذبات معقدة يتشابك فيها ما هو داخلي و خارجي .... و لكن أهم شريان يهبها الحياة هو ذلك الداعشي الصغير القابع داخل كل واحد فينا و المتربص بأول فرصة .... و كما ذكرت في أول المقال ، حركات الإسلام السياسي منجم خراب لا ينبض سواء تمكنت أو مارست التقية ، و لا أحد يمكن أن يتنبأ بما سينتجه هذا المنجم الملعون في المستقبل ......