بقلم زهير الشرادي
تعددت التعليقات و الكتابات و حتى الملاسنات بعد موت وزير الدولة في حكومة عبد الإله بنكيران الراحل عبد الله باها ، و بغض النظر عن ظروف وفاته المريبة و التي اختلف الكثيروثن في تقييمها بين معتقد بفرضية الإغتيال و بين مصدق للرواية الرسمية ، إلا أن ما لفت انتباهي هو التسييس الفج لنهاية الرجل ... كثير من خصوم العدالة و التنمية السياسيين قدموا التعازي للحزب و المنتمين له و المتعاطفين معه ، و كثير ممن لا يعرفون للموت حرمة و يخلطون بين الإختلاف السياسي و بين التناحر شتموا و تمادوا في الإستهزاء بكل وقاحة ، بل لمزوا و أهانوا أيضا حتى من أبدى تعاطفه أو قدم العزاء ممن ينتمي لنفس تيارهم الإيديولوجي .... و هذا المشهد الحقير يختزل الكثير من ضحالة مجتمعنا السياسي و حالة بعض [ المعارضين ] المثيرة للشفقة ....
كان انطباعي حول وفاة الرجل المأساوية مزيج من التعاطف و الإستغراب لوفاته في نفس مكان وفاة سياسي كبير آخر هو أحمد الزايدي و إن كان هذا الأخير من حزب تاريخي عتيد إسمه الإتحاد الإشتراكي ... لعل القاسم المشترك الأبرز بين الحزبين أن كلاهما ضيع على المغرب فرصة نادرة للوصول إلى دستور كامل الصلاحيات و نظام حكم ديمقراطي ...
عبد الله باها إصلاحي منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي ، لست أدري لماذا اصطُلح على تسميته بالحكيم فلم أجد في تاريخ الرجل الطويل أية حكمة تُذكر ... متهادن جدا مع النظام القائم حتى قبل تأسيس أول حزب إسلامي بالمغرب ، و هو من عرابي زواج الإسلاميين [ المعتدلين ] بالسلطة ، و هو ممثلا في حزبه من خدع المغاربة إبان بداية الحراك الإحتجاجي و ادعى أن دستور 2011 يضمن كافة الصلاحيات للسلطة التنفيذية قبل أن يخرج علينا بهلوان الحزب ليتباكى أمام كتلته الناخبة و أمام الشعب كله و يشتكي من الساحرات و التماسيح و العفاريت .... كانت محطة 2011 على علاتها فرصة حقيقية لانتزاع دستور قوي و إضعاف الشمولية المتمثلة في النظام الملكي و محيطه إلى أقصى حد ممكن ... حزب العدالة و التنمية ــ الذي كان باها حكيمه ــ رفض الحراك الإجتماعي السلمي بالمغرب حتى قبل خطاب 9 مارس الذي أعلن عن إعادة صياغة الدستور ، بمعنى أنهم ملكيون أكثر من الملك ، و بمعنى آخر كان الحزب مستعدا لاستغلال الفرصة و استلام السلطة في ظل الدستور القديم .... الراحل باها أيضا كان قبل تأسيس الحزب رئيس تحرير جريدة الراية التي كانت لا تخلو من غلو و تحريض إبان فترة السعينات ذروة عنفوان الحركات الإسلامية ....
أحمد الزايدي القيادي الإتحادي الذي مات في نفس مكان وفاة عبد الله باها خدع هو و حزبه المغاربة أيضا إبان حكومة التناوب في لحظة من أضعف لحظات نظام الحسن الثاني .... فالإتحاد الإشتراكي قرر خوض هذه التجربة [ التصالحية ] بدون أي ثمن سياسي حقيقي و بدون أي مساحة دستورية جديدة و بعد عقود من القمع و الإضطهاد و التنكيل بالمعارضين ... كثيرون تفاءلوا وقتها و بعضهم تراجع عن تحمسه [ الساسي نموذجا ] ، و رأى المغاربة وقتها صقور الإتحاد الإشتراكي و على رأسهم رجل بحجم عبد الرحمن اليوسفي يعملون جنبا إلى جنب مع وزير داخلية سيء الذكر اسمه ادريس البصري ... مرت مدة غير قصيرة قبل أن يدركوا كما أدرك الشعب أنهم مجرد أشباح ، و أن مركز القرار السياسي لم يتغير ... وصلت الخديعة ذروتها مع انتخابات 2002 بعد القفز على نتيجة الإنتخابات و تعيين رئيس حكومة ــ غير محزب أساسا ــ بالباراشوت [ ادريس جطو ] قبل أن ينسحب اليوسفي ذارفا دموع التماسيح و تاركا حزب الإتحاد الإشتراكي مجرد دكان سياسي مهدد بالإفلاس ما لم يمنحه النظام نفسه جرعات تنفس اصطناعي ....
بين الراحلين أحمد الزايدي و عبد الله باها [ الإتحاد الإشتراكي و العدالة و التنمية ] قنطرة صغيرة ، أحدهما مات تحتها و الآخر فوقها ... و الكل يعرف [ في لغة كرة القدم ] معنى القنطرة الصغيرة ! .... و فوقهما قطار يدهس في طريقه الجميع ...
ليس في الموت شماتة ، و نذل من لا يحترم حرمة الموت ، و لكن من السخافة و اللامنطق أيضا أن يبيض الموت تاريخ كل سياسي راحل .... عزاؤنا لحزبي الإتحاد الإشتراكي و العدالة و التنمية في فقيديهما ، و عزاؤنا لكل المغاربة أيضا ، فليس الحي في هذا البلد التعيس في ما يبدو بخير من الميت ....