بقلم حميد عقبي *
حكمت المحكمة الجنائية بمدينة نواذيبو في موريتانيا، مساء الأربعاء 24 ديسمبر 2014 ، بالإعدام حداً على المواطن الموريتاني ولد امخيطير بسبب كتابة مقال نشره موقع ينايري .كوم المغربي و الذي تطرق فيه الى نقاش موضوع الدين و التدين و تعرض فيه لذكر بعض الحوادث التاريخية من السيرة النبوية ليطرح بعض الاسئلة حول قرارات الرسول الكريم في تعامله مع الحكم على بني قريظة و مسامحة اهله يوم فتح مكه و كذلك عفوه عن هند بنت عتبة لقتلها عمه حمزة بينما طلب من وحشي منفذ الاغتيال عدم رؤية وجهه، و تم اعتبار المقال قدحا في شخص الرسول الكريم، و قد اعلن الكاتب توبته و ندمه و رغم ذلك تم الحكم عليه بالاعدام. و تسعى الكثير من المنظمات الدولية و الحقوقية لانقاذ الكاتب و لكن يبدو ان للحكم دوافع سياسية و ليست غيرة على الرسول عليه الصلاة و السلام.
لو تم التمعن في سيرة الرسول الكريم سنجد ان في حياته كانت هناك معارضة سياسية قوية كانت تناقش بحدة قراراته السياسية و العسكرية و كان الرسول الكريم يحسب لها حسابا و لم يتخذ ضدها احكاما قاسية بل رضي بها كمعارضة حتى و ان تم تسمية هذه الفئة المعارضة بسمة النفاق، كما تعرض الرسول خلال حياته لنقد نالت شخصه و اهل بيته من مسلمين كما حدث في حادثة الافك و مست الاشاعة زوجته الحبيبة عائشة و مع ذلك صفح الرسول عنهم جميعا، من ذلك يتضح بطلان الحكم باعدام هذا الكاتب لمناقشته و مجرد طرح اسئلة كان على العلماء توضيح تلك النقاط بشفافية دون تعصب.

علينا ان نفهم ان الرسول الكريم في خلال حياته حاول ان ينفي صفة الالوهية و العظمة و التبجيل و الاطراء الكبير متمسكا بصفة البشرية، و انه لا ينطق عن الهوى عند نقل النص القراني فلا يمكن ان يسهو او يرتكب أخطاء في نقل النص القراني المنزه عن الخطأ، و لكن في خلال حياته بل في احدى المرات صلى الظهر ركعتين بدلا من اربع و لما تم توجيه السؤال ان كان سهوا او تشريعا اعترف انه سهو و تم اتمام الصلاة، و في مسائل دنيوية كثيرة كان يقول لاصحابه انتم اعرف مني بشئون دنياكم مثلا مسالة تلقيح النخيل و غيرها من الحوادث.

ثم علينا ان ندرك ان مرحلة الدين كانت منذ البعثة الى الهجرة، حيث كانت مرحلة تثبيت العقيدة و الايمان و الحديث عن الله و الانبياء و تنقية الروح من شوائب الوثنية، ثم مع انتقال الرسول الى المدينة المنورة اصبح رئيس دولة و قائد جيش و لا يمكن نكران ان الرسول العظيم اعظم متدين و كان حكيما و يستشير اصحابه في المسائل السياسية و العسكرية و يحاول الاجتهاد في اخذ الاصوب لصالح الدولة و المجتمع، اي ما يعود من نفع مادي و معنوي لذلك التعامل مع حصون اليهود بني قينقاع و بني النضير و خيبر و بني قريظة كانت قرارات سياسية و عسكرية هدفها الاول النفع الخاص للدولة اي لم يكن تفكيرا دينيا محضا و كانت القرارات ناتجة من استشارات و لم تكن حكما او وحيا من السماء . و ربما قد يرى البعض هناك حدة في تلك الاحكام و هذا ياتي ان تاريخ قيام اي دولة في الكون قد تنتج عنها افعال و قرارات حادة و صارمة قد لا تناسب الخصم و لكنها ربما تكون ضرورية لتثبيت داعائم الدولة الجديدة، هذا يحدث و حدث قديما و حديثا و سيحدث مستقبلا بغض النظر عن ديانة الدولة و معتقدها الايماني، فمثل هذه القرارات الصارمة هي ضرورة سياسية و عسكرية محضة، و اما بخصوص العفو عن اهل مكة فهو ايضا قرار سياسي كون العرب و بقية القبائل كانت تنتظر هذا القرار و لو تم مثلا معاقبة اهل مكة ستقول العرب محمد يقتل اهله و عشيرته و ستكون هناك ردود سياسية كثيرة . لعل العفو كان له اثر كبير في توسع الدولة و انضمام الكثير من القبائل الى الاسلام كما ان الدولة كانت بحاجة الى عسكر و جيش و حكماء قريش الى الانضمام الى الدولة و الدين الاسلامي لما لهم من تاثير كبير و شهرة سياسية، لذلك حظي بعض زعماء قريش بالقاب فخرية. اذن نفهم ان العفو عن هند بنت عتبة يندرج تحت القرار السياسي، ربما هكذا يمكن ان يفهم البعض هذا الاجراء.

ان كان هناك قراءة لاي قرار سياسي و عسكري عند قيام الدولة الاسلامية في المدينة ثم توسعها هذا ياتي بالدرجة الاولى من المستشارين، كوننا نحن امام اجراء دنيوي و ليس ديني و اصحاب الرسول حسب وصفه عليه الصلاة و السلام هم الاعرف بشئون المسائل الدنيوية، اذن مناقشة التاريخ السياسي و العسكري عند قيام الدولة الاسلامية لا يعد قدح او ذم في شخصية الرسول كنبي له التبجيل و الاحترام و القداسة.

السكوت على حكم اعدام الكاتب الموريتاني محمد الشيخ هو عار و تنفيذ الحكم سيكون وصمة عار في جبين منفذيه و من صمت و ناصر هذا الحكم، فالرجل اعتذر عن مقاله و لو كان الرسول الكريم حيا يرزق لم يكن ليحكم باعدامه كونه في حياته لم يتم اعدام اي معارض رأي مهما كان قاسيا بل كان يستمع لمعارضيه في القرارات السياسية و العسكرية بانتباه و اهتمام بالغ و يرفض مجابهة معارضيه في الرأي بتسليط السيف على رقابهم، بل ربما يناقشهم و يجادلهم و يشرح لهم وجهة نظره و كان يتم حسابة تلك المعارضة عند صدور بعض القرارات السياسية و العسكرية بحيث لا تثير انشقاق في المجتمع. اي ان الكثير من القرارات عليها ان تكون في صالح الدولة اي الصالح السياسي و العسكري و الاجتماعي و لا يتم النظر الى كل قرار فقط بالمنظار الديني البحت، و تلك الاساليب تشبه ما يسمى اليوم فصل الدين عن الدولة او هكذا قد يفهمها البعض، و حتى ان تم فهمها هكذا لا يعد نقص او قدح في شخص الرسول الكريم . نجد ان الساسة و القادة الكبار اليوم يدرسون حياة الرسول العظيم باعتباره عبقرية سياسية و عسكرية فذة و يشيدون به، تظل شخصية الرسول العظيم شخصية مقدسة لدى كل مسلم علينا الا ننقص هذه القداسة بل بالعكس علينا التمسك بهذه القداسة و الدفاع عنها و لكن اعدام شخص بسبب مقالة تعد اساءة حقيقية للدين الاسلامي و للقداسة النبوية.
*كاتب و سينمائي يمني مقيم في فرنسا