" لسنا ننشد عالماً لا يُقتَل فيه أحد ، بل عالماً لا يمكن فيه تبرير القتل " ــ ألبير كامو ــ
بعيدا عن دائرة الجدل المنقسم بين انصار نظرية المؤامرة ومن يحمَّل الاسلامويين وزر الهجوم على مقر أسبوعية " شارلي إيبـــدو" الفرنسية واستشهاد الصحفيين .. فالمؤكد هو أننا أمام جريمة مرتكبة بكامل عناصرها ومكوناتها في حق الريشة ، ومسرحها محدد بدقة ، ودماء الشهداء لم تجف بعد ، والواقعة وقعت فعلا ووصل صداها الاعلامي الى العالم . وانقسم حولها المتلقين للخبر ، بين متذمرين من العملية ومرتاحين إليها وبين متعصبين ومتروِّين وبين متسرعين في الادانة ومتريثين في اصدار أي موقف وفاهمين وغافلين وسُذج ونبهاء وعقلاء وبلهاء .....
والاعلاميون والمثقفون بدورهم وقفــــوا مواقف مختلفة : مبررين العملية ومنددين بها و مندفعين ومحايدين و متحيزين و محترزين ومتفرجين ومُغَرِّقين ومتشفين ومتريثين في اصدار الأحكام و منتظرين لما سيسفر عنه التحقيق وآخرين لا مبالين ....
وفي الجواب على سؤال : من له المصلحة في الهجوم الارهابي وتصفية هؤلاء الكاريكاتوريين ؟؟ ايضا تفرقت السبل بين من اشار بأصبعه مباشرة ؛ الى الاسلامويين والى من أفتى بهدر دم الرسام واستباح روحه تحت شعار " إلا َّنبينا وحبيبنا محمد ص " . والى كل من خرج على امتداد " خريطة الاسلام " الى الساحات ليندد بالرسومات التي اعتبرها مسيئة للرسول ....والى مهاجمي مقر "شارلي إبدو" بالقنابل الحارقة خلال شهر نونبر سنة 2011 وكل من تربص ويتربص برسامي هذه الجريدة .
وفريق ثاني حمَّل المسؤولية للدولة الفرنسية ومخابراتها مبررا ذلك بكونها تريد إطفاء نور الاسلام وكبح مد الحركات الاسلامية بعدما استشعرت خطورتها . ومنهم من قال ان الدولة تمهد بذلك الى تمرير قوانين عنصرية ضد الجاليات المسلمة ...
وثالث وجه تهمة التخطيط للعملية الى دوائر صهيونية وامبريالية مدللا بأنها تبتغي معاقبة فرنسا على تصويتها الاخير لصالح دولة فلسطين . وإشهار أنياب " الاسلاموفوبيا " لتخويف فرنسا ودول اوربية اخرى من " مغبة " أي تعامل او تقارب مع المسلمين . ولتقليم أظافر حركاتها الاسلامية ، ولاستعادة الثقة للأنظمة العربية الرجعية بالكراسي بعدما فزعها الحراك الاجتماعي . ولضمان مزيد من التغلغل لصالح تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني واستنزاف خيرات الشعوب .

أقول كيفما كانت الرواية وأيا كان المُدبر... تبقى فرصة للمثقف والإعلامي بأن يساهم في فضح وانتقاد الخطاب الديني المتطرف . والرفع من مكانة " الحق في الحيـــــــــــــــاة " والسمو به نحو التقديس . والدعوة الى تجريم الفتاوى الهمجية المحرضة على القتل ونبذ كل ما يؤذي الضمير الإنسانى باسم الدين أو غيره ، وإشاعة ثقافة حقوق الانسان .والدفاع عن حرية الرأي والتعبير والدفع بالتعامل مع الآخر بروح الاخاء والمساواة والحوار والاقتناع ..
فلا يُعقل ان نرهن استنكارنا للجريمة وتضامننا مع شهداء الكاريكاتور و الريشة بالجواب عن السؤال : أيهما أولَا ، البيضة أم الدجاجة ؟؟ ونغرق في مستنقع " المؤامرة " من دون أن ننبس ببنت شفة الى فتاوى القتل باسم الله وباسم الدين الاسلامي. أو نشير الى دور دول كالعربية السعودية و قطر في دعم ونشر الفكر الظلامي التكفيري . والى شيوخ وأئمة قياديين ومربين بارعيــــــــــــن في التكفير وإحلال دم المخالفين والمختلفين ... نذكر نفاق " السعودية " كمثال صارخ لأن هذا البلد في أقل من يومين أدان بشدة الهجوم على اسبوعية شارلي ايبدو لينفذ عقوبة الجلد علنا بعد صلاة الجمعة في حق المدون " رائف بدوي " . الشاب الذي تدينه بنفس تهمة " الاساءة للإسلام " التي يوجهها أئمة الظلام الى كاريكاتوريي " شارلي ايبدو" .
وما جلد المدون " رائف بدوي " بتلك الطريقة الوحشية إلا حلقة في سلسلة الهجوم على " شارلي ايبدو" وعليك ايها الاعلامي والمثقف وعلى كل الانسانية فوق هذه الارض .
فلنشعل شمعة لنضيء الجانب المظلم فينا ، وننفض غبار ما راكمه ولا زال يراكمه فقهاؤنا من خطابات عدوانية وإجرامية شريرة ، خير من أن نهدر طاقاتنا في السؤال عن المؤامرة من غيرها .
ــ عبدالمالك حوزي ــ