قصة قصيرة لسعيد تيركيت
كانت تجلس معي في نفس الطاكسي مرسيدس 240 بيضاء اللون، صالونها بنفسجي ، عطرها أخاد من النوع الرفيع، في الكراسي الخلفية، كانت تجلس امرأة، وقد توارت تماماً خلف السواد, عفوا الخمار، لم يظهر منها غير عينيها, وبالطبع لم أستطع تبين ملامحها.. الطريق طويل والمشوار يستغرق حوالى الساعة, وعلى مدار الرحلة ترجل الركاب واحداً تلو الآخر, ولم يبق في النهاية سوانا.. كان السائق ينظر في مرآته من فترة لأخرى "ليؤمن" علينا; فالسائقون في مثل هذه الحالات يخشون تحول عرباتهم إلى "ملتقى العشاق".. كنت أختلس النظر إلى عينيها بين الفينة والأخرى وقد بادلتني نظراتي أحياناً, شعرت أنها أرادت تبادل أطراف الحديث إلا أن أعرافاً وتقاليد معينة قد منعتها من ذلك..
لم تكن تصدر أية إشارات من هذا الجبل الأسود الجالس بجانبي, فقط بعض التنهدات من فترة لأخرى, ربما بفعل الحر و ضيق التنفس داخل السيارة.. كنت أعرف أن هذا السواد يخفى خلفه ملامح رقيقة، و وجها في غاية من الجمال، و ثغر تحفه شفتان تطفأ ظمئ العطشان...... آه.. كنت أقول في قرارة نفسي، لقد أجبرتها الظروف على التواري و التخفي.. هذا الجسم الممشوق الضئيل الجميل وتلك العيون الزرقاء السماوية يشيان بما تحمله صاحبتهما من نقاء وصفاء و طيبوبة لا توصف, لم يكن جسمها فائراً ولكن تولد عندي شغف جامح، لأتعرف على ما يخفيه هذا الساتر الأسود... أف... تبا ... ثم عرفت, فقد حان دوري في النزول، لقد وصلت الى وجهتي... يا حسرتي على الزمن الدي طار بسرعة، فطلبت من السائق التوقف, وحين غادرت السيارة، كان الهدوء يلف المكان, والليل يوشك على اطلاق أطرافه، ولم أسمع شيئاً سوى صوت السائق مخاطباً الجبل الأسود القابع في العربة قائلاً:
- "وجد راسك... صافي راه فتنا براج ديال البوليس... وا محمد".