هشام دراز
مؤكد أن ما آخر ما نحتاجه هو حرب أخرى ، لكن تأتي الحروب بما لا يشتهي محبوا السلام مثلنا . فنضطر لمحاولة الفهم .
ما يحدث في اليمن من الصعب حقا اختصاره ، لكن مع ذلك سنحاول ما أمكن .
قد يكون ما يحدث في اليمن هو العنوان الأبرز ، للمرحلة القادمة في الشرق الذي لم يعد من الواضح هل هو أوسط أم شيء آخر من فرط ما مر عليه من حروب .
فلنحاول أن نبدأ من أعلى الدرج ، ليس أعلاه تماما ، بل أعلى ما نستطيعه في نص متواضع كهذا .
في أعلى الدرج تقريبا يوجد أمريكيون وحلفاء لهم من جهة ، ويوجد روس وصينيون وحلفاؤهما من جهة ثانية . وكثيرون هم الذين يقولون أن قرار الحرب في الجهتين قد تم اتخاذه . وأبرز ما يمكن أن نشير إليه هنا هو مقولة "هنري كيسينجير" الذي صرح منذ سنتين تقريبا أن طبول الحرب تقرع ، وأن الصم فقط هم من لا يسمعونها .
ليس من الضروري أن تكون ذا حاسة سمع مرهفة لتسمع قرع الطبول ، فيكفي أن لا تكون أعمى .
سوريا ، أوكرانيا ، كوبا مناطق عرفت تغييرات في الواقع الميداني بشكل أو بآخر تدل على أن شيئا ما يحضر .
فلنعتبر أن "هنري كيسينجير" المعروف بمكره وتضليله وخداعه ، لا يقول الحقيقة ، ولنعتبر أن احتمال حرب شاملة من هذا النوع غير عقلي لأن الجميع يعرف الإمكانات التدميرية الهائلة التي لدى الطرفين ، ولنعتبر أن فكرة حرب ثالثة هي فكرة مبالغ فيها . ولنركز على شيء واحد لا يمكن إلا أن نتفق عليه سواء أكنا خياليين جدا أو واقعيين جدا . ولنتخذها نقطة إنطلاق للتحليل .
النقطة الجامعة ، والجامحة في آن هو أن الجميع يعترف أن الصراع كائن ، على الأقل في شكله غير المباشر ، على الأقل عبر وكلاء ، على الأقل حرب باردة ، رغم أننا رأينا البارحة كيف أنها في اليمن صارت ساخنة جدا .
إذن صراع على أشده هو الحد الأدنى المشترك بين كل ذي عقل .
وكل ذي عقل يعرف أن الصراع يربحه من يوفر الغذاء أولا ، والطاقة ثانيا ، والحلفاء ثالثا .
إذا صغرنا نسبة التركيز بالمكبر على الخارطة ، وركزناه على اليمن ومحيطها ودققنا النظر ، نجد أن الغذاء ربما غير متواجد ، لكن الطاقة وحلفاء متواجدون بكثرة . كما أن هناك أشياء يسيل لها لعاب أي استراتيجي عسكري ، الموقع الجغرافي المانح للامتياز .
نعم فاليمن الذي بدون تأمين منطقته لا يبقى لقناة السويس أية قيمة ، لا يمكن أبدا إغفاله في أي صراع بين الأقوياء . وبترول الشرق -الذي ربما ما عاد أوسطا- ، ليس مهما أتذهب أمواله إلى دور القمار العالمية ، أم إلى دور نشر التشيع العالمية . بقدر ما هو مهم أن يكون الوكيل حليفا أو حليف العدو . هذه النقطة الأخيرة هي ما يهم الكبار .
كلنا رأينا كيف حاول الروس والصينيون جعل الإيرانيين إلى جانبهم . ونجحوا في ذلك نسبيا ، لكن الأمريكيون فهموا أنه سيكون من الغباء الاستراتيجي ترك أناس بطموح الايرانيين ينضمون للجبهة المقابلة ، ومعهم كل الحق في ذلك . فالإيرانيون أبانوا عن جدية تفتقدها الكثير من الشعوب ، بغض النظر عن طريقة وأسلوب ونظام الحكم الذي هو ما بعد ، بعد ، بعد آخر هموم القادة العسكريين .
لجعل الإيرانيين في المعسكر الغربي ، ربما اضطر الغرب لدفع ثمن فاوض الإيرانيون عليه بعمق ودهاء وبعد نظر لا يقل عن دهاء وعمق تفكير وبعد نظر أناس يجلسون في البانتاغون ، أو في البيت الأبض ، أو في الكونغريس .
نصف العراق ، كل اليمن ، بقاء بشار . وربما ، ربما ، ربما رفع الحماية عن السعوديين ، العدو القديم-الجديد للإيرانيين . إذا كان هذا العنصر الرابع واقع فعلا ، فما يحدث أكبر من كبير . هذا وما تقدم يمكن أن يكون جزء فقط من الثمن المدفوع ، مقابل أشياء لا يمكن لأحد أن يقوم بها إن لم يقم بها الإيرانيون .
أولا ، التخلص من منبع الخطيئة الأولى ، المرض المنتشر في العالم ، الإرهاب العالمي ، فكل ما علينا فعله هو أن نكون صرحاء خصوصا مع الذات . فالسعودية رحم الإرهاب ، الرحم الذي ولد الشيء وما عاد قادرا على التحكم فيه . لقد حاولوا جهدهم إذ أنه أصابهم أيضا لكن لا فائدة . خرجت الأمور عن السيطرة ، كما أن قوى كثيرة في السعودية يعجبها أن الأمر خرج عن السيطرة معتقدة أنه ربما ذلك من شأنه العودة بالعالم لأربعة عشر قرنا مضت ، لكن هيهات العالم يتقدم ولا يتراجع إلى الوراء .
‪#‎HichamDerraz‬
الشيء الثاني المطلوب أمريكيا من الإيرانيين هو أن تبقى منابع نفط الخليج متحكم فيها أمريكيا حتى إن صارت شيعية الهوى وليست سنيته ، من يهتم حقا .
الشيء الثالث هو ضمان سيطرة بعيدة المدى على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر -هنا نتذكر مسألة القرصنة ونعرف كيف أنه للتدخل في مكان ما وإحكام السيطرة تكون الأسباب متأرجحة بين الواهية والمضحكة- المنطقة البحرية بين الصومال واليمن عصب عالمي جد حساس ، والايرانيون سيساعدون على مزيد من التحكم والسيطرة عليه .
رابعا ، السيطرة على كيانات ما كنا نتصور يوما أنها ستكون كائنة وقد رأيناها تولد بين العراق وسوريا ، كثيرون يقولون أنه ليس من مصلحة الأمريكيين أن يتم القضاء نهائيا على كيان البغدادي حتى لو تم الانتهاء من التسويق لما يتم التسويق له . بعض مسامير جحا دائما تنفع .
خامسا ، مطلوب من الايرانيين مزيد من الاختراق للعالم الاسلامي السني أينما كان . ليس تعاطفا مع علي ، ولا حبا في آل البيت ، ولا إيمانا بحكاية البردة . بل فقط ليكون هناك نوع من التنوع الثقافي في العالم الإسلامي ، بحيث لا يحلم أحد بالسيطرة دون الرجوع واستشارة الكبار . ربما في العشر سنوات القادمة تصير نسبة الشيعة في العالم المسمى اسلامي حوالي الأربعين بالمائة . قبل عشر سنوات كانت أقل من عشرة بالمائة .
سادسا ، تركيا السنية ورغم أنها حليف ، ورغم أنها تنفذ الأجندات ببراعة إلى أنه من المهم جدا أن تكون هناك قوة قومية مهمة بنفس تعصبها واستعدادها لخدمة مصالحها وبنفس إيمانها بنفسها . من يعلم ما الذي سيأتي به الغد . والعرب قد أبانوا أنهم لا قبل لهم بتركيا التي ترى فيهم أقمارا يدورون في فلكها لا غير .
سابعا ، الابتعاد التام ، والنهائي ، والكامل من المحور الصيني الروسي الكوري الشمالي .
ثامنا وهي الأهم ربما من كل ما سبق . فكل النقاط السابقة هي غرب إيران ، وعلينا أن نتذكر أن لإيران شرقا مهما ، شرقا يطل على أفغانستان ، وشرقا يطل على الكثير من المشاكل ، شرقا عويصا جدا ربما هو التحدي الأكبر من ناحية التخطيط للعشرين سنة القادمة .
ربما هو سهل التخلي عن السعوديين أمريكيا ، لانعدام الجدوى ، وربما هو سهل تقليل دورهم ، وربما هو سهل الاعتماد على ما يروجون من خرافات كل مرة أقل . لكن المشكلة أن الأفغان لا يحبون حياة الدعة ، ولا يحبون طاولات القمار ، ولا يهمهم حقا البترول من عدمه . بل لديهم هموم مختلفة تتلخص في كثير من التطرف وبعض الأفكار البسيطة التي هم أبعد ما يكون عن حتى محاولة بدء تخيل مناقشتها . محاربة ما يسمونه التحالف اليهود والصليبيين ، إفناء الشيعة ، ونشر الإسلام السني السلفي في العالم كله من القطب حتى القطب . ومن اندونسيا إلى أستراليا مرورا عبر آسيا ، أوروبا وكندا . أي عبر الشمال وليس الجنوب . ومن المغرب حتا جنوب الأرجنتين مرورا عبر أوروبا وروسيا أي أيضا بالمرور عبر الشمال وليس عبر الأطلسي .
والحقيقة أن لكل مشاكل الشرق الذي كان أوسطا ربما حلول واقعية باعتماد استراتيجيات عسكرية إن لم يدركها المرء كلها أدرك بعضها بقراءة التاريخ أولا ، بدراسة الجغرافيا ثانيا ، وبالاطلاع على المقالات العسكريين والاستراتيجيين والمفكرين الغربيين ثالثا . لكن عندما يتعلق الأمر بأفغانستان ، فكل هذا يصبح لاغيا بدرجة ثمانين بالمائة ، وإذا أراد أحد أن يحقق نصرا هناك ، أو يمنع تدهو الأمور ، أو يكون مشاركا في صنع الواقع الأفغاني ، فعليه أن يكون مبدعا حقا . والأمريكيون صراحة ليست لديهم أي مشكلة مع الإبداع ، الإبداع في كل المجالات . وربما هم بصدد تجريب حل مبدع جدا بخصوص الملف الأفغاني ، يكون للإيرانيين فيه دور هام جدا ، إن لم نقل محوريا ، وأساسيا ، وجد حيوي .
كيف يمكن أن يتم استعمال الإيرانيين ليكونوا سدا بين طالبان والعالم ، وفي نفس الوقت لا يبدون أنهم موجودون أساسا من أجل ذلك .
المشاكل التي يجدها الأمريكيون مع طالبان كثيرة ومتعددة ويمكن القول أنها لا نهائية . وقد رأينا كيف أن الحملة العسكرية والعملية السياسية كانت أبعد ما يكون عن ما يريده القادة في وزارة الدفاع الأمريكية .
المقاتل الطالباني رخيص الكلفة . قليل الأكل ، قليل المطالبة بالحقوق . قليل المطالبة بالحماية . قليل طلب الدعم الجوي لأنه يعرف أنه غير كائن . قليل الكلام . قليل الاستهلاك للوقود . قليل الاعتماد على الآخرين . وقليل البقاء في مكان واحد . بالمقابل هو كثير في شيء واحد ، طلبه للعدو .
يمكن اعداد مقاتلين طالبانيين في بضعة أشهر ، وأحيانا في بضعة أسابيع ، بل بضعة أيام مرات كثيرة تكون كافية .
بينما يكلف الدعم النفسي للجنود الأمريكيين ملايين الدولارات للإدارة الأمريكية ، النفسيات عند الطالبانيين معدة من المهد . أناس يفكرون في الجنة ، والحور العين ، والأنهار التي تنتظرهم ويتصرفون على هذا الأساس وهم غير مستعدين للمناقشة ، هم فقط مستعدون للقتال .
لا يحتاجون معسكرات ، ولا يحتاجون بنيات تحتية حقيقية بل إنهم يعرفون بالفطرة أن الامتياز في صالحهم كلما كانت البنيات سيئة .
باختصار إذا وضعنا الجيش الأمريكي قبالة المقاتلين الطالبانيين في بيئة جبلية متخلفة وشرسة كالبيئة الأفغانية فإن الغلبة ستكون للأفغانيين رغم الفرق الشاسع بين العتاد والتخطيط والدعم . وهذا شيء ليس بالسر نهائيا ، يقوله الأمريكيون أنفسهم ، وقد رأينا نتائجه انسحابا أمريكيا مؤخرا .
إذن الجيش الذي يمكنه نظريا أن يقوم بمواجهة طالبان عليه أن يكون متصفا بالكثير من مواصفات أولائك المقاتلين . وفي نفس الوقت يجب أن يكون متفوقا تكنولوجيا ، إما إذا كان يخوض حربا هي مسألة حياة أو موت فإن ذلك يكن أفضل .
إذا بحثت في المنطقة عن جيش بهذه المواصفات ، لا تجد غير الجيش الإيراني .
مشاكل الأمريكيين لا تنتهي عند المسألة الأفغانية ، فباكستان مشكلة عويصة أخرى ، والسياسيون الأمريكيون عندما يريدون التعبير عن ما لا يريدون يقولون ، لا نريد باكستان أخرى .
حياة الإمبراطوريات معقدة ، وحياة من يريد أن يكون امبراطورية لا تقل تعقيدا . فقط الذين لا طموح لهم هم من حياتهم سهلة ، ومن بين الذين لا طموح لهم يوجد نحن المغاربة .
المغرب مصنف كبلد قمر . طبعا ليس لحسنه فتلك عقلية عربية متهالكة ، قمر بمعنى أنه يحتاج نجما يدور في فلكه ، يوفر له الحماية كي لا يأكله الجيران الشرقيون منهم والشماليون ، ويدخله في منظومته . المغرب لا يمكن في الوقت الراهن ولا لعشرين سنة قادمة ، أن يكون لا دولة إقليمية كتركيا أو إيران أو حتى مصر رغم ما وصلته من انحطاط بشع مؤخرا . المسألة ليست مسألة رفاه عيش المسألة مسألة تمكن أم عدم تمكن من الامتداد . وطبعا لا يمكن للمغرب أن يكون دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية ، أو روسيا أو الصين . المغرب محكوم من الناحية الاستراتيجية بالتبعية لقوة ما . يقدم خدمات معينة ، ويتلقى مقابلها لنقل امتيازات معينة . المغرب والذي كف عن محاولة لعب الأدوار الكبيرة في منطقته ربما منذ منتصف حقبة السعديين تقريبا . والذي تجاوزته الحداثة منذ ذلك الوقت تقريبا . الغارق في البؤس والتخلف والجهل كان يستغل أساسا جهل العالم الغربي بمدى ضعفه الداخلي . جبال الأطلس ، والأراضي شبه القاحلة ، والصحراء وفرت في القرون الماضية عمقا استراتيجيا ذهبيا لكل من كان يريد أن يمنع الإنزال الأوروبي . بعد ذلك فقط تصارع القوى الاستعمارية عليه هو ما أجل سقوطه . والآن لدى المغرب هم واحد . الحفاظ على استقرار هش ، بثمن باهض قليلون فعلا من تجشم عناء التفكير فيه .
كما لعب العمق الاستراتيجي وصراع القوى وسياسة طمس معالم الضعف ، لصالح المغرب لقرون . الآن يلعب عامل أساسي لصالح المغرب ، واستقرار المغرب ، وبقائه ضمن الدول التي قد تعرف حتى بعض الازدهار على المستوى الاقتصادي .
هذا العنصر ببساطة هو كونه دائما وعبر التاريخ ، يكون في أطراف الإمبراطوريات المسيطرة على العالم . فالمغرب يمكن أن نقول باطمئنان تام . في حدود ما هو متوافر من معطيات تاريخية حالية . فباعتباره حدود الإمبراطوريات يكون آخر ما تسيطر عليه الإمبراطوريات الصاعدة ، وآخر ما تتخلى عنه الامبراطوريات المندحرة .
لكي تصل امبراطورية ما وتفرض نفوذها في المغرب ، عليها أولا أن تفرض نفودها في أغلبية بقاع العالم ، فكلها مهمة أكثر من المغرب . وهذا كنز استراتيجي مذهل .
الرومان وبعدهم الأمويون وبعدهم العثمانيون . قبل أن يصلوا إلى المغرب كان عليهم اجتياح بلدان أخرى كثيرة .
هذا العامل مهم ، وحتى في العصر الحديث الفرنسيون والإنجليز والأمريكيون وصلوا إلى المغرب بعد أن أثبتوا جدارتهم في مناطق أخرى ، كلها تعتبر أهم ، وأكثر فائدة ، وأكثر إسالة للعاب من المغرب .
لكن حذاري ، ثم حذاري فكما العناصر الأخرى كانت في وقت ما مفيدة وفجأة صارت غير كذلك ، فالأقمار الصناعية مثلا ألغت قيمة الصحراء كعمق ، والطيران الحربي ألغى قيمة جبال الأطلس كعمق ، والاختراق المخاباراتي ألغى قيمة حجب المعلومات كوسيلة دفاع ، كما تم ألغيت هذه العوامل التي كانت تلعب لصالح هذه الأرض . يمكن تماما في أية لحظة أن يقع شيء يغير نظرة العالم لنا . فإذا حدث شيء جعل من الكبار يعتبرون هذه الأرض أهم من الأراضي الأخرى ، فإنهم لن يترددوا في نقل صراعهم إلى أي مكان يرون أن هناك مصلحة لنقله إليه .
لحسن الحظ والجغرافيا والتاريخ ، لا تزال مناطق كسوريا ، أوكرانيا ، الشيشان ، دول البلطيق ، كوبا ، مصر ، اسرائيل ، الأردن ، الضفة الغربية ، غزة ، اليمن ، العراق ، مصر ، كشمير ، التبت ، ودول أخرى ، أهم منا في خطط من يريد السيطرة والنفوذ والتمدد .
في الأخير ، لا ندعي طبعا أننا أحطنا بموضوع التوازنات وعلاقته بالمغرب احاطة شاملة ، هذا النص هو دعوة لرفع معايير الرؤية عندنا نحن المغاربة . كما أن نقطة مهمة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ، هي أنه نسبيا يمكن معرفة كيف يفكر الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون ، كما يمكن نسبيا معرفة طريقة تفكير الإيرانيين ، كما يمكن جدا معرفة كيف يفكر العرب ، فتفكيرهم جد محدود في الزمن وفي الجغرافيا ، لكن من الصعب جدا معرفة كيف يفكر الروس ، ونحن نكتب هذا النص جاء تهديد جدي جدا من الرئيس الروسي يعبر فيه عن رفضه المطلق لتغيير قواعد اللعبة في كل مكان ، وللتطويق ، ولمحاولات إضعاف روسيا . أكيد الروس قوة لا يستهان بها ، لكن يبقون دولة متخلفة مقارنة مع الغرب ، فروسيا دولة تعتمد على صادرات البترول بنسب هي نسب الدول المتخلفة . حوالي الستين بالمائة . لكن مهمة الأمريكيين واضحة قبالة أعينهم ، وإذا كان تحقيق الأهداف يتطلب طاقة كبيرة ، فإن عرقلة جهود الآخرين لتحقيق أهدافهم لا يتطلب إلا القليل من الدهاء . وإذا كان الروس من الصعب معرفة كيف يفكرون ، فإن الصينيين تقريبا من المستحيل معرفة على ماذا ينوون ، لغز محير ، الغموض التام . أما كوريا الشمالية ورغم صغرها الجغرافي فتبقى عجيبة من العجائب ، ومن العجائب توقع أي شيء .
مؤكد أنهم يعرفون تماما المخططات ، ومؤكد أن لديهم معلومات متاحة أكثر ، ومؤكد أن لديهم مخططين من الطراز العالي الجودة .
ألفنا الغربيين بحكم الاحتكاك معهم ، وتعلمنا منهم الكثير ، وصرنا قادرين على توقع جزء من تحركاتهم . أما الروس ومن والاهم فلا نعرف عنهم شيئا تقريبا .
والإيرانيون أنفسهم يمكن أن نقول باطمئنان أيضا أنهم لا يثقون في الغربيين رغم أنه على ما يبدو المصالح تصير مشتركة كل مرة أكثر ، فهم أدرى الناس بأن الغربيين يمكن تماما أن يحفروا أعمق الحفر لخصومهم في نفس الوقت الذي يظهرون وداعة ودبلوماسية تقارب ونهجا في الظاهر تصالحيا .
ما هو مؤكد هو أنه في حال وقع صراع ، سيكون هناك عامل ربما هو أكثر حسما من الأسلحة النووية ، إنه ببساطة الصراع على التحكم في المنظومات المعلوماتية التي تتحكم في المنظومات النووية .
فإذا استطاع طرف شل القدرات المعلوماتية للطرف الآخر ، سيستمتع بقصفه قصفا لا يملك الآخر معه إلا الاستسلام والرضوخ وتوقيع اتفاقيات الممنوحة للمنتصرين .
ورغم أن هذا قد يبدو غريبا ، فقد يكون فقط واحدا أو اثنين أو ثلاثة بالمائة مما هو من المحتمل حصوله في حال تفجر صراع .
العالم بحاجة لتوظيف التكنولوجيا لصالح التنمية المستدامة ، وليس لمتل هذه الترهات السخيفة السمجة .
لكن عقود من الأبحاث في المجالات العسكرية والتدميرية ووسائل السيطرة ، ومكننة العنف ، والتأصيل له ، والنظير له ، ونمذجته . تجعلنا نعتقد أن ما هو كائن من قدرات سرية في هذا الباب هو مائة مرة على الأقل ما هو مذكور في هذا المقال المتواضع .
يبقى أن البشرية معادلة غير قابلة للحساب ، وعواملها متعددة وكثيرة ، ونحن إذ نفكر #HichamDerraz نفكر بما هو معلن ومتاح ووصل إلينا ، لكن الأغلبية الساحقة من عناصر هذه المعادلة التي اسمها الإنسانية ، أو البشرية ، أو الحياة فوق الكوكب تخرج عن إدراكنا . وربما عن إدراك حتى أعتى المفكرين ، والمخططين ، والسياسيين سواء أكانوا شرقيين أو غربيين .