عبد الغني عيادي
مرة أخرى تعود المنظومة التعليمية المغربية للواجهة. هذه المرة لتؤكد كل ما قلناه حول المرض الحضاري الذي ينخر الأمة المغربية. يتعلق الأمر بالتسريبات التي شهدتها امتحانات الباكالوريا بالمغرب ككل سنة. الا أن هذه السنة ربما تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير أو لا شيء. كل شيء ممكن في بلاد العفاريت و الجن و السحور، بلاد توكل بل ما تعقل.ظاهرة الغش التي تنخر المجال التعليمي بل تتعداه لكل مناحي الحياة. البناء غشاش و مول لحليب غشاش و المطحنة دسيدنا غشاشة و الدقيق مغشوش والعلاقات الإجتماعية مغشوشة. راه المثل اللي يقول صفي و اشرب لا ينطبق فقط على الفرد بل على الدولة أيضا.

في كل سنة نصيح و لا أحد يسمع. و ما جدوى الصياح يا أسيادنا اللي في الحكم، ما جدوى أن معلميكم و أساتذتكم و إداراتكم و مقرريريكم و منظريكم يعلموننا القيم و هم للقيم على عرض الحائط ضاربون. ماذا نعلم لأبنائنا؟ أنبني حضارتنا على غش يا سادة؟ أتردن بفلذات قلبكن أن يعشن غشا في غش يا سيدات؟ لا طبعا. فلماذا هذا؟ لماذا سربت هذه الإمتحانات و ضربت عرض الحائط ملايير الإستثمارات في التعليم؟ أحلام؟ آمال؟ و لو مقلوبة و مغشوشة لكن في قلب الأزمة و قلب الأوساخ هناك زهور يانعة . لك الله يا زهور الربيع المغربي، لك الله !

لغة الصمت و الأوميرطا المتوسطية تفرض القيود على رجال و نساء التعليم. و يتحدثون عن الشروط، شروط مزاولة المهنة. هل اخترتها؟ هل يعيش براتبها؟ فلتعمل في كل الشروط، لا يهمني أن تكون في الصحراء أو في الجبال، هذا مغربك و أنت تعرفه، أن تناضل من موقعك فهذا حقك، تناضل على مصالحك لا على صالح الطالب، طالب العلم.

و الغش غير محدود في امتحانات الباكالوريا أو في شكل تسريبات؟ لا . الغش مؤسسة لها قواعد.

الغش المباشر هو هذا الذي فضحه طلابنا و تعيننا سرعة الإعلام و التواصل لنشره على أوسع نطاق لندق مرة أخرى ناقوس الخطر و نقول: لا تفعلوا كما لم تكونوا تعلمون؟ نحن نقولها لكم و بصوت مرتفع: نحن في قمة الإستعداد لنشرح لكم أدبيات الحكم و تسيير شؤون الدولة. لا نريد جزاء و لا شكورا فقط أنقذوا هذه الزهور. و حينما أقول نحن فنحن في الشعب و من الشعب، فقط إبحثوا عنا في الثانويات و الجامعات و المعاهد الكبرى و اسألونا كيف نعشق الوطن و لماذا؟

الغش الغير مباشر و هو على أوجه . أكتفي بذكر واحدة من وجوهه القذرة و هي واقع و ليس تحاملا على مهنة شريفة. هؤلاء السادة الذكور الذين يشرفون على بحوث الطالبات في جامعاتنا و يشرفون مباشرة على مصيرهن و تسول لهم أنفسهم أن يقايضوا بناتنا مقابل نقطة نجاح. لا عاش النجاح فينا ان كان الأستاذ الجامعي، المسوول السياسي يخل بقاعدة التنافس دون حكم قيمة على أخلاقه. فإن خرج سالما من العدالة فلا عدالة في هذه البلاد أيضا و أبقى متيقنا أننا مع كل هذه الأمور هناك عدالة فوق هذه الأرض.
التعليم بنيويا في خطر دائم لأن العقلية التي تتحكم فينا جمعيا هي عقلية المستهلك. ندرس لننال شهادة لنعمل لنربح فلوس لنشتري سيارة و نملأها بالبترول و كذا...هل هذه هي الصورة التي نحتفض بها على إنسان القرن الواحد و العشرين؟ و مسلم من الفوق؟ لا ندرس لنهاجم الجهل فينا و نكون من المنتجين المشاركين في ركب الحضارة الإنسانية. لأن من يحكمنا تهمه الأسواق و لا تهمه المدارس و لا الأحياء. لأنه يرى في البناء فرصة لفتح محلات جديدة لا لأنها تأوي أرواح. حتى لو أنه تهمه الأرباح فيا ليته يعلم أنه برع المستوى التعليمي نرفع الدخل و برفع الدخل تسير قافلتكم الإستهلاكوية الإنتاجوية بخير. الخلل هنا يا أسياد. لا نلومن إلا أنفسنا لأنها مصيبة و هي منا.

التعليم ليس كبقية اليادين التي يمكن التهاون معها. لا. التعليم و التكوين هو المختبر الذي تخرج من ڤيتامينات التطور الإنساني، التي أعطتنا كل هذه الإنتاجات الموغلة في التطرف الإبداعي لأن عقولنا تستوعب فقط ما تستطيعه. التعليم منظور حضاري و ليس ملفا سياسيا تقوم حوله البوليميكات. التعليم مقدس يا أسياد.